قانون الإرادة هو القانون الذي يختاره الطرفان ليحكم علاقتهما العقدية وليكون مصدرا للقواعد التي تحكمها ولو كان قانون آخر هو الواجب التطبيق عند عدم إختيار الطرفين لذلك القانون. وعلي ذلك يجوز للطرفين الاتفاق علي إخضاع علاقتهما العقدية لقانون آخر غير قانون بلد إبرام العقد أو قانون بلد تنفيذه أو قانون موطنها المشترك أو لأي قانون آخر واجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإستناد في القانون الدولي الخاص.
وقد يكون الاتفاق على تطبيق قانون معين غير القانون الواجب التطبيق أصلاً صريحا أو ضمنياً. ويستفاد الاتفاق الضمني من بعض الظروف الموضوعية الملابسة للعقد كإختيار الطرفين لمكان إبرامه أو إختياهما لمكان تنفيذه وإذ يفسر هذا الاختيار أو ذلك بأن إرادة الطرفين قد اتجهت إلي تطبيق قانون بلد إبرام العقد أو قانون بلد تنفيذه فإن لم يوجد إختيار واضح لهذا المكان أو ذلك فيكون القانون الواجب التطبيق هو قانون الموطن المشترك للطرفين إذا اتحدا موطنا أو قانون الجنسية المشتركة إذا اتحدا في الجنسية وإذ يفترض تطبيق قانون الإرادة قيام العقد علي عنصر كاختلاف جنسية الطرفين أو إختلاف موطنهما أو تنفيذ العقد في دولة أخري غير بلد إبرامه أو وجود العقار محل النزاع في بلد آخر غير البلد التي ينتمي إليها أحد الطرفين فإن هذا القانون يكتسب أهمية كبيرة في مجال التحكيم حيث غالباً ما يلجأ إليه الطرفان لحسم المنازعات التجارية ذات العنصر الأجنبي ولا يصعب علي المحكم تطبيق قانون الإرادة علي موضوع النزاع متي كانت هذه الإرادة صريحة إما إذا كانت ضمنية جاز للمحكم إستخلاصها من الظروف الموضوعية الملابسة للعقد مثار النزاع إذ بوسعه اعتبار أن النص في اتفاق التحكيم علي اللجوء إلي تحكيم مؤسسة تحكيم دائمة في بلد معين أو النص فيه علي تعيين محكم يقيم في بلد معين أو الإشارة في هذا الإتفاق إلي بعض نصوص قانون معين أو إستخدام بعض مصطلحاته يكشف عن اتجاه الإرادة الضمنية للطرفين إلى تطبيق قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم أو الذي يقيم فيه المحكم المعين أو القانون الذي أشار إتفاق التحكيم إلى بعض نصوصه أو إصطلاحاته وبالأولي يجوز للمحكم استخلاص هذه الإرادة الضمنية من إختيار الطرفين لبلد معين كمكان لإبرام العقد أو كمكان لتنفيذه إذ قد يستفاد من ذلك إنصراف إرادتهما إلى تطبيق قانون هذا البلد أو ذاك.
هذا وإذا اتفق الطرفان علي تطبيق قانون دولة معينة اتبع المحكم القواع الموضوعية الواردة فيه وإلى القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم تتجه إرادة الطرفين، صراحة أو ضمناً إلى تطبيق القواعد الأخيرة.
ولا يختلف ما سبق عما هو منصوص عليه في نطاق التحكيم التجاري الدولي ففي إطار هذا الأخير يكون إختيار الطرفين للقانون واجب التطبيق إما بصورة صريحة أو بصورة ضمنية.
