الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / قانون الإرادة / الكتب / قضاء التحكيم / قانون الارادة

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    491

التفاصيل طباعة نسخ

قانون الارادة

    إذا أبرم اتفاق تحكيم، وكان ينطوى على عنصر أجنبي، وله الطابع الدولي، فإنه يثور بشأنه تنازع بين القوانين. وهذا التنازع يفض بموجب قاعدة التنازع الخاصة بالعقود الدولية، والتي تقرر أن الاختصاص التشريعي يكون لقانون الإرادة Lex voluntatis ، أى القانون الذي اتفق عليه، واختاره الأطراف بإرادتهم الحرة، وهى القاعدة التي اعترفت بها جميع التشريعات المقارنة.

   وهكذا، يخضع اتفاق التحكيم ذى الطابع الدولى للقانون الذى يختاره الأطراف، عملا بمبدأ قانون الإرادة في العقود الدولية عموما.

     وعلى هذا يمكن تصور خضوع العقد الأصلي، أو الرابطة الأصلية لقانون يختاره الأطراف أو يحدده القانون وخضوع اتفاق التحكيم لقانون آخـــر يختاره الأطراف.

    والمتأمل في قانون التحكيم المصرى يدرك أنه أهمل تماما مشكلة تنازع القوانين فى شأن اتفاق التحكيم، حيث خلت نصوصه من أي نص بهذا الخصوص.

   غير أننا نرى وجوب تطبيق مبدأ اختصاص قانون الإرادة بحكم اتفاق التحكيم في القانون المصرى. وذلك لعدة أسباب:

     منها ، أن اتفاق التحكيم هو تصرف قانوني إرادى، أي عقد، والعقد الدولي يخضع، عموما، لقاعدة التنازع الواردة بالمادة ۱/۱۹ من القانون المدني، والتي تخضع العقود الدولية لمبدأ قانون الإرادة.

    ومنها، أن القانون المصرى، بشأن التحكيم، قد التزم ، بل نقل، معظم أحكام القانون النموذجى للجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى الخاص بالتحكيم لعام ۱۹۸٥ وهو إن لم ينقل كل الأحكام، ومنها حكم المادتين ٢/٣٤ - أو ١/٣٦ -أ فإن روح هاتين المادتين لا ينبغى أن تغيب عن تفسير نصوص قانون - التحكيم المصرى.

    ومنها أن مصر قد انضمت إلى اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها ،وصارت ،بالتالي جزءا من القانون المصرى، ومن ثم وجب إعمال أحكامها، ومنها الحكم الوارد في المادة ١/٥- أ، الذي يخضع اتفاق التحكيم لقانون الدولة الذي اختاره الأطراف.

أما في حالة غياب الاتفاق الصريح على القانون واجب التطبيق فإن هناك عدة حلول متصورة وفقاً لقاعدة التنازع .

الحلول المتصورة وفق منهج قاعدة التنازع:

 

أ- البحث عن الإرادة الضمنية : يكاد يهمل الأطراف، بنحو كامل، وعلى مــا سلفت الإشارة، تضمين اتفاق التحكيم ذاته، أو فى اتفاق لاحق، تحديدا للقانون واجب التطبيق عليه، فلا يوجد تحديد صريح لذلك القانون. غير - هذا لا يعني انتهاء كل دور لهم. فدائما تكون هناك إرادة أو نية ضمنية للأطراف، وهى إرادة ونية حقيقة لا ينبغى إهمالها، تنبئ عن ميل واضح و وإن كان كامنا، إلى نظام قانونى معين يمكن أن يحكم اتفاق التحكيم. فالمادة ۱/۱۹ من القانون المدنى تتضمن تطبيق القانون الذى يختاره الأطراف صراحة وعند انعدامه يكون الاختصاص للقانون الذي يتبين من ـ الظروف أنه هو الذي يراد تطبيقه.

