القانون الذي يجب علي المحكم أن يطبقه علي موضوع النزاع في حالة سريان القانون المصري للتحكيم ، سواء علي التحكيمات التي تقع في داخل مصر أم في خارجها، باعتبار أن القانون المصري للتحكيم قانون إجرائي و ليس موضوعي ، وهو على هذه الحالة يبين في نصوصه القانون الموضوعي الواجب علي هيئة التحكيم اتباعه للفصل في موضوع النزاع.
رآى الدكتور أن القواعد الإجرائية تختلف تماماً عن القواعد الموضوعية ، وإذا لم يكن هناك هذا الاختلاف ، كان على المشرع المصري وواضعي القواعد الدولية التي تحكم إجراءات التحكيم ، ألا يجهدوا أنفسهم في وضع هذه القواعد ويتركوها وفقاً للقانون المطبق علي موضوع النزاع ، كما أنه بتطبيق هذه القاعدة ، فإنها تؤدي إلي عدم الاعتراف بعمل المراكز و الهيئات الدائمة للتحكيم ، و التي تقوم بتطبيق القواعد الإجرائية النافذة فيها مع إعمال القانون الذي اتفق عليه الأطراف لكي يطبق على موضوع النزاع جنبا إلى جنب ، لذلك كان من المعتاد وخاصة في التحكيمات الدولية أن يطبق المحكم قانون خاص بإجراءات النزاع وقانون أخر خاص بالتطبيق على موضوع النزاع ويكون حكمه بالطبع صحيحاً ونافذاً .
وقد نصت المادة 39 من قانون التحكيم المصري علي ثلاث حالات يستطيع المحكم أن يلجأ إليهم لتحديد القانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع وهم : -
(أ) تطبق هيئة التحكيم علي موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان ، وإذا اتفقا علي تطبيق قانون دولة معينة أتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ، ما لم يتفق على غير ذلك .
(ب) و إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع.
(ج) يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع و الأعراف الجارية في نوع المعاملة .
(د) يجوز لهيئة التحكيم إذ اتفق طرفا التحكيم صراحة علي تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع علي مقتضى قواعد العدالة و الإنصاف دون التقيد بأحكام القانون .
- وسوف نقوم باتباع ذات الطريقة التي اتبعتها المادة 39 في عرضها للقانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع ، وذلك لبيان كل حالة علي حدا على النحو الآتي:
1- حالة اتفاق الأطراف علي القانون المطبق علي موضوع النزاع :
تطبيقاً لمبدأ سلطان الإرادة الذي تبناه المشرع المصري علي نحو واسع، عند تعاطيه لنصوص قانون التحكيم المصري ، وايماناً منه بأهمية دور إرادة الأطراف في تحديد القانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع ، بما يخدم مصالحهم و يحقق أهدافهم من اتخاذ طريق التحكيم سبيلاً لحل منازعاتهم بالطرق السلمية ، وتطبيقاً العنصر المرونة المبتغي في نصوص قانون التحكيم المصرى نظراً لاختلاف العلاقات و تعدد المشكلات سواء على النطاق الداخلي أو الدولي ، فقد حرص المشرع المصري على إعطاء الحرية الكاملة للأطراف علي اختيار القانون المطبق علي موضوع العقد .
وعليه فإنه وفقا لنص المادة 39 تلتزم الهيئة باتباع القواعد التي اتفق عليها أطراف النزاع ، فإذا انشأ الأطراف قواعد من منعهم أو ابتكروا مزيجا من القواعد المنصوص عليها في القوانين المختلفة ، وذلك لكي تحكم موضوع النزاع المعروض علي هيئة التحكيم ، التزمت الهيئة بتطبيق هذه القواعد .
ومن ناحية أخرى فإنه تطبيقاً لنص المادة 39 أيضاً من هذا القانون ، تلتزم هيئة التحكيم بتطبيق القانون الذي اتفق عليه أطراف التحكيم لكي يحكم موضوع النزاع ، علي أنه يجدر الإشارة إلي أن الهيئة من خلال إعمال هذا النص ، فإنها تطبق القواعد الموضوعية في هذا القانون دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ، ما لم يتفق الأطراف صراحة علي أنهم قصدوا خضوع موضوع النزاع للقواعد الخاصة بتنازع القوانين في القانون المختار .
المادة 39 من قانون التحكيم المصري و التي نصت علي حرية الأطراف الكاملة في اختيار القانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع - أسوة بالنص الصريح للمادة 25 من هذا القانون على حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيقعلى إجراءات التحكيم - سواء أكان هذا التحكيم داخلي أو خارجي و سواء أكان موضوع النزاع ينصب علي علاقة داخلية بحتة أم دولية بحتة .
2- حالة عدم اتفاق الأطراف علي القانون المطبق علي موضوع النزاع :
وهذه الحالة تأتي نتيجة لعدم اتفاق الأطراف علي القانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع ، وهنا يقوم المحكم بما له من سلطة تقديرية في هذا الشأن علي محاولة استظهار مؤشرات موضوعية ومعقولة لتحديد الإرادة الضمنية المفترضة للأطراف .
ويقوم المحكم بالبحث من خلال مؤشرات تركيز العقد عن رابطة موضوعية يمكن الاطمئنان إليها علي أن إرادة الأطراف قد اتجهت إلي هذا القانون ، أو إلي ذاك بحيث تصبح إرادة الأطراف إرادة مفترضنة من واقع ظروف الحال .
