اجراءات خصومة التحكيم / قانون الإرادة / الكتب / سلطة القضاء إزاء خصومة التحكيم / حق الأطراف فى الاختيار بين الالتجاء إلى القضاء ومحاكم الدولة وبين الالتجاء إلى التحكيم لفض المنازعات (مبدأ سلطان الإرادة )
حق الأطراف فى الاختيار بين الالتجاء إلى القضاء ومحاكم الدولة وبين الالتجاء إلى التحكيم لفض المنازعات (مبدأ سلطان الإرادة )
تتضمن الدساتير الحديثة بوجه عام وواضح النص على ضمانة أساسية لكل ذي شأن تتعلق بحقه فى الالتجاء إلى القضاء وإلى محاكم الدولة لإنصافه إذا وقع عدوان عليه شخصيا أو على أي حق من حقوقه، وتضمن التجاءه إلى قاضيه الطبيعي لرفع ما وقع من عدوان عليه .
وحق الالتجاء إلى القضاء مع ذلك لا ينفى حق ذوى الشأن في التنازل عن هذه الضمانة الأساسية واختيار طريق آخر يحقق لهم بعض المزايا التي لا تتحقق بالتجائهم إلى محاكم الدولة وهو طريق الاتفاق على التحكيم الذي يتم بناء على الإرادة الصحيحة والحرة لأطراف المنازعة والذي يعتمد على سلطان الإرادة التي تمنح الأطراف في هذه الحالة مجموعة من الحريات التي قد تتعلق باختيار قضاتهم أو محكميهم واختيار إجراءات فض المنازعة والقواعد التي تحسم على أساسها ولغة الإجراءات والمكان الذي تتم فيه هذه الإجراءات .
وقد كانت بعض الدساتير القديمة تنص صراحة على منع المساس بحقوق الأفراد في الالتجاء إلى التحكيم ومن ذلك دستور الثورة الفرنسية الصادر في الثالـث مـــن سبتمبر سنة 1791 الذي نص فى المادة (5) من الفصل الخامس فيه على أنه " لا يجوز لسلطة التشريع أن تحرم الأفراد من الالتجاء إلى التحكيم " وقد تضمن كل من دستور الثورة الفرنسية الصادر سنة 1793 ودستور الثورة الفرنسية الصادر سنة 1795 نصوصا مماثلة .
وإزاء التطورات التي قفزت بحقوق الإنسان إلى الصدارة فلم تعد الدساتير الحديثة بحاجة إلا إلى ترديد هذه الحقوق الأساسية دون التطرق إلى النتائج المترتبة عليها وعلى ذلك فلم تعد الدساتير الحديثة بحاجة إلى النص صراحة على حق الالتجاء إلى التحكيم باعتباره حقا نابعاً من الحريات الأساسية التي تتضمنها الدساتير عادة . ومن بينها حق الأطراف فى إبرام أي اتفاق يحقق مصالحهم المشروعة ومن إعمال حقوقهم القائمة على مبدأ سلطان إرادة كل منهم ومن ثم فلم تكن هناك ثمة حاجة للنص على هذا الحق البديهي في الدساتير الحديثة .
وقد جاء فى حكم المحكمة الدستورية العليا فى مصر قضت فيه بأن " التحكيم لا يكون إلا عملا إراديا " وأن الطرفين المتنازعين إذ يبرمان اتفاق التحكيم ويركنان برضائهما إليه لحل خلافاتهما ما كان قائما منها عند إبرام هذا الاتفاق أو ما يتولد منها بعد إتمامه إنما يتوخيان عرض موضوع محدد من قبلهما على هيئة من المحكمين تتولى - بإرادتهما - الفصل فيه بما يكفل إنهاء نزاعهم بطريقة ميسرة في إجراءاتها وتكلفتها وزمانها ليكون التحكيم بذلك نظاما بديلا عن القضاء، وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص المحاكم بالفصل فى المسائل التي تناولها اتفاق التحكيم، مرده أن هذا الاتفاق يمنعها من ،نظرها فلا يكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق .
كما أقرت المحكمة الدستورية العليا فى حكم آخر لها " المادة (13) من قانون التحكيم الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 فيما تضمنته من وجوب أن تحكم محاكم الدولة بعدم قبول الدعوى إذا رفعت أمامها مع قيام اتفاق تحكيم بشأنها إذا دفع الطرف صاحب المصلحة بذلك .
أيضا تضمنت الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجاري الدولي المبرمة في 21 أبريل سنة 1961 النص على هذا الحق المشروع لكل من يبرم اتفاقا بشأن تسوية أي نزاع قائم أو محتمل وبذلك يتنازل عن حقه فى الالتجاء إلى القضاء ليلجأ إلى هذه الوسيلة المختارة لحل
النزاع . كما قضت أيضا محكمة حقوق الإنسان الأوربية فى حكم لها من أبرز أحكامها نصت على أن " قيام اتفاق التحكيم على مبدأ سلطان الإرادة فإنه يؤدى إلى التنازل الحر عن ضمانة الالتجاء إلى القضاء ".