ب - اختصاص القانون الذى يحكم العلاقة الأصلية يبرم اتفاق التحكيم من أجل تسوية النزاع الناشئ عن عقد أو علاقة قانونية معينة، أو الذي قد ينشأ مستقبلا عن هذا العقد أو تلك العلاقة. فبين اتفاق التحكيم والعلاقة القانونية رابطة كما أن استقلال اتفاق أو شرط التحكيم، في نطاق العقود الدولية، لا يبرر بحال استبعاد القانون واجب التطبيق على العقد الأصلي، من حكم اتفاق أو شرط التحكيم، فمن غير السائغ، إخضاع هذا الأخير لقانون مختلف عن قانون العقد، فى حين أن الأمر يتعلق بمسألة جوهرية هامة - وهى صلاحية اتفاق التحكيم - يمكن أن تقود إلى اختلاف الحل النهائى للنزاع، الأمر الذى يكون معه من الصعب تخلى قانون العقد، عن حكم تلك المسألة .

ج- اختصاص قانون دولة مقر التحكيم :

أن دولة مقر التحكيم أى الدولة التي تجرى على إقليمها عملية التحكيم هى المؤهلة لتقديم ذلك الدعم، بحيث يطبق قانونها، عند تخلف الاختيار الصريح من جانب الأطراف للقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم، لا سيما إذا كان هؤلاء الأطراف قد حددوا الدولة التـى سيجرى على أرضها التحكيم، حيث يفترض اتجاه إرادتهم الضمنية إلى تطبيق قانون تلك الدولة.

ويبدو أن محكمة النقض المصرية تتبنى هذا الاتجاه. حيث قضت بأنه "لما كان من الثابت أن شرط التحكيم المنصوص عليه فى مشارطة الإيجار قد نص على أن يسوى النزاع فى لندن طبقا لقانون التحكيم الإنجليزي... وكان المشرع قد أقر الاتفاق على التحكيم فى الخارج ولم ير في ذلك مــا يمس النظام العام، فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيبه لآثاره إلى قواعد القانون الإنجليزى باعتباره قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه بشرط عدم مخالفة تلك القواعد للنظام العام".

( الطعن رقم ٤٥٣ لسنة ٤٢ ق جلسة ۱۹۸۲/۲/۹)

كما قضت محكمة النقض بأنه "لما كان الثابت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أى نزاع ينشأ عن هذا السند إلى ثلاثة محكمين فى مرسيليا، وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج، ولم ير فى ذلك ما يمس النظام العام، فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيبه لآثاره إلى قواعد القانون الفرنسى باعتباره قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه طبقا لما تنص عليه المادة ۲۲ من القانون المدنى.

(الطعن رقم ١٢٥٩ لسنة ٤٩ ق جلسة ١٩٨٣/٦/١٣)

     كما أن المحكم لا يكون ملتزماً باتباع القواعد القانونية لدولـــة مــا إلا إذا وجد نص قانونى يلزمه بذلك، كما أنه لا يحمى نظاماً داخلياً. مما ينتج عنه، تنوع الطرق التي يلجأ إليها المحكم لتحديد القانون واجب التطبيق على الموضوع تبعاً  للمنهج الذي سوف يتبعه.

    وقد تبنى مجمع القانون الدولى هذا الحل فى التوصية التي أصدرها في دور انعقاده بمدينة امستردام عام ١٩٥٧ ، حيث نصت المادة ١١ منها على أنه: قواعد الإسناد النافذة فى دولة مقر التحكيم هى التى يجب اتباعها لتحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع.

    ولقد كرست اتفاقية جنيف لعام ١٩٦١ هذا الاتجاه في المادة ١/٧ منها والتي جرى نصها كالتالي: "(......) وفى حالة إغفال الإشارة من قبل الأطراف إلى القانون واجب التطبيق، يطبق المحكم القانون الذى تعينه قاعدة تنازع القوانين التي يرى أنها ملائمة في هذا الصدد".

    وهذا ما أخذت به قواعد التحكيم التي قررتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في عام ١٩٧٦ ، فقد نصت المادة ۱/۳۳ منها على أنه تطبق محكمة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذى يعينه الطرفان، فإذا لم يتفقا تطبق القانون الذى تعينه قاعدة تنازع القوانين التي ترى المحكمة أنها واجبة التطبيق في هذا الصدد.