ويكون إختيار الطرفين للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع صريحا عندما يتفقان عليه بالاسم مثلما يحدث عادة في مجال التجارة الدولية للقطن والمطاط والحبوب وعقود النقل الدولية التي تتم وفقا لعقود نموذجية تحدد صراحة القانون الواجب التطبيق على كل منها وحيث تخضع جميع المنازعات التي تثور بشأنها لهذا القانون أما الاختيار الضمني للقانون الواجب التطبيق فهو الذي يستخلصه المحكم الدولي من الظروف الملابسة للعقد ومن تفسير عباراته الدالة علي هذا الاختيار الضمني، مثل إبرام العقد في بلد معين أو تنفيذه في بلد معين أو وجود الموطن المشترك في بلد معين لهذا التحكيم إلا أن المحكم الدولي ليس حرا في استخلاص الإرادة الضمنية للطرفين وإذ لا يجوز التعويل على إرادته هو في إتخاذ اى ظرف من هذه الظروف الملابسة قرينة علي قيام هذه الإرادة بل يجب أن يدل هذا الظرف أو ذلك دلالة قوية لا يتطرق اليها الشك على إتجاه الطرفين إلى تطبيق قانون بلد دون غيره باعتبار هذا القانون هو المختار أو هو القانون المفروض، وترجع أهمية هذا القيد إلى أنه لو ترك للمحكم الدولي حرية شخصية في استخلاص القرينة التي يعتبرها هو أنها القرينة الدالة على الإرادة الضمنية للطرفين في إختيار القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع فإن خطأه في استخلاص هذه القرينة أو استخلاصه لها بحسب هواه أو ميوله الشخصية قد يؤدي إلي مفاجأة الطرفين بالفصل في النزاع طبقا لقانون وطني معين لم يكونا قد توقعاه، وحينئذ لا يكون المحكم الدولي قد طبق القانون الصحيح - قانون الإرادة - الواجب التطبيق علي النزاع مما قد يعرض حكمه للبطلان أو لعدم الاعتراف الدولي أو لعدم التنفيذ في الدولة المراد تنفيذه فيها.
فذهب رأي أول إلي إعمال مبدأ سلطان الإرادة، في هذا الخصوص، وبالتالي فإنه كما يجوز للطرفين إدراج أي شرط في العقد مادام لا يتعارض مع نص آمر أو مع النظام العام فإنه يجوز لهما تحديد القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع أيا كان هذا القانون سواء كانت له صلة بالعقد مثار النزاع أم لم تكن لديه صلة طالما لم يتم اختيارهما لهذا القانون بسوء نية.
بينما ذهب رأي ثان إلي حرية الطرفين في اختيار هذا القانون مقيدة بضرورة وجود صلة حقيقة بينه وبين العقد مثار النزاع، كما لو كان هذا القانون هو قانون بلد إبرام العقد أو قانون بلد تنفيذه، أو قانون جنسية أحد الطرفين أو قانون بلد منشأ البضاعة التي ثار حولها النزاع وذلك لأن هذه الصلة هي التي تبرر إخضاع العقد لهذا القانون أو ذلك، وذلك لأنه كان هناك غش نحو القانون الأجنبي المختار دون هذه الصلة غير أن رأيا ثالثا ولئن استوجب وجود صلة بين القانون الأجنبي المختار والعقد مثار النزاع إلا أنه لم يشترط أن تكون هذه الصلة مباشرة كما يذهب أصحاب الرأى الثانى وإنما يكفى أن تكون تلك الصلة غير مباشرة طلما اقتضها مصالح التجارة الدولة كما لو كان العقد مثار النزاع من العقود النموذجية للتجارة الدولية وتضمنا الإشارة إلى تطبيق قانون أجنبي معين فحينئذ ينطبق هذا القانون على موضوع النزاع ولو لم يكن هو قانون بلد إبرامـ أو بلد تنفيذه لو قانون الجنسية أو قانون بلد المنشأ.
