الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / أثر النظام العام على حرية أختيار الأطراف للقانون واجب التطبيق على منازعات العقود الإدارية الدولية

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    367

التفاصيل طباعة نسخ

أثر النظام العام على حرية أختيار الأطراف للقانون واجب التطبيق على منازعات العقود الإدارية الدولية

  بما أن تشريعات التحكيم جاءت بصيغة عامة فاذاً تشريعات تشمل العقود الخاصـة والعقود الإدارية على حد السواء، بمعنى ان الدولة أو احـد أشخاصها المعنوية العامة تستطيع الأتفاق مع الطرف الآخر في العقد على اختيار القانون واجب التطبيق على النزاع الذي ينشأ بينها، لأن العبرة في عملية  التحكيم ذاتها ولا تؤثر صفة اطراف التحكيم على إرادة الخصوم وحريتهم في اختيار القانون واجب التطبيق.

  ويجب الملاحظة هنا ان إرادة الخصـوم فـي اختيار القانون واجـب التطبيـق لا تظهر في التحكيم الداخلي، وسبب ذلك ان العقد الإداري فـي التحكيم الداخلي يبقى خاضعاً للقواعد الموضوعية فيه، وتطبيق على النزاع القواعد القانونية الداخلية شأنه في ذلك شأن سائر العقود الداخلية.

  الا ان المشكلة تثور فعلاً في العقود الدولية حيث تختلف القواعـد والنصوص التي تحكم العلاقات القانونية، مع ملاحظة ان اختيار الأطراف للقانون الأجنبي هو مجرد إختيار للقواعد الموضوعية التي ينص عليها هذا القانون وليس اختيار للقانون الأجنبي ذاته.

   إلا ان ما يعنينا في دراستنا هذه يتمثل في مدى قدرة الدولة أو احـد اشخاصها العامـة علـى اختيار القانون واجب التطبيـق فـي العقود الإداريـة الدولية؟ وهل تستطيع الإدارة او الأشخاص المعنوية العامة اختيار قانون واجب التطبيق على العلاقات العقدية أم أنها تلزم في الخضوع لقواعد القانون الإداري الوطنية؟ على اعتبار انها من قواعد النظام العام التي لا تجيز للدولة الخضوع لغير القواعد الإداريـة الوطنيـة فـي فض المنازعات الناشئة بمناسبة العقـود الإدارية الدولية.

   لا شك بأن التسليم بمبدأ إرادة الأطراف في أختيار القانون واجـب التطبيق في العقود الإدارية الدولية والأخذ به على إطلاقه يؤدي الى نتائج غير مقبولة، حيث انه من الممكن ان يختار طرفي العقد الإداري قواعد قانونيـة تساوي بين العقود العامة والعقود الخاصة، ولا تمنح الإدارة مميزاتها في مواجهة المتعاقد معها، وهذا الامر يؤثر على طبيعة العقود الإدارية ويؤثر ايضاً على المركز القانوني للإدارة.

   أضف الى ذلك ان تطبيق قواعد القانون الخاص على العقد الإداري وتجريد الإدارة من سلطاتها وإمتيازاتها يؤدي الى مخالفة احكام النظام العام في دولة القاضي، مما يعني ان القاضي المختص بإصدار أمر التنفيذ سيمتنع عن إصدار الأمر بالتنفيذ على اعتبار أن حكم التحكيم يتضمن ما يخالف النظام العام.

   وحفاظاً على خصوصية العقود الإدارية أوجب المشرع الفرنسي صراحاً تطبيق القانون الفرنسي على التحكيم في عقود الشراكة، وهي عقود تحتـوى بالعادة على متعاقد أجنبـي مع الإدارة او احـد اشخاصها المعنوية العامة،وبموجب هذه العقود قد يكون مكان تنفيذ الالتزام في أحد الدول الأجنبية أو يتم تبادل الأموال والسلع بين حدود الدول، مما يعني ان هذه العقود تعتبر عقودا إدارية دولية. 

  لذلك تدخل المشرع الفرنسي بقصد إخضاع هذه العقود للقانون الفرنسي حصراً ولم يترك المجال أمام أطراف العقد لأختيار قانون واجب التطبيق غير القانون الفرنسي، والهدف من ذلك الحفاظ على خصوصية العقد الإداري. 

  إلا ان هناك جانب من الفقه ذهب الى انه لا علاقة بين أطراف العقد وقاعدة إختيار القانون واجب التطبيق، حيث ان التحكيم في الأساس هو إتفاقي ويتم تطبيق القانون الذي يرتضيه اطراف العقد صراحاً أو ضمناً، ما دام ان الدولة أو احد مؤسساتها العامة وافقت على تطبيق قانون غير قانونها الوطني منذ البداية.