    ووفقا لهذا الاتجاه، فإن المحكم سوف لا يتقيد سلفا باتباع قواعد تنازع القوانين الواردة في قانون وطنى معين ليحدد على ضوئها القانون واجب التطبيق على الموضوع حال غياب كل إرادة صريحة أو ضمنية للأطراف بشأن تحديد قانون وطنى معين لحكم موضوع النزاع. وبالتالي يملك المحكم في ظل هذا الاتجاه حرية البحث عن القانون الأنسب للنزاع المطروح أمامه، سواء عن طريق أسلوب التطبيق الجمعى للمبادئ المشتركة لقواعد تنازع القوانين المتعلقة بموضوع النزاع؛ أى تلك التي تتراءى للمحكم وكأنها تتجاذب فيما بينها لحكم موضوع النزاع وذلك بالنظر إلى صلتها الموضوعية بالنزاع الذى يتصدى للحكــ فيه أو سواء عن طريق اللجوء إلى المبادئ العامة للقانون الدولي الخاص أو اللجوء إلى الألوب المباشر voie directe الذي يسمح للمحكم بأن يحدد النظام القانوني الذي أشار إليه الأطراف عن طريق قيامهم بعملية تركيز معاملتهم فيه.

    وبالإضافة إلى الاتجاهات السابق عرضها، قد تلزم بعض الاتفاقيات الدولية المحكم بأن يتبع قواعد تنازع القوانين الواردة فى قانون الدولة الطرف في العلاقة التعاقدية.

   فالمادة ١/٢٤ من اتفاقية واشنطن بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطنى الدول الأخرى قد نصت على أنه تفصل محكمة التحكيم في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي يتفق عليها الأطراف، وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق، تطبق محكمة التحكيم قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع، بما فى ذلك قواعد تنازع القوانين الخاصة بها (.......)".

     ويستفاد من نص المادة سالفة الذكر أن المحكم يستطيع أن يعين القانون واجب التطبيق على الموضوع من خلال المرور على قواعد التنازع الواردة في أحكام قانون الدولة المتعاقدة، وما يستتبعه ذلك من تطبيق أحكام قانون دولة أجنبية على المنازعات التى تكون الدولة أو أحد أشخاصها العامة طرفا فيها، وقد يكون النظام القانونى لتلك الدولة الأجنبية يجهل التفرقة بين العقود المدنية والعقود الإدارية، مما يؤدى إلى خضوع الادارية لنظام قانونى مغاير عن تلك التي نشأت وترعرعت فيه. فضلاً عن ذلك، فإن هذا الحل قد يؤدى إلى تطبيق قانون لا يمت بصلة لموضوع النزاع لمجرد أن قاعدة الإسناد في قانون تلك الدولة قد أشارت إليه  .

    ولعل هذه الاعتبارات هي التي دعت المحكمون إلى عدم تطبيق هذا المنهج في الممارسات العملية، حيث تشير الأحكام الصادرة عن CIRDI إلى أن هذا المنهج لم يكن محلا للتطبيق من جانب المحكمين مفضلين عنه اتباع منهج تطبيق القانون الموضوعى للدولة المتعاقدة ومبادئ القانون الدولي.

    وأيا ما كان الأمر بشأن الاصطلاحات. فإنه يجب التأكد من أن إرادة الأطراف قد انصرفت بوضوح إلى التحكيم وأن تفسر العبارات المحددة للمسائل محل التحكيم بدون توسع فيها أو قياس عليها بحيث تقتصر ولاية المحكمين على ما ورد صراحة في اتفاق التحكيم.  

    وعلى ذلك... فإنه إذا كان اتفاق التحكيم يتعلق بالمنازعات الناشئة عن تفسير العقد، فإنه لا يمتد إلى المنازعات الناشئة عن عدم تنفيذه.

    وإذا تعلق بالمنازعات المتعلقة بنوع البضاعة فلا يمتد إلى الفصل في صحة أو بطلان عقد البيع.