الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / قانون الإرادة / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / فهم مختلف لقانون الإرادة

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    377

التفاصيل طباعة نسخ

فهم مختلف لقانون الإرادة

ومن الصور الأخرى التي تتعلق باستبعاد قانون الإرادة، أن تقرر هيئة التحكيم تطبيق هذا القانون، ولكن بدلاً من أن تطبق أحكاماً معينة فيه، تطبق أحكاماً أخرى. ومثال ذلك أن يكون العقد مدنياً، فتطبق الهيئة القانون الإداري، أو العكس، أن يكون العقد إدارياً ولكن تطبق الهيئة القانون المدني أو التجاري عليه. ويلحق بهذه الحالة أيضاً خطأ الهيئة، عموماً، في فهم وتفسير القانون الواجب التطبيق على النزاع، أو في فهم وتفسير العقد موضوع النزاع مما يؤدي في كلتا الحالتين، إلى تطبيق أحكام قانونية مختلفة عما كان يجب تطبيقها ، لو فهمت أو فسرت الهيئة القانون أو العقد بشكل صحيح.

وهنا يثور التساؤل أيضاً عما إذا كان هذا الأمر يعتبر من قبيل استبعاد قانون الإرادة أم لا. 

والمسألة هنا اجتهادية قد يختلف الرأي بشأنها. فقد يذهب رأي إلى القول أنه ما دامت الهيئة طبقت القانون الواجب التطبيق، فإنها لا تكون في حقيقة الأمر قد "استبعدته". أما فهم هذا القانون واستخلاص الأحكام القانونية منه ، فهذه من مهمة هيئة التحكيم، التي قد تخطئ في ذلك وقد تصيب. بل أن مسالة الخطأ والصواب هي نسبية، قد تختلف من هيئة تحكيم لأخرى ، ومن قاض لآخر. فما يراه قاض أنه فهم صحيح للقانون، قد يراه قاض آخر عكس ذلك، والشيء ذاته يطبق على التحكيم. ويقود هذا الرأي إلى القول بعدم قابلية حكم التحكيم للبطلان أو للطعن به بأي وجه آخر من أوجه الطعن.

ولكن من وجهة نظر أخرى، يمكن القول أن استبعاد القانون الواجب التطبيق على النزاع، ليس بالضرورة أن يكون صريحاً، بل من النادر أن تقرر هيئة التحكيم صراحة استبعاد هذا القانون، وتطبيق قانون آخر محله بل هي في الغالبية العظمى من الحالات تقرر عكس ذلك، أي تقرر تطبيق قانون الإرادة صراحة، ولكنها قد تستبعد أحكامه عملياً تحت إطار فهم وتفسير النصوص. ولو صح ذلك، لكان بمقدور هيئات التحكيم استبعاد قانون الإرادة عملياً في كل قضية تعرض عليها، وبالتالي إفلات حكم التحكيم من الرقابة القضائية. وهنا يثور التساؤل عن الفرق بين هيئة تحكيم تقرر تطبيق قانون الإرادة نظرياً وتستبعده عملياً، وأخرى تقرر استبعاده، نظرياً وعملياً. والخلاصة، سنداً لهذا الرأي، أن تطبيق القانون تطبيقاً غير سليم يعتبر بمثابة استبعاد له مما يجعل الحكم عرضة للبطلان.

ومن جانبنا، نرى التفرقة بين أمرين أن تكون المسألة المعروضة محددة في القانون الواجب التطبيق وليست محل اجتهاد، أو على العكس من ذلك تكون اجتهادية يختلف فيها الرأي. فحكم القانون قد يكون واضحاً لا مجال للاجتهاد فيه. وهنا تطبق القاعدة الفقهية الشهيرة بأنه لا مجال للاجتهاد في مورد النص". وفي كل قانون وطني، هناك عشرات بل مئات القواعد من هذا القبيل. ومثال ذلك في القوانين العربية بالنسبة للقواعد العامة في العقود، أن العقد يتكون من إيجاب وقبول، وأنه يجوز التعبير عن الإرادة بكافة وسائل التعبير، وأن كافة تصرفات عديم الأهلية باطلة، وأنه يجوز التعاقد بالأصالة أو بالنيابة، وأنه يجوز لأطراف العقد فسخه بالاتفاق، وأن العقد الباطل لا يرتب التزامات تعاقدية على طرفيه. وفي عقد البيع، يجب على البائع تسليم المبيع ويجب على المشتري دفع الثمن، وفي عقد الإجارة على المؤجر تسليم المأجور، وعلى المستأجر دفع الأجرة. وفي عقد المقاولة، يجب على المقاول تسليم الأعمال، ويجب على صاحب العمل دفع مستحقات المقاول عن هذه الأعمال. وفي عقد القرض، يجب على المقترض إعادة مثل المال المقترض. وفي عقد التأمين، يجب على شركة التأمين دفع تعويض لصاحب الحق فيه إذا توفرت شروط ذلك. وقد يكون النص القانوني غامضاً بحاجة إلى تفسير، ولكن استقر الاجتهاد القضائي حول تفسيره بطريقة معينة، بحيث أصبح هذا التفسير وكأنه، عملياً، جزء من النص. 

كما أن النظام القانوني لدولة قانون الإرادة، قد يفرق في العقود بين العقود المدنية ويطبق عليها القانون المدني، والعقود التجارية ويطبق عليها القانون التجاري. وقد يفرق أيضاً بين العقود المدنية والتجارية من جهة، والعقود الإدارية من جهة أخرى والتي تطبق عليها، في كثير من الحالات، أحكام قانونية مختلفة عن كل من القانون المدني والتجاري. ونفترض هنا أن معيار التفرقة في القضية المعروضة بالذات واضحاً ودقيقاً، لا مجال فيه للاجتهاد.

في هذه الأحوال وغيرها مما هو شبيه بها ، فإننا نميل إلى الرأي الذي يقول بقابلية حكم التحكيم للطعن به، إذا خالف الحكم هذه الأحكام أو المبادئ المعروفة أو المستقرة في قانون الإرادة أو بمعنى أصح في النظام القانوني لدولة قانون الإرادة ومثال ذلك، أن تعلن هيئة التحكيم تطبيق القانون القطري، ولكنها تذهب في حكمها أن الإيجاب والقبول المتوفر في كل منهما الشروط القانونية، لا يؤديان إلى انعقاد العقد ، أو أن التعاقد بالوكالة غير جائز، أو تطبق أحكام القانون المدني على مسألة معينة، في حين أن القانون التجاري هو الواجب التطبيق، أو العكس تطبق القانون التجاري على المسألة المعروضة، في حين كان يتوجب تطبيق القانون المدني، مع اختلاف الحكم في القانونين بشأن هذه المسألة. أو تقرر الهيئة تطبيق القانون  المصري ويكون العقد موضوع النزاع هو عقد إداري، فتطبق الهيئة عليه القانون المدني أو التجاري وليس أحكام القانون الإداري، بالرغم من اختلاف الحكم بشكل واضح في القانون الإداري عنه في القانونين الآخرين. 

وكما نرى، فإن عدم تطبيق المبدأ القانوني المستقر، والذي كان يتوجب تطبيقه في هذه الأحوال، هو بمثابة استبعاد لقانون الإرادة، مما يجعل حكم التحكيم قابلاً للبطلان لهذا السبب.

ويضاف لهذه الأحوال أيضاً، حالة عدم تطبيق هيئة التحكيم لنص آمر في قانون الإرادة، بالرغم من أنها وصلت إلى نتيجة توجب عليها تطبيق مثل هذا النص. ويضاف لها أيضاً عدم ترتيب الآثار القانونية السليمة والأساسية، على ما خلصت إليه الهيئة من وقائع، وكانت هذه الآثار من المسلمات في القانون الواجب التطبيق، وليست محل اجتهاد. ومثال ذلك أن تقرر هيئة التحكيم بأنه يشترط لصحة العقد في القانون اللبناني وجود إيجاب وقبول، وأنه لا يوجد قبول في المسألة المعروضة، ومع ذلك تقرر الهيئة بأن العقد انعقد وفق أحكام هذا القانون، أو تقرر بأن العقد هو عقد بيع حسب القانون السوري، ومع ذلك ترى أنه لا لزوم لدفع الثمن من جانب المشتري، ولا لتسليم البضاعة من جانب البائع.