لأطراف العملية التحكيميه صلاحية واسعة في اختيار القواعد الإجرائية، كما لهم الحق الكامل في اختيار الطريقة المناسبة لهم لممارسة هذه الحرية، وهذه الطرق المتاحة لاختيار إحداها هي:
- أن يتولى الأطراف وضع القواعد الاجرائية بأنفسهم وصياغتها بالصورة التي يرونها أوعلى الأقل جانب منها. - أن يتفق الأطراف على ترك مهمة وضع القواعد الإجرائية لهيئة التحكيم.
- أن يتفق الأطراف على اختيار قانون وطني معين أو لائحة تحكيم محددة يتم تطبيقها على النزاع.
- أن ينتقى الأطراف القواعد الإجرائية من بين مجموعة من القوانين ولوائح وهيئات التحكيم الإقليمية أوالدولية وتمزج بينها جميعا.
ثانيا الإرادة الضمنية
انقسم الفقه إلى ثلاث اتجاهات معارض ومؤيد ومتحفظ بشأن مسألة الاختيار الضمني للقانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم في منازعات الدولة، وذلك كالتالي:
الاتجاه المعارض : يرى أصحاب هذا الرأي بأن إعطاء الحرية لهيئة التحكيم في البحث عن الإرادة الضمنية يؤدي إلى تحكمها وإخلالها بتوقعات أطرافه، وأن هذا البحث هو مجرد وهم وخيال، ويستند أصحاب هذا الرأي على أن غياب الاختيار الصريح للإرادة مرجعه سببان:
الأول هو: أن إغفال الأطراف لهذا الاختيار عائد إلى عدم انتباههم له، وهو فرض مستحيل الحدوث في ظل العقود الدولية الحديثة.
الثاني هو : تعمد الأطراف عدم إثارة القانون واجب التطبيق خوفا وتلافيا لأي خلاف قد يؤدي إلى عدم إتمام التعاقد، وفي كلتا الحالتين لايمكن الإدعاء بوجود إرادة ضمنية في اختيار القانون، وتصدى هيئة التحكيم للبحث عن هذه الإرادة يؤدي إلى تطبيق قانون لم يتوقعه الأطراف، ولم يعبر عن إرادتهم الحقيقية وقد اعتنق حكم التحكيم الصادر في قضية .S.P.P ضد جمهورية مصر العربية هذا الاتجاه، فقد دفعت مصر بأن العقد المبرم بينها وبين الشركات الأجنبية قد احتوى على إشارات عديدة، تدل على أن القانون المصرى رقم 43 لسنة 1974م هو القانون الذي تم اختيارة ضمنيا من الطرفين ليحكم العقد، وعلى الرغم من وجود الإشارات والقرائن التي طالب بها الجانب المصري في هذا النزاع والتي تشير إلى اختيار الطرفين للقانون المصري ليحكم النزاع، إلاأن محكمة التحكيم أعرضت عن ذلك ولم تأخذ بفكرة الاختيار الضمني.
الاتجاه المؤيد: يرى أن مسألة الإرادة الضمنية للمتعاقدين حقيقة وليست خيالا، فبين الاختيار الصريح لقانون العقد وانعدام هذا الاختيار توجد منطقة وسطى وهي الاختيار الضمني، وينبغي التسوية بين الإرادة الضمنية والإرادة الصريحة في اختيار قانون العقد، شريطة أن تتأكد هيئة التحكيم من وجود الإرادة الضمنية عن طريق قرائن يطمئن لها، لأنها تكشف عن إرادة حقيقية للمتعاقدين.
وقد استند أصحاب هذا الرأي إلى ما أقره مجمع القانون الدولي بدورة انعقاده بمدينة بال بسويسرا عام 1991م والذي نص في المادة (203) منه على أنه: عند عدم وجود اختيار صريح لقانون العقـد فأنه يتعين أن يستخلص الاختيار الضمني لهذا القانون من ظروف معبرة تكشف بوضوح عن إرادة المتعاقدين في هذا الشأن".
الرأي الوسط : يذهب جانب من الفقه إلى أن فكرة الاختيار الضمني حقيقة وليست مجرد وهم، وكثيرا ما يعول عليها المحكمون، ولكن ينبغي التحفظ الشديد - الأخذ بهذه الفكرة، لأنه عند إعمالها بشكل مطلق سيؤدي ذلك إلى إدخال عناصر ذات طبيعة شخصية محضة من قبل هيئة التحكيم، فقد تسعى عند اختيارها للقانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم إلى استخدام قرائن إرادة إضافية، بهدف تركيز العقد في قانون معين تحت ستار الإرادة الضمنية.