وعلى ضوء هذه الآراء الثلاثة تحل مشكلة أخرى من مشاكل إختيار القانون الواجب التطبيق وهى مشكلة تجزئه هذا القانون أى إختيار الطرفين لبعض نصوص قانون اجنبى معين وبعض نصوص قانون أجنبي آخر باعتبارها نصوصا واجبة التطبيق على موضوع النزاع فبينما يطلق الرأى الأول الحرية للطرفين فى هذا المجال فإن الرأى الثانى يقيد هذه الحرية بضرورة وجود الصلة المباشرة بين النصوص المختارة والعقد مثار النزاع في حين اكتفى الرأى الثالث بوجود تلك الصله غير المباشرة.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمنازعات التجارة الدولة بين أشخاص القانون الخاص فإن السؤال يثور عن القانون الواجب التطبيق على النزاع الذى تكون الدولة طرفا فيه مع أحد أشخاص القانون الخاص كالنزاع الذي يقع مثلا بين الدول المضيفة للأستثمار الأجنبى والمستثمر فردا كان أو شخصا معنويا خاصا ولا تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى كبير عناء متى اتفق الطرفان صراحة على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع لما قدمناه من أن اتفاقيات وأنظمة التحكم الإعتراف الدولى تعترف للطرفين بحرية الأمر على هذا القانون جميع ومن ثم يجوز لها إختيار قانون وطنى معين إختيار صريحا ولو لم يكن هو القانون الواجب التطبيق على النزاع طبقا لقواعد تنازع القوانين وإنما تدق المسأله إذا لم يكن إختيار القانون الواجب التطبيق صريحا إذ قد تتمسك الدولة بمبدأ الصحة القضائية أو بمبدأ السيادة الوطنية بغرض استبعاد خضوعها لقانون أجنبي معين قد يرى المحكم الدولى تطبيقة وفقا للمؤسسات المستخدمه في تفسير الإرادة الضمنية المشتركة كمكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه مكان التحكيم مثلا وفي هذا الصدد قررت محكمة النقض الفرنسية، في أحد احكامها أن غياب الاختيار الصريح لقانون أجنبي معين ليحكم موضوع المنازعة بين الدولة المتعاقدة مع رعايا دولة أخرى يعنى بالضرورة وجود قرينة على أن قانون هذه الدولة المتعاقدة هو قانون الأرادة المفترضة الذى يجب أن يحكم هذا الموضوع الأمر الذي يجب معه استبعاد خضوعه لأى قانون أجنبى وتميل إلى هذا الحل اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٦ بشأن تسوية منازعات الاختيار بين الدول الأطراف ورعاياها المستمرين، حيث نصت المادة ٤٢ على أن تفصل محكمة التحكيم في المنازعة على مقتضى قواعد القانون الذى اختاره الطرفان فإذا لم يوجد اتفاق بين الطرفين في هذا الشأن طبقت محكمة التحكيم قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع وتطبيقا لذلك قررت محكمة التحكيم التابعة لمركز تسوية منازعات الأستثمار المنشأ بهذه الاتفاقيات إخضاع إحدى المنازعات التي كانت دولة الكاميرون طرفا فيها للقانون المدنى والتجارى المطبق في هذه الدولة وذلك دون أن تكلف المحكمة نفسها عناء إستخلاص الإرادة الضمنية المشتركة للطرفين حيث لم يفصحا ابتداء عن أي قانون اجنبى يكون هو الواجب التطبيق على النزاع على أن أحكام التحكيم التجارى الدولى لا تسير على منوال واحد عند عدم وجود نص قانوني أو إتفاق بين طرفي النزاع فيما يعرف بقعود الدولة على تطبيق القانون الوطني للدولة الطرف في النزاع، إذا أحيانا ما يطبق المحكم الدولى قانون بلـــد إبرام العقد أو قانون بلد تنفيذه أو قانون بلد التحكيم ، ولو كان قانونا أجنبيا أحيان أخرى يطبق المحكم الدولى على هذا النزاع القواعد المستمدة مما يطلق عليه مبادئ القانون الدولى أو مبادئ القانون الطبيقي أو مبادئ القانون في الأمـم المتمدينة وأمام هذا الأضطراب من جهة وبالنظر إلى الحلول غير المحايدة أحيانا - التي تنهى إليها تطبيق المحكم الدولى لتلك القواعد من جهة أخرى خصوصا إذا كانت الدولة الطرف فى النزاع من الدول النامية فإن بعض الفقة يرى ضرورة تطبييق القانون الوطنى للدولة الطرف فى النزاع بإعتبارة قانون الإرداة المفترضة.
