انطلاقا من الفلسفة التي يقوم عليه التحكيم ، ومنها مبدأ سلطان الإرادة يذهب السواد الأعظم من الفقه ، وأيضا الاتفاقيات الدولية ذات الصلة - القانون الاتفاقى - إلى تكريس اختيار القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، الذي يحدد صحته ، أو بطلانه ، على أساس ما اتجهت إليه إرادة الأطراف في هذا الصدد .
ولكن يحق لنا أن نتساءل ، هل هذا الاعتراف بقدرة الأطراف على اختيار القانون واجب التطبيق ، الذى يمكن عن طريقه معرفة ، ما إذا كان الاتفاق صحيحا ، أو باطلا ، يكون بصورة مطلقة من كل قيد ، بحيث يختارون أى قانون يحلوا لهم ، حتى ولو لم تكن هناك صلة بينه ، وبين اتفاق التحكيم ، أم أن إرادتهم تتقيد ببعض الأسس الموضوعية ، بحيث يجوز لهم اختيار أى قانون ، بشرط أن يكون هناك صلة بينه وبين اتفاق التحكيم ؟ .
يمكن القول هنا ، بأن هناك طائفة من الفقه ، تذهب إلى القول بضرورة وجود صلة بين القانون المختار، ليطبق على مدى صحة أو بطلان اتفاق التحكيم ، وبين هذا الأخير ، مثل قانون الدولة ، التي أبرم فيها العقد، أو قانون الدولة ، التي يجب تنفيذ العقد فيها ، أو قانون الدولة التي يتبعها الأطراف.
وإذا سلطنا الأضواء على موقف الاتفاقيات الدولية - القانون الاتفاقى - من مسألة القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ، نجد أنه فيما يتعلق ببروتوكول جنيف ، فلم ينص على القانون المطبق على شرط التحكيم ، الذي يحدد صحته أو بطلانه ، وإنما عرض في مادته الثانية لتعريف القانون الواجب التطبيق فى شأن إجراءات التحكيم ، بما في ذلك تشكيل محكمة التحكيم . أما اتفاقية جنيف لسنة ٢٧ تنص في الفقرة ٢ من مادتها الأولى على أن قرار المحكمين ، الذى يطلب تنفيذه ، يتعين أن يكون قد صدر وفقا لمشارطه تحكيم ، أو لشروط تحكيم صحيحة ، وفقا للتشريع الواجب تطبيقه فى شأنها . فالاتفاقية هنا لم تنص على قواعد ةالإسناد ، التي يمكن طريقها معرفة القانون الواجب التطبيق ، بل أقصى ما حققته في هذا الصدد ، نصها على ضرورة صحة اتفاق التحكيم ، إذا أريد تنفيذ حكم التحكيم فقط .
أما فيما يتعلق ، باتفاقية نيويورك ، فنجد أن المادة ١/٥ فقرة ، تنص على أن الاتفاق على التحكيم يجب أن يكون صحيحا وفقا للقانون الذي أخضعه له الطرفان أو لقانون البلد الذي صدر فيه القرار إذا لم يكن في الوسع استخلاص أية دلالة تنبئ باختيار هما لقانون آخر».
أما اتفاقية جنيف سنة ٦١ ، فقد نصت المادة التاسعة منها ، على أن تطبق محاكم الدولة المتعاقدة ، فى النزاع فى اتفاق التحكيم (في غير أهلية الأطراف )القانون ، الذى أخضع له الأطراف ، اتفاق التحكيم ، في حالة عدم وجود أمارة فى هذا الشأن ، قانون البلد الذي يجب أن يصدر فيه الحكم» .
ولا يفوتنا القول هنا أن اتفاقية جنيف، كانت أكثر تحديدا من اتفاقية نيويورك، بإخضاعها جميع مسائل اتفاق التحكيم ، فيما عدا الأهلية، لقانون الإرادة . أما فى حالة عدم وجود هذه الأخيرة ، فإنه يطبق قانون البلد ، الذي يجب أن يصدر فيه الحكم .