الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / النظام العام كقيد على القانون واجب التطبيق في منازعات العقود الإدارية الدولية

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    408

التفاصيل طباعة نسخ

النظام العام كقيد على القانون واجب التطبيق في منازعات العقود الإدارية الدولية

   كما أوضحنا سابقا فأن حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ليست مطلقة، وينطبق ذات الأمر عند سكوت الأطراف عن تحديد القانون واجب التطبيق وترك ذلك لهيئة التحكيم حيث أن حرية هيئة التحكيم ليست مطلقة وإنما يجب عليها اختيار القانون واجب التطبيق ضمن ضوابط حددتها التشريعات الداخلية والدولية.

ولعل من أهم وأبرز القيود التي ترد على تحديد القانون واجب التطبيق في منازعات العقود الدولية تلك التي تتمثل بضرورة وجود صلة بين القواعد القانونية واجبة التطبيق سواء تلك التي يختارها أطراف النزاع أو التي تحددها . هيئة التحكيم وبين موضوع النزاع. .

كما ويعتبر النظام العام من القيود التي تلعب دورا مهما في تحديد القانون واجب التطبيق حيث أنه لا بد من توافق القانون واجب التطبيق مع قواعد النظام العام، لا بل يجب احترام قواعد النظام العام وأخذها بعين الاعتبار سواء من قبل أطراف النزاع او من قبل هيئة التحكيم عند سكوت الأطراف عن تحديد القانون واجب التطبيق.

وبالتالي سنوضح القيود التي ترد على القانون واجب التطبيق مع التركيز على النظام العام بصفته محور هذه الدراسة، وذلك على النحو التالى.

أولاً: وجود صلة بين القانون واجب التطبيق وموضوع النزاع

  وعند تطبيق هذا القيد على منازعات العقود الإدارية الدولية فأن القانون الأكثر ارتباطاً وصلة بالعقد هو القانون الإداري الوطني للدولة المتعاقدة للدول التي تفرق بين العقود الإدارية والعقود الخاصة، فمن خلاله تكتسب الدولة سلطتها الاستثنائية في تنفيذ العقد الإداري والرقابة على التنفيذ، ومن خلاله

   تكتسب الدولة سلطتها في ايقاع الجزاءات على المتعاقد معها، ويمنحها القانون الوطني كذلك الحق بأنهاء العقد بالإرادة المنفردة لتحقيق المصلحة العامة..

   وبالتالي يعتبر القانون الوطني للدولة المتعاقدة هو القانون الأكثر ارتباطاً بالعقود الإدارية الدولية، ويحقق خصائصها ويتمشى مع الطبيعة القانونية للعقد الإداري الدولي، مع ملاحظة أن معظم هيئات التحكيم الدولية تسعى الى استثناء القانون الوطني واجب التطبيق تحقيقا لمصالح الطرف الأجنبي المتعاقد مع الدولة .

   مع الاشارة هنا إلى هيئة التحكيم تحدد القانون الأكثر صلة بالعقد من خلال معيارين: أحدهما يتمثل في تركيز موضوع النزاع اعتمادا على طبيعة العقد الذاتية التي تبين الالتزام الجوهري في العقد وهو ما يعبر عنه بمحل الاداء المتميز، وثانيهما يتمثل حسب تركيز العقد في نظام قانون معين.

ثانيا : النظام العام

   يعتبر النظام العام من أهم القيود التي يجب على أطراف النزاع مراعاتها عند اختيار القانون واجب التطبيق، كما ويجب على هيئة التحكيم عند سكوت الأطراف عن اختيار القانون واجب التطبيق أن تراعي قواعد النظام العام، كما ويجب على هيئة التحكيم عند تطبيقها للقانون واجب التطبيق مراعاة أحكام النظام العام.

   والمقصود هنا بالنظام العام كقيد على القانون واجب التطبيق هو النظام العام في دولة التنفيذ)، فلا يعنينا النظام العام في القانون المختار، ولا النظام العام في دولة التحكيم(؟)، وإنما ما يهمنا هو عدم مخالفة أحكام النظام العام في دولة التنفيذ، حيث انه يجب على المحكم أن يراعي النظام العام في دولة التنفيذ لضمان إصدار أمر بالتنفيذ للحكم التحكيمي في الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها.

   ويجب الملاحظة هنا الى ضرورة احترام التوصيات التي تبنتها لجنة التحكيم التجاري الدولي التابعة لجمعية القانون الدولي حول النظام العام كسبب الرفض الأعتراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الدولية، وتوصلت هذه التوصيات الى أن النظام العام الدولي لدولة معينة يتشكل من مجموعة من العناصر تتمثل بالمبادئ العامة المتعلقة بالقانون والآداب التي تهدف الدولة الى حمايتها، والقواعد المتعلقة بالمصالح السياسية والأجتماعية والاقتصادية للدولة، وإلتزام الدولة في إحترام التزاماتها في مواجهة باقي البلدان أو المنظمات الدولية.