ونخلص من ذلك إلى أن المحكم سواء فى التحكيم الوطني أو التحكيم التجارى الدولى يلتزم بتطبيق القانون الذي أتفق عليه أطراف النزاع.
فوفقا للاتجاه الموسع يسمح القول باستعمال مدلول قواعد القانون على المبادئ العامة وأعراف التجارة الدولية بتطبيق هذه المبادئ والأعراف دون غيرها على موضوع النزاع طالما لم يختر الطرفان قانون محددا ولو خلا القانون الذي يسفر عنه توطين العقد مثار النزاع من تلك المبادئ والأعراف ولقد لقي هذا الأتجاه قبولا من محكمة استئناف باريس عندما نظرت طعنا في حكم التحكيم الصادر في دعوى بنك الشرق الأردني ضد شركة فوجيرول ففى هذا الطعن نعت الشركة المذكورة على المحكم الدولي الذي أصدر الحكم المنهى للنزاع أنه فصل فيه متجاوزا للشروط المقررة فى مشارطة التحكيم وأنه بذلك يكون قد اغتصب سلطة المحكم المفوض بالصلح حيث لم يخوله الطرفان هذه السلطة فـ المشاركة إلا أن المحكمة المذكورة قد قررت ان الإشارة فى اتفاق التحكيم إلى المبادئ العامة للالتزامات في التجارة الدولية تجيز للمحكم الفصل في موضوع النزاع طبقا للعادة التجارية الدولة التى بمقتضاها يحتسب أجر وكيل العقود على أساس ما تم تنفيذه من التزامة بالنسبة لمجموع الادعاءات المتبادلة للطرفين المنصوص عليها في العقد مثار النزاع طلما ثم يصل تنفيذ هذا العقد إلى منتهاه بسبب فسخه وبالتالي فإن تطبيق المحكم لهذه العادة التجارية لا يعني أنه لم يتقيد بقواعد القانون وأنه فصل في موضوع النزاع متجاوزا حدود اتفاق التحكيم وهكذا تبلت محكمة استئناف باريس في نظرها هذا الطعن الأتجاه الذي يسمح بطبيق قاعدة تجارية دولية معينة تتضمنها المبادئ العامة والأعراف الدولية ولو لم يشر الطرفان إلى هذه القاعدة كقاعدة واجبة التطبيق في اتفاق التحكيم وذلك طالما اكتفى هذا الاتفاق بالأشارة إلى تلك المبادئ والأعراف ولم يشر إلى قانون وطني محدد.
أما الأتجاه المقيد فيميل إلى أن الإشارة فى اتفاق التحكيم إلى المبادئ العامة وأعراف التجارة الدولية لا يجيز للمحكم تطبيقها على موضوع النزاع إلا بالربط بينهما وبين قواعد قانون وطني معين فالمبادئ العامة للقانون وعادات التجارة الدولية لا تقوم إلا بدور احتياطى ومكمل للقانون الوطني أو المبادئ العامة في قانون وطنى معين وذلك كله بفرض أن يكون تطبيق هذا القانون الوطني أكثر فعالية واستقامة مع موضوع النزاع الذى يثير مصالح التجارة الدولية وبعبارة أخرى فإنه لا يجب أن يؤدى تطبيق المبادئ العامة للقانون وأعراف وعادات التجارة الدولية إلى استبعاد تطبيق القانون الوطني الذي يرتبط به العقد مثار النزاع بل يجب على المحكم الدولي أن يجعل لتلك المبادئ والأعراف والعادات دور مساعد يعين على تطبيق هذا القانون الوطني على موضوع النزاع على أحسن وجه، وهو المقصود من الأعتراف للطرفين بحرية أختيار قواعد القانون.