ومتى اتفق الأطراف على تطبيق قانون دولة معينة، يجب على هيئة التحكيم التقيد بإرادة الأطراف وتطبيق هذا القانون، وليس لها استبعاد قانون الإرادة وتطبيق قانون آخر بدلا عنه، وإلا تكون ارتكبت مخالفة جوهرية في الإجراءات مؤثرة في الحكم، مما يعرض حكمها للطعن به . ولكن في الحياة العملية، قد تستبعد الهيئة هذا القانون لسبب أو لآخر، كما حدث في العديد من القضايا. وأبسط صورة وأوضحها لمثل هذه الحالة هي اتفاق الطرفين صراحة على تطبيق قانون دولة معينة (القانون الإماراتي مثلاً)، فتقرر هيئة التحكيم عدم تطبيق هذا القانون واستبعاده، وتطبيق القانون الانجليزي بدلاً عنه ومثل هذا الفرض، كان قد حدث في الماضي، وقد يحدث في المستقبل.
ومن القضايا الشهيرة في هذا الشأن، سنة (1951)، التحكيم الذي كان بين شركة تطوير النفط الانكليزية وشيخ أبوظبي. فقد نص العقد بينهما على التحكيم وتطبيق قانون أبو ظبي في حال نشوب نزاع حول العقد. حصل النزاع فعلاً وأحيل على محكم منفرد ، الذي قرر بأن قانون أبو ظبي لم يكن مدونا بعد، ولا يتضمن حلولاً لتسوية النزاع ومن حيث النتيجة استبعد المحكم قانون أبو ظبي وطبق مكانه القانون الانكليزي .
وفي قضية شهيرة أخرى (سنة 1958) ، كان التحكيم بين شركة ارامكو والمملكة السعودية، وكان العقد بينهما ينص على التحكيم وعلى تطبيق القانون السعودي إلا أن هيئة التحكيم قررت بأن القانون السعودي غير كاف لتسوية النزاع على أساسه. لذلك، قررت الهيئة استبعاده وتطبيق العادات والأعراف المعروفة عالمياً في صناعة وتجارة النفط، والسوابق القضائية والفقه المعروف عالمياً ودولياً في هذا الشأن .
ونرى في مثل هذه الأمثلة الواضحة، أي حيث تستبعد هيئة التحكيم قانون الإرادة صراحة قابلية الحكم للطعن به في القوانين محل البحث، بالرغم من عدم النص على ذلك صراحة. ويمكن إدراج هذه الحالة تحت مخالفة اتفاق التحكيم، أو تحت مخالفة إجراءات التحكيم، وكل منهما منصوص عليه صراحة في هذه القوانين ويكون الحكم خاضعاً للبطلان حتى لو كان استبعاد قانون الإرادة جزئياً. ومثال ذلك أن تقرر الهيئة تطبيق القواعد المتعلقة بأركان العقد وشروط انعقاده حسب قانون الإرادة وتستبعد منه الأحكام الخاصة بآثار العقد لتطبق قانوناً آخر.