   إلا أن السؤال المهم هنا هو كيف تكيف هيئة التحكيم العقد الإداري - الدولي؟ هل تكيفها كعقد إداري وبالتالي ينطبق عليها احكام القانون الوطني للدولة المتعاقدة ؟ ام يكيف العقد كعقد تجاري دولي أو اي تكييف آخر لتفادي الصدام مع الطبيعة القانونية للعقد الإداري وللإفلات من تطبيق القواعد الوطنية على العقد؟ خصوصا أن القواعد التي تطبق على العقود الإدارية تعتبر من النظام العام ولا يمكن مخالفتها أو استبعادها.

   للإجابة على هذه التساؤلات لابد لنا من الإشارة الى القرينة التي وضعتها محكمة العدل الدولية الدائمة - سالفة الذكر - والتي توجب خضوع العقود الإدارية الدولية لقانون الدولة المتعاقدة اذا تم تكييف العقد كعقد إداري والتي تعتبر قرینه قاطعة لا تقبل اثبات العكس)، وبالتالي فأن سكوت الأطراف عن تحديد القانون واجب التطبيق يعني انتقال هذه المهمة الى هيئة التحكيم والتي تختار - عادة - القانون الوطني للدولة المتعاقدة والذي يعتبر القانون واجب التطبيق على منازعات العقود الإدارية الدولية ويحكم مختلف الجوانب العقدية للنزاع.

    الا أن المشكلة الحقيقة تظهر عن اختيار أطراف النزاع لقانون واجب التطبيق لا تراعي قواعده الطبيعة القانونية للعقد الإداري، مما يعني أنه ستطبق قواعد غير القواعد الوطنية للدولة المتعاقدة أو تطبق قواعد قانونية لا تفرق بين العقود الإدارية و العقود الخاصة، وهذا ما سنقوم بتوضيحه لاحقا عند الحديث عن أثر التحكيم على مبادئ ونظريات القانون الإداري في منازعات العقود الإدارية.

ولكن لابد من الإشارة هنا إلى أن الواقع العملي في القضايا التحكيمية يقضي ببطلان حكم التحكيم استنادا الى الحالات المحددة على سبيل الحصر ومنها استبعاد المحكم تطبق القانون المتفق عليه بين أطراف النزاع على موضوع النزاع، ومن ذلك تطبيق القواعد الخاصة على العقود الإدارية الدولية وفي ذلك أصدرت محكمة استئناف القاهرة بجلسة

1995/12/5 حكما يقضي بأبطال حكم التحكيم في قضية Chromaloy) حيث قالت المحكمة " ... من الثابت لهذه المحكمة أن العقد محل المنازعة هو عقد إداري مبرم مع مرفق عام التوريد مهمات وخدمات متعلقة بتسييره وتنظيمه ، وتضمن العقد حسبما هو وارد بدفاع الطرفين وبأوراق التداعي الماثل أن الإدارة أظهرت نيتها في الأخذ بأسلوب القانون العام وأحكامه واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ المباشر بما تضمنه العقد من حق جهة الإدارة في توقيع جزاءات مالية في بعض الحالات وسلطتها في إنهاء التعاقد في حالات معينة بإرادتها المنفردة ، بمجرد إخطار بخطاب مسجل ، وهي شروط استثنائية غير مألوفة بمنأى عن أسلوب القانون الخاص ، فإذا تضمن ذلك العقد النص على أن القانون الواجب التطبيق بمعرفة هيئة التحكيم هو القانون المصري ، فإن مفاد ذلك أن المقصود هو القانون الإداري المصري ، فإذا اعمل حكم التحكيم القانون المدني المصري دون القانون الإداري المصري فإنه يكون قد استبعد القانون المتفق في العقد على إعمال أحكامه بما تتوافر معه حالة من حالات طلب بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في المادة 53 في فقرتها الأولى بند (د) من القانون رقم 27 / 1994 أنفة البيان ويكون والحال كذلك طلب المدعي بصفته إبطال حكم التحكيم لاستبعاد تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه في موضوع النزاع قد جاء على أساس سليم من الواقع والقانون".

   ويتضح لنا من هذا الحكم أن طبيعة العقد الإداري لا تتغير بدخول الطرف الأجنبي كطرف بالعقد، او باعتماد التحكيم التجاري الدولي كوسيلة الحل المنازعات الناشئ عنه.

   إلا أنه وبالنظر إلى الواقع العملي وقرارات هيئات التحكيم نلاحظ تحيزها الدائم للشركات الكبرى والاجنبية المتعاقده مع الدولة بهدف تحقيق مصالحها، لذلك يجب على الدولة أن تسعى بشتى الطرق بأن يكون القانون واجب التطبيق على العقود الإدارية الدولية هو القانون الوطني للدولة المتعاقدة، ومع ضرورة تحديد هذه القواعد بشكل واضح لا يدع مجالا للشك، كما يجب على الدول وخصوصا الدول النامية الابتعاد عن فكرة تقديم التنازلات على حساب عقودها الإدارية الدولية عند التعاقد مع الشركات الأجنبية الكبرى بحجة جذب الاستثمار، فكما أن الدولة بحاجة الى التعاقد مع الشركات الكبرى فأن الشركات الكبرى أيضا بحاجة للتعاقد مع الدول. -