  وحسب هذا الاتجاه فأنه يمكن القول بان العقود الإدارية الدولية تعتمد على مبدأ أختيار القانون واجب التطبيق والذي يعتبر من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي الخاص ويخضع بالتالي لقاعدة قانون الإدارة وبغض النظر عن نوع العقد سواءاً اكان عقداً إدارياً او عقداً من عقود القانون الخاص.

   ولكن ما مدى حرية اطراف النزاع في اختيار القانون واجب التطبيق؟ 

    من المتفق عليه – بشكل عام – ان القانون المختار من قبل أطراف النزاع له الاولوية في التطبيق على كافة القوانين الاخرى التي تطبق بالعادة قبل وجود الاتفاق على اختيار القانون المختار، لذلك لابد من الأخذ بعين الاعتبار ما يتم الاتفاق عليه بين أطراف العقد الإداري الدولي وتطبيقه، هذا من حيث المبدأ.

   ولكن هل حرية أطراف العقد مطلقة في تحديد أحكام القانون واجب التطبيق على النزاع الإداري المتفق على فضه عن طريق التحكيم؟

    اتجه الفقه الى أتجاهيين رئيسيين في ذلك على النحو التالي :

 الاتجاه الأول : يمنح الأطراف المتعاقدة الحرية المطلقة في تحديد وأختيار القانون واجب التطبيق على العقد الإداري وبدون أي شرط أو قيد، ويرى هذا الأتجاه ضرورة التزام المحكم بالأختيار الصريح لأطراف العقد، وأجاز هذا الاتجاه الأخذ بالقانون المختار حتى ولو كان هذا القانون لا يرتبط بالعقد بأي رابط موضوعي، إلا ان القيد الوحيد الذي يرد على هذا الاختيار يتمثل في إمكانية استبعاد القانون المختار بأسم النظام العام في دولة القاضي.

   الأتجاه الثاني : يعتبر ان حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد ليست مطلقة، وإنما يحدها مجموعة من المحددات أهمها ان يكون هناك صلة جوهرية بين القانون المختار والعقد، بمعنى ان إرادة المتعاقدين تنحصر في اختيار القانون الذي تتركز فيه العلاقة العقدية طبقاً لظروف وملابسات هذا العقد، فأن لم تكن إرادة الأطراف قد اختارت القانون الذي تتركز فيه العلاقة العقدية فانها تكون قد خرجت عن النطاق المسموح به، مما يترتب على ذلك إمكانية اختيار المحكم لقـانون آخر أكثر صلة بالرابط العقدية، حيث ان المحكم لديه مؤشرات معينة يستطيع بواسطتها تقدير صحة الاختيار الذي قامت به الأطراف المتعاقدة.

   ومن ذلك التحكيم في العقود الإدارية الدولية حيث ان تركيز العلاقة العقدية يكون في تطبيق القواعد الموضوعية للقانون الإداري، ومن المؤشرات على ذلك ان طبيعة العقود الإدارية تفترض تطبيق قواعد القانون الإداري للدولة المتعاقدة لتعلقها بالنظام العام ولا يمكن استبعادها، يختار المتعاقدين تطبيق احكام القانون الأمريكي – مثلاً – الذي يساوي بين العقود الإداريـة الدولية والعقود الاخرى ولا يمنح للدولة اي سلطات في مواجهة المتعاقد مع الإدارة، فهنـا تكـون حرية المتعاقدين مقيدة ويمكن للمحكم استبعاد القانون المختار واختيار قانون يراعي طبيعة العقد الإداري وخصائصه، مما يساهم في عدم رفض اصدار أمر التنفيذ على اعتبار ان الحكم مخالف للنظام العام .

   فعلياً ما يهمنا هنا كيفية المحافظة على خصوصية التحكيم من جهة، والحفاظ على نظرية العقد الإداري من جهة أخرى. هذا الأمر يدعونا الى تحقيق التوازن بين حكم التحكيم كمطلب رئيسي في مجال التجارة الدولية وبين الحفاظ على ذاته العقد الإداري وخصوصيته وإمتيازات الإدارة في مواجهة المتعاقد معها.

   يمكننا تحقيق هذا التوازن بان تكون حرية المتعاقدين في اللجوء الى التحكيم مقيدة، وقيدها يتمثل بضرورة أختيار قانون واجب التطبيق يميز بين العقود الإداريـة والعقـود الخاصـة ويخصص قواعـد قانونيـة خاصـة بالعقود الإدارية مثل القانون الفرنسي أو المصري او الأردني والابتعاد عن القوانين التي تساوى العقود الإدارية الدولية بالعقود الخاصة كالقانون الأمريكي.

  وبناءاً على ذلك تطبق قواعد القانون الإداري على المنازعات التحكيمية الإدارية الدولية بإعتبارها