تجيز قوانين التحكيم محل البحث صراحة لأطراف النزاع اختيار القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع، حيث تنص المادة (۱/۲۸) من قانون التحكيم النموذجي بأن " تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع. وأي اختيار لقانون دولة ما أو نظامها القانوني يجب أن يؤخد على أنه إشارة مباشرة إلى القانون الموضوعي لتلك الدولة وليس إلى قواعدها الخاصة بتنازع القوانين، ما لم يتفق الطرفان صراحة على خلاف ذلك".
وجاء في المادة (۱/۳۹) من قانون التحكيم المصري، بأن " تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم ينفق على غير ذلك". وسارت على هذا النهج قوانين التحكيم العربية الأخرى. والفارق بين هذا القوانين أن نظام التحكيم السعودي قد اشترط مراعاة عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة " إذ لا توجد نصوص مقابلة لهذا الشرط في القوانين الأخرى.
ويلاحظ أن هذه القوانين قد أجازت لأطراف النزاع الاتفاق على قواعد قانونية غير قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم. ولم يقتصر الأمر في هذا الاختيار على التحكيم التجاري الدولي ولكنه أيضاً يمتد إلى حالة التحكيم الوطني.
والقواعد التي أختارها الأطراف هي التي يجب على هيئة التحكيم تطبيقها على النزاع دون أية قواعد قانونية أخرى... ويكون للأطراف هذه السلطة حتى لو لم يكن بين القانون الذي اختاروه ومحل النزاع أية صلة تربطهم... ويستوي الأمر إن كان التحكيم تجارياً دولياً أو كان التحكيم وطنياً بحتاً لا يشمله أي عنصر أجنبي.
فمثلاً، إذا كان النزاع القائم بشأنه التحكيم أطرافه ،يمنيين، ومقر عمل كل منهم في اليمن، ومكان إبرام اتفاق التحكيم في اليمن ومكان التحكيم اليمن وتنفيذ الحكم في اليمن، فإنه وفقاً للمادة (٤٥) من قانون التحكيم اليمني، يجوز الأطراف هذا النزاع اختيار القانون الإنجليزي مثلاً ليطبق من قبل هيئة التحكيم على موضوع النزاع باعتقادنا أن فتح الباب على مصراعيه وبهذا الشكل لا يخدم الأطراف من ناحية ومن ناحية أخرى لا يحرر التحكيم من أي قيود، فالتحكيم بهذا الشكل يقيناً، ستكون كلفته كبيرة بالنسبة للأطراف مقارنة عندما يطبق القانون اليمني على موضوع النزاع، لأنه ولكي يطبق القانون الإنجليزي على النزاع لا بد أن تشكل هيئة التحكيم من أشخاص على معرفة ودراية كاملة بالقانون الإنجليزي... والقانون هنا لا يقتصر على نصوص فحسب، ولكنه أيضاً فقه وتفسير واجتهاد. من جانب آخر باعتقادنا أن هناك فوارق فيها يتصل بمنظومة النظام العام الداخلي... وإذا لم تأخذ هيئة التحكيم هذا الأمر بالاعتبار، سيكون حكمها معرضاً للإبطال.
ولذلك، عندما يطبق القانون الداخل على النزاع في حالة التحكيم الوطني، يصبح هذا الاتجاه أولاً وأخيراً في خدمة لأطراف النزاع لأن تكاليفه ستقل، ويستطيع المحكم سرعة الفصل في النزاع، وبلا عقبات حقيقية يُخشى منها عند طلب تنفيذ حكم التحكيم.