الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / قانون الإرادة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / قانون الإرادة الصريحة

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    145

التفاصيل طباعة نسخ

مؤدى إعمال قاعدة قانون الإرادة الصريحة، أنه إذا اتفق المتعاقدان على نحو صريح على القانون الذي يخضع عقدهم الدولي لأحكامه، فإن هذا القانون يكون هو الواجب التطبيق.

وهذه القاعدة كما هي مقررة بشأن العقود الدولية فإنها تجد مجال إعمالها أيضاً في اتفاق التحكيم الدولي، ليس بحسبانه عقداً دولياً فحسب. وإنما بالنظر أيضاً إلى خصوصية نظام التحكيم وقيام فلسفته على مبدأ "الرضائية" والإعلاء من قيمة إرادة أطرافه.

وعلى ذلك فإن الأمر لا يثير إية صعوبة في حال اتفاق الأطراف صراحة على إخضاع "موضوع اتفاق التحكيم" لقانون معين. لوجوب إعمال هذا القانون على اتفاقهم.

إلا أن ثمة إشكالية تثور، إذا كان القانون الذي اتفق الأطراف صراحة على تطبيقه على موضوع عقدهم، منبت الصلة عن هذا العقد.

فهل يجوز إعمال هذا القانون رغم عدم وجود صلة بينه وبين العقد، أم لابد من وجود صلة بين العقد وقانون الإرادة تبرر تطبيقه عليه.

وهذه الإشكالية لم تثر بشأن اتفاق التحكيم على وجه الخصوص، وإنما ثارت بشأن العقد الدولي عموماً، وانسحبت إلى اتفاق التحكيم الدولي باعتباره عقداً دولياً بالمعنى الفني.

وقد اختلف الفقه في هذه المسألة إلى رأيين:

الأول يرى ضرورة وجود صلة بين العقد وقانون الإرادة  .

والثاني يرى عدم وجودة ضرورة وجود صلة بين العقد وقانون الإرادة.

وذلك على النحو الذي سلف سرده تفصيلاً لدى عرض الأحكام التقليدية لتنازع القوانين في العقود.

وقد أخذ العديد من الاتفاقيات الدولية بقاعدة قانون الإرادة في شأن اتفاق التحكيم ومنها:

أولا: الاتفاقية الأوروبية حول التحكيم التجاري الدولي المبرمة في جينيف عام 1961.

إذ نصت صراحة على هذه القاعدة في المادة 2/6 التي جاء بها: "تفصل محاكم الدول المتعاقدة في وجود أو صلاحية اتفاق التحكيم طبقاً للقانون الذي أخضع له الأطراف اتفاق  التحكيم".

كما جاء في المادة 1/9 - أ منها أن بطلان قرار التحكيم في دولة متعاقدة لا يعد سبباً لرفض الاعتراف به وتنفيذه في دولة متعاقدة أخرى إلا إذا كان هذا البطلان قد تقرر في الدولة التي صدر فيها أو وفقاً لقانونها صدر الحكم وكان لسبب من الأسباب الآتية (1).... إذا لم يكن اتفاق التحكيم صحيحاً طبقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف.

ويظهر من هذين النصين بوضوح وجلاء، أن الاتفاقية تعتمد في شان تقرير وجود وصحة اتفاق التحكيم، بالقانون الذي أخضع له الأطراف اتفاق التحكيم، أي قانون إرادة الأطراف، وذلك في أي مرحلة تثار بشأنها هذه المسألة.

ثانيا: اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨ إذ نصت لدى بيانها للحالات التي يجوز فيها رفض الاعتراف بحكم التحكيم وعدم تنفيذه في المادة 1/1/5. منها "أن من بين هذه الحالات إذا أثبت المحكوم ضده أن اتفاق التحكيم لم يكن صحيحاً طبقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف، أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم .

وهذا النص وإن كان خاصا بتقرير صحة اتفاق التحكيم في مرحلة الاعتراف بالحكم وتنفيذه، إلا أن عموم النص يشير إلى أن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم هو القانون الذي أخضعه له الأطراف أي قانون الإرادة.

وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه:

كما أن هذه الاتفاقية(اتفاقية نيويورك) جعلت المرجع في انعدام اتفاق التحكيم أو عدم صحته فيما عدا الأهلية للقانون الذي اختاره الأطراف ليحكم اتفاقهم على التحكيم ذاته أو ليحكم العقد الأصلي الوارد باتفاق التحكيم في إطاره أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم عند عدم وجود هذا الاختيار، وذلك وفقاً لقاعدة إسناد موحدة دولياً تكفل لهذا لقانون وحده دون غيره الاختصاص بحكم الاتفاق التحكيمي في كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجوده وصحته وترتيبه لآثاره فيما عدا الأهلية التي تخضع للقانون الشخصي لطرف التحكيم الذي يدور البحث حول اكتمال أو نقصان أهليته وقت إبرام اتفاق التحكيم أو العقد الأصلي المتضمن شرط التحكيم ذاته. 

ثالثا: القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام ١٩٨٥ "أونسترال".

حيث نصت مادته رقم ٢/٣٤ على أنه "لا يجوز للمحكمة المبينة في المادة 6 – أي محكمة أي دولة تتبنى القانون النموذجي وتدمجه في تشريعها الخاص بالتحكيم- أن تلغي أي قرار تحكيم إلا إذا قدم طالب الإلغاء دليلاً يثبت .. أن الاتفاق المذكور - أي اتفاق التحكيم – غير صحيح بموجب القانون الذي أخضع الطرفان الاتفاق له".

كما نصت المادة ١/١/٣٦ منه على أنه "لا يجوز رفض الاعتراف باي قرار تحكيم أو رفض تنفيذه بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه إلا بناء على طلب الطرف المطلوب تنفيذ القرار ضده وقدم دليلا يثبت، أن الاتفاق المذكور - اتفاق التحكيم - غير صحيح بموجب القانون الذي أخضع الطرفان الاتفاق له.

ويتبين من هذين النصين أيضاً أن القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985 "أونسترال"، قد أخذ بقاعدة قانون الإرادة في شأن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم.

إلا أنه يجدر بنا هنا بالذات أن نتوقف لنتساءل إذا كان هذا القانون النموذجي هو الأصل الذي أخذ منه القانون المصري جل أحكامه وسار على نهجه، وكان حريصاً على اقتفاء أثره ونقل أحكامه لفظاً ومعنى؟

إلى درجة أن المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم المصري قد تضمنت:

أن مشروع قانون التحكيم المصري قائم على عدد من الأسس أولها السيرفي ركب الاتجاهات الدولية الحديثة بشأن التحكيم التجاري. وكانت مراعاة هذا الأمر سهلة وميسرة أمام اللجنة الفنية، إذ سبق في عام 1985 أن أعدت لجنة قانون التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة (الأونسترال) قانوناً نموذجياً للتحكيم التجاري الدولي ودعت الدول إلى نقله إلى تشريعاتها الوطنية، وأوصت أن يكون النقل - موضوعاً وشكلا – مطابقاً للأصل بقدر المستطاع ليتحقق التوحيد التشريعي العالمي في هذا الجانب من التجارة الدولية وهو – كما هو معلوم – هدف الأمم المتحدة".

إذا كان هذا هو ما قررته المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم المصري، فلماذا أهمل المشرع تماماً مشكلة تنازع القوانين في شأن اتفاق التحكيم في قانون التحكيم المصري، وقعد عن تنظيم أحكامها فخلت نصوصه تماما من أي إشارة إلى القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم؟.

وعلى قدر غموض هذا المسلك غير المبرر من جانب المشرع المصري على قدر ما أحدثه من نتائج سلبية في هذا الشأن.

فقد كان من آثار عدم تنظيم المشرع المصري للقانون الواجب التطبيق على محل اتفاق التحكيم ما يلي:

1- الرجوع إلى القواعد العامة لتنازع القوانين في العقود الدولية التي ينظمها القانون المدني لتطبيقها على اتفاق التحكيم.

۲- التفرقة بين اتفاق التحكيم من ناحية وبين موضوع التحكيم وإجراءاته من ناحية أخرى من حيث مدى تقيد حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق بوجود تحكيم دولي. إذ يلزم لكي تخول لهم هذه الحرية في اتفاق التحكيم أن يكون دوليا، ولا يلزم ذلك بشأن موضوع التحكيم وإجراءاته، إذ يحق لهم اختيار القانون واجب التطبيق ولو كانوا بصدد تحكيم وطني.

۳- اختلاف الحلول القضائية بشأن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم.

 

1- أن اتفاق التحكيم هو تصرف قانوني إرادي، اي عقد، والعقد الدولي يخضع عموما لقاعدة التنازع الواردة بالمادة 1/19 من القانون المدني، والتي تخضع العقود الدولية لمبدأ قانون الإرادة.

۲- أن القانون المصري بشأن التحكيم، قد التزم نقل معظم أحكام القانون النمطي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي الخاص بالتحكيم لعام ١٩٨٥، وهو إن لم ينقل كل الأحكام، ومنها حكم المادتين ٢/٣٤- أو 1/36-أ ، فإن روح هاتين المادتين لا ينبغي أن تغيب عن تفسير نصوص قانون التحكيم المصري.

3- أن مصر قد انضمت إلى اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة في 10 يونيو ١٩٥٨ وصارت بالتالي جزءاً من القانون المصري، ومن ثم وجب إعمال أحكامها، ومنها الحكم الوارد في المادة 1/5/-أ ، الذي يخضع اتفاق التحكيم لقانون الدولة الذي اختاره الأطراف.

والباحث وإن كان يشاطر هذا الاتجاه الفقهي الرأي فيما ذهب إليه في هذا الشأن، إلا أنه يرى من ناحية أولى أنه ليست هناك مبررات مقبولة للمشرع في قانون التحكيم المصري للقعود عن تنظيم هذه المسألة الهامة وهي "القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم"، والتي أدت بالفقه إلى التماس تطبيق مبدأ قانون الإرادة على اتفاق التحكيم من غير نصوص قانون التحكيم؛ لخلوها من ذلك التنظيم.

ومن ناحية ثانية: فإن الإشكالية تثور بشكل أكثر تعقيداً عند غياب الإرادة الصريحة للأطراف في شأن تحديد القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم. وهو الأمر الذي انعكس على مسلك القضاء في هذا الشأن والذي اتجهت أحكامه -على ما سيأتي بيانه - إلى إعمال قاعدة قانون محل التحكيم. والتي اختلف من بعد ذلك في سند الأحكام القضائية في إعمالها.

وإذا نظرنا إلى مسلك العديد من التشريعات الأخرى في القانون المقارن؛ لتبين لنا أن عدداً منها كانت أحسن صنعا من التشريع المصري، إذ تصدت لإشكالية تنازع القوانين في شان اتفاق التحكيم، وتولت تحديد القانون واجب التطبيق عليه. ومن هذه التشريعات:

1- القانون الخاص السويسري لعام ١٩٨٧ الذي نصت مادته رقم ۲/۱۷۸ على أن يكون اتفاق التحكيم صحيحاً من حيث الموضوع إذا توافرت فيه الشروط التي يتطلبها القانون الذي اختاره الأطراف......

ويظهر من صراحة النص تقريره في شأن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم لقاعدة قانون الإرادة، وذلك بإعمال القانون الذي اختاره الأطراف على "اتفاق التحكيم".

وذلك بالرغم من أن ذات القانون قد تضمن في المادة ١/١١٦ منه النص على إعمال مبدأ خضوع العقود الدولية عموماً لقانون الإرادة.. ولكن تنظيمه لأحكام القانون واجب التطبيق على العقود الدولية عموماً لم يكن حائلاً بينه وبين تنظيم أحكام القانون واجب التطبيق على "اتفاق التحكيم" على وجه الخصوص، وهو مسلك محمود من المشرع السويسري فات المشرع المصري اتباعه.

۲- قانون التحكيم الإسباني الجديد رقم ٢٦٥ لسنة ١٩٨٨ والذي نصت مادته رقم 61 على أنه "يحكم صحة اتفاق التحكيم وآثاره القانون الذي حدده الأطراف صراحة بشرط أن يكون على صلة بالعملية القانونية الأصلية أو بالنزاع".

وهذا النص أيضاً واضح وصريح في إعمال مبدأ قانون الإرادة في شأن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم.

وذلك أيضاً بالرغم من أن القانون الإسباني قد تضمن النص على إعمال قانون الإرادة في العقود الدولية بصفة عامة، وذلك في المادة 5/10 من القانون المدني، إلا أن ذلك لم يمنعه من وضع نص خاص بشأن "اتفاق التحكيم".

3- القانون الجزائري لعام ١٩٩٣ والذي نص في المادة 458 مكرر إجراءات مدنية على أنه "يكون اتفاق التحكيم صحيحاً من ناحية الموضوع إذا توافرت فيه الشروط التي يستلزمها القانون الذي اختاره الأطراف لحكم هذا الاتفاق". وهذا النص صريح وقاطع أيضاً في إعمال قانون الإرادة بشأن "اتفاق التحكيم".