استقر الفقه والقضاء والمعاهدات الدولية ولوائح مراكز التحكيم الدائمة على مبدأ خضوع إجراءات التحكيم لقانون الإرادة ، فبإرادة الأطراف يوجد التحكيم وبها ينقضي ولهم حق تحديد الإجراءات والقواعد التي تحكمه، وأطراف التحكيم بالصلح لهم أن يقيدوا المحكم المفوض بالصلح بإجراءات معينة من تلك التي تطبق أمام المحاكم.
وبالطريقة التي يرونها مناسبة ، فقد يأخذ اتفاق أطراف التحكيم بالصلح على القانون الواجب التطبيق على الإجراءات صوراً مختلفة، وذلك على النحو التالي:
1 - أن يتولى الأطراف بأنفسهم وضع القواعد الإجرائية.
2 - أن يختار الأطراف قانوناً وطنياً معيناً أو لائحة تحكيم محددة ليتم تطبيقها على النزاع.
3 - أن ينتقي الأطراف القواعد الإجرائية من بين مجموعة من القوانين الوطنية ولوائح هيئات التحكيم الإقليمية أو الدولية بحيث تكون مزيجا منها جميعا.
وهذا ما انتهت إليه هيئة التحكيم في النزاع بين الحكومة الليبية وشركة البترول الإنجليزية في الحكم الصادر في 10 أكتوبر 1973عندما طبقت القانون الدانمركي على إجراءات التحكيم باعتباره القانون الذي اتجهت إليه إرادة الطرفين الضمنية والمستفادة من الاتفاق على إجراء التحكيم في هذه الدولة.
ومن الملاحظ تراجع تحكيم الحالات الخاصة أو التحكيم الحر والاتجاه إلى التحكيم المؤسسي ، ولكن على الرغم من هذا التراجع إلا أنه ما يزال يلقى رواجاً وذلك فيما يتعلق ببعض الحالات التي تتطلب نوعاً من الخصوصية والخبرة مثل النزاعات المتعلقة ببراءات الاختراع أو عقود نقل التكنولوجيا أو عقود الامتياز لاستخراج الثروات أو تلك التي تتعلق بالمنافسة بين الشركات.
انتقاد تطبيق قانون الإرادة: مانو
وقد وجهت العديد من الانتقادات التي تشير إلى عدم فعالية تطبيق مبدأ سلطان الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات ، ويمكن توضيح هذه الانتقادات في النقاط التالية:
1- أن القانون الذي يحدده أطراف التحكيم لا يمكن أن يحكم كل أوجه الإجراءات المتعلقة بالتحكيم محل النزاع، حيث أن الأطراف لا يتمهلون في اختيار القانون الواجب التطبيق، بالإضافة إلى عدم توقع الأطراف لكافة المسائل التفصيلية التي يثيرها النزاع.
2 - أن إعمال مبدأ سلطان الإرادة على إطلاقه في التفاف على النصوص القانونية الثابتة والسوابق القضائية الراسخة، الأمر الذي يكون معه نظام التحكيم غير قائم على أسس قانونية تحكمه ، فيكون خاوياً إلا من إرادة الأطراف القاصرة مما يضفي على مهمة التحكيم الغموض والصعوبة..
3 - أن عدم إلمام الأطراف الكافي بالقوانين والمبادئ والأعراف المعمول بها في مجال التحكيم التجاري الدولي، يؤدي غالبا إلى أن يضعوا قواعد تتعارض مع بعض القواعد التي تتعلق بالنظام العام في بلد التنفيذ.
وعلى الرغم من وجاهة هذه الانتقادات والتي تدور حول قصور إرادة الأطراف وعدم إلمامهم الكافی بالقواعد التي يجب أن تحكم إجراءات التحكيم، فهذه الأمور يمكن حلها باستعانة الأطراف ببعض قوانين التحكيم أو باعتماد لائحة من لوائح هيئات التحكيم، إما بتطبيقها كاملة أو بتكملة ما يفوتهم تنظيمه، كما يمكنهم أيضا تفويض هيئة التحكيم بالصلح في الفصل في المسائل التي لم يتطرقوا إليها، أما بالنسبة لتخلف إرادة الأطراف في تحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات فني هذه الحالة يترك تحديده لهيئة التحكيم المفوضة بالتحكيم بالصلح والتي تحكم وفقاً لقواعد العدالة الإنصاف أو تطبيق القواعد القانونية إذا ارتأت فيها ما يحقق العدالة والإنصاف [ وهو ما سوف أوضحه لاحقا ].