كما نصت المادة ( 1/39) من قانون التحكيم المصري رقم 1994/27 م على أنه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة، اتبعت القواعد الموضوعية دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين، مالم يتفق على غير ذلك". وواضح من النص أن القانون المصرى للتحكيم قد أخذ بفكرة الحرية المطلقة للأفراد في اختيار القانون واجب التطبيق على العقد موضوع النزاع، حيث لم يقيد إرادة الأطراف في اختيار القانون بأي قيد، فيجوز للأطراف اختيار أي قانون ولولم يكن له صلة بالعقد. فقد حرص المشرع المصري على ضرورة التزام هيئة التحكيم بالقواعد وبالقانون الذي يتفق عليه أطراف النزاع ليحكم نزاعهم، ولا يجوز للهيئة ترك هذا الاتفاق والحكم بغيره. وحق الأطراف في الاتفاق على تحديد القانون واجب التطبيق على نزاعهم، يكون بأحد طريقين، باتفاقهم على قواعد معينة تحكم نزاعهم، أوباتفاقهم على اختيار قانون دولة معينة.
عموماً .. يؤكد أصحاب هذا الرأي مع تقريرهم بحرية أطراف التعاقد في تجزئة الاتفاق وإخضاعه لأكثر من قانون، إلا أنه يجب الحفاظ على الوحدة البنائية لاتفاق التحكيم، من حيث إبرامه وآثاره وانقضائه وإخضاعه لقانون واحد، وذلك لأن تقطيع أوصال اتفاق التحكيم، وإخضاع كل جانب منه القانون يخل بالتوزان ويعرضه لأسباب البطلان التي قد يقررها أحد القوانين الوطنية واجبة التطبيق عليه.
ثانياً: فى فرنسا
أن القانون الفرنسي قد منح الأطراف الحق في اختيار القانون الذي يحكم النزاع، بل ويرى غالبية الفقه أن استخدام هذا القانون تعبير (القواعد القانونية بدلا من لفظ (القانون) قد قصد به عدم تقييد ارادة الأطراف في اختيار قانون وطني معين يحكم العقد، فمن حق الأطراف الاتفاق على تطبيق قواعد لاتنتمي للقانون الداخلى لدولة ما، ومن حقهم الاتفاق على تطبيق المبادئ العامة في القانون.
فهذه القاعدة تعبر بطريقة لاتدع مجالاً للشك عن حق الأطراف في تعيين القانون واجب التطبيق على علاقاتهم التعاقدية، سواء أفصح هؤلاء عن إرادتهم في شكل صريح أوتمثلت في شكل ضمني، إذ أنه وفقا لمبدأ سلطان الإرادة فإن للإطراف المتعاقدة كامل الحرية في تعيين القانون الذي يحكم العلاقة التعاقدية بينهم. هذه الحرية كانت محل خلاف فقهي بين مذهبين:
الأول : المذهب الشخصي :
الذي يرى أصحابه ضرورة منح أطراف التعاقد الحرية المطلقة لإرادتهم في اختيار القانون واجب التطبيق على علاقاتهم التعاقدية، وعدم خضوع عقودهم لحكم أي قانون وطني لدولة محددة، بحيث تعتبر الاشتراطات التعاقدية التي يتضمنها العقد كفيلة في حد ذاتها لخلق نظام قانونی، ينظم على نحو شامل ودقيق كافة العلاقات بين الأطراف المتعاقدة دون حاجة إلى الرجوع إلى أية قاعدة قانونية.
الثاني : المذهب الموضوعي :
فيرى أنصاره أن العقد لاينتمي إلى القانون الذي يختاره الأطراف لحكم علاقاتهم التعاقدية، وإنما يحدد القانون مسبقاً العلاقات الخاضعة له، لأنه في حالة عدم القول بذلك فمن المؤكد أن القانون سيفقد كل مقوماته الملزمة والنافذة، طالما أتاح للأطراف حرية التنصل من أحكامه عن طريق الاتفاق على استبعاده.
مبدأ سلطان الإرادة في تحديد القانون واجب التطبيق على المنازعات التي يكون أحد أطرافها شخص معنوي عام، فقد إتضح لمجموعة العمل لوضع نصوص هذا القانون، أن لجوء الأشخاص المعنوية العامة يخولهم حق الاتفاق على القانون واجب التطبيق، وقد يتفقوا على تطبيق قانون آخر غير القانون الوطني وانتهت إلى الآتي: -
أن الحرية الممنوحة لأشخاص القانون العام في اللجوء إلى التحكيم، لا يترتب
عليها أية آثار بالنسبة لاتساع مبدأ سلطان الإرادة في إعمال القانون واجب التطبيق على الموضوع، فهذه الأشخاص لايمكن لهم عن طريق اتفاق خاص استبعاد القواعد التي تحكم أنشطتهم.
- إذا كان من شأن اللجوء إلى التحكيم، تبديل القواعد التي تحدد اختصاص القضاء الوطني، فإن ذلك لايؤثر بأي حال من الأحوال على طبيعة المنازعة، ولا على القواعد القانونية التي تحكمها.
- وانتهت مجموعة العمل في هذا التقرير إلى التوصية بضرورة تطبيق قواعد القانون الوطني، التي لايمكن أن تكون سوى القانون الإداري الفرنسي، على اعتبار أن القاضي الإداري - قاضي الرقابة- غير مختص بنظر المنازعات الخاضعة لقانون أجنبي.
- ورد ذلك في المادة الثانية من مشروع القانون قبل إحالته إلى مجموعة العمل- ونصها كالآتي: "يتم الفصل في المنازعات الخاضعة للتحكيم وفقا للقواعد واجبة التطبيق التي يعينها القانون الفرنسي، مع التحفظ بشأن الحالات التي يسمح فيها للأطراف بتحديد القانون واجب التطبيق.
والباحث يرى وجاهة ما انتهت إليه اللجنة، ويؤكد ويشدد على ضرورة الأخذ به، ويناشد المشرع المصرى بسرعة التدخل بتعديل تشريعي على القانون المصرى للتحكيم رقم ۲۷/ ۱۹۹۶م بما انتهت إليه مجموعة العمل الفرنسية.
ويرى د/ حازم عتلم .. أن في مصر إعمال مبدأ سلطان الإرادة على منازعات العقود الإدارية للدولة المبرمة مع الشركات الخاصة الأجنبية، كان يستتبع - قبل صدور قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية - انطباق القانون العام المصرى ذاته كلما اتجهت إرادة الأطراف إلى اختيار ذلك القانون على نحو صریح، بل إن ذلك الأثر إنما كان يترتب هنا أيضا بقوة القانون - كلما ثبت انصراف هذه الإرادة المشتركة إلى إحداث ذلك الأثر على نحو ضمني، إذ ذلك الحكم أكدته في مناسبات عديدة محكمتی عدل لاهای بالتأسيس على قرينة عدم انصراف الدول ذات السيادة إلى الخضوع لغير قانونها، ورتبته كذلك مبادئ القانون الدولي الخاص، بالتأسيس على إسناد العقد الدولي إلى القانون الأوثق صلة بالرابطة العقدية (باعتبار أن القانون المصرى هو قانون محل إبرام العقد أو قانون محل تنفيذ الالتزامات التعاقدية، وكذلك الذي يتركز في ظله الأداء المتميز للمدين، فضلا عن الارتباط الوثيق للعقد ذاته بالمصالح الأساسية للدولة).
توثيق هذا الكاتب
ويتفق الباحث مع الرأي القائل بوجوب أن تصر جهة الإدارة بإرادة صريحة وواضحة بأن القانون واجب التطبيق على عقودها هو قانونها العام الوطني، كما يجب أن يتم ذلك بوضوح فلا تكفي الإشارة الضمنية إلى القانون العام الوطني، الأن قضاء التحكيم الدولي غالبا ما يحدد هو القانون واجب التطبيق على النزاع، بمايرى أنه الأكثر ملائمة للنزاع وذلك عندما تكون الإرادة صريحة، وقد يأخذ بالقانون الخاص ويترك القانون العام.
والدليل على ذلك قضية هضبة الأهرام عندما استبعدت محكمة التحكيم القانون الإداري المصري بالرغم من وجود الإشارات والقرائن التي تدل على أن هذا القانون هو الواجب التطبيق - نظرا لغياب الاتفاق الصريح على تطبيقه.
كما استبعدت هيئة تحكيم في قضية Letco ضد دولة ليبيريا في حكمها الصادر في 31 مارس 1986 م بتطبيق قانون دولة ليبيريا، واستندت في ذلك إلى عدم الاختيار الصريح لتطبيق هذا القانون على موضوع النزاع.
وتعللت تارة باسم المبادئ العامة للأمم المتمدينة وعدم ملائمة القانون المختار من الأطراف لحاجات المعاملات الدولية، وتارة أخرى بعدم تمشيه مع المبادئ العامة للدول المتمدينة، كما تعللت بمخالفته للنظام العام، وأخيرا بحجة اتباع الحيدة بين طرفى النزاع .