وعلى الرغم من أن الغالب في اتفاقيات التحكيم ، أن يتفق الأطراف علي تحديد القانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع ، إلا أنه قد لا يحدث هذا الاتفاق ، إما نتيجة عدم الاهتمام اصلاً بهذه المسالة من جانب الطرفين ، و إما بسبب اختلاف الأطراف علي تحديد هذا القانون فيتركون الأمر لهيئة التحكيم لكي تطبق القانون المناسب علي موضوع التحكيم .
وتنص الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون التحكيم المصري علي أنه لهيئة التحكيم سلطة تطبيق القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع ، وهذه المادة تخالف نص الفقرة الثانية من المادة ۲۸ من القانون النموذجي و التي تنص على أنه " عند انعدام مثل هذا التحديد بواسطة الأطراف ، تطبق محكمة التحكيم القانون المحدد بواسطة قاعدة تنازع القوانين التي تقدر قابليتها للتطبيق في موضوع النزاع ".
ويتضح من المقابلة بين النصين أن المحكم في ظل القانون المصري يتمتع بسلطة تقديرية أوسع ، فهو يختار القانون الذي يقدر أنه أكثر اتصالاً بالنزاع، بينما نجده ملزماً بتطبيق القانون الذي تفضي إليه قواعد التنازع في القانون الذي يرى إمكان تطبيقه علي النزاع وفقا لنص القانون النموذجي.
أما بالنسبة للمعيار الذي ينتهجه المشرع لتحديد القانون الأكثر اتصالاً لحكم موضوع النزاع ، هر معیار فضفاض تتطلبه طبيعة السلطة التقديرية التي يتحلى بها المحكم في هذا الشأن، وهذا المعيار لكي يطبق على النحو الصحيح ، فإنه يتطلب ضرورة توافر الخبرة الكافية للمحكم، و كذا عنصري الحيدة و الشفافية ، للعمل علي بيان مركز النقل في العقد و القانون الذي يرتبط بهذا الثقل.
- ومركز الثقل هو الكلمة المناسبة للتعبير عن هذا المعيار ومحور العلاقة التي يقوم عليها العقد و بنوده ، فإذا كان محور العقد يدور حول بيع عقاراً ما في مصر ، كان علي المحكم أن يطبق القانون المصري باعتباره الأكثر اتصالاً بمركز الثقل في العقد .
ويلاحظ هنا الاختلاف بين سلطة المحكم و سلطة الأطراف في تعيين القانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع ، وذلك من خلال أمرين ، الأمر الأول هو ضرورة أن يختار المحكم القواعد الموضوعية لقانون معين لكي يحكم موضوع النزاع ، وهنا تختلف إرادة المحكم عن إرادة الأطراف ، الذين يجوز لهم أن يختاروا أية قواعد من ابتكارهم أو أن يمزجوا بين هذه القواعد المنصوص عليها في القوانين المختلفة ، لكي تصبح قانونا خاصا للأطراف لكي تحكم موضوع النزاع ، اما سلطة المحكم فهي مقصورة على تطبيق القواعد الموضوعية للقانون الأكثر اتصالا بموضوع النزاع ، فليس له الحق في خلق قواعد من صنعه أو أن يمزج بين نصوص القوانين المختلفة .
أما الأمر الثاني ، ففي الوقت الذي يبيح فيه المشرع للأطراف أن يتفقوا علي القانون الذي يحكم موضوع النزاع دون تقيد باي قاعدة أصولية ، ودون حاجة لوجود رابطة معينة بين هذا القانون وموضوع النزاع ، إلا أن هذا الأمر غير موجود عندما يعهد الأطراف لهيئة التحكيم في يختار متن ولست على موضوع النزاع ، ففي هذه الحالة أوجب المشرع على المحكم أن يختار القانون الأكثر اتصالاً بموضوع النزاع .
وذلك لأن القاضي الوطني عندما يعرض عليه حكم التحكيم بسبب دعوى بطلان مثلاً، فإنه يبحث دائماً تطبيق المحكم للقانون واجب التطبيق علي موضوع النزاع من عدمه ، ولا يستطيع أن يجاري المحكم في اصطياده لنصوص معينة من قوانین مختلفة لتحكم موضوع نزاع واحد، فيصبح حكم التحكيم كالتائه بين ثنايا القوانين المختلفة ، هذا فضلا عن مخالفة هذا الرأي للنص الشكلي للمادة 1999 و المادة 39 اللذان ينصان على اختيار الهيئة للقانون و ليست القوانين التي تراها الهيئة مناسبة لحكم موضوع النزاع ، أو التي تراها أكثر اتصالاً لحكم موضوع النزاع الواحد، على أنه لا يفهم من هذا القول، عدم إمكانية اختيار أكثر من قانون الحكم أكثر من نزاع في تحكيم واحد، إذ أنه يجوز للهيئة ذلك إذا تعددت المشكلات و النزاعات بسبب اتفاق تحكيمي واحد علي عقود مختلفة، وإنما المقصود من اعتراضنا هو تطبيق أكثر من قانون لكي يحكم مشكلة واحدة محددة في تحكيم واحد.
علي أنه في جميع الأحوال يجب علي المحكم أن يضع نصب عينيه قانون البلد التي سوف ينفذ فيها حكم التحكيم والذي سوف يرفع أمام قضائها دعاوي البطلان في الحكم الصادر منه - سواء أكان التحكيم دولياً أو محلياً ، وسواء أكان يجري في مصر أم في خارجها. فيعمل تمام الحرص على عدم استفزاز هذا القانون إن صح التعبير ، ليحمي حكمه من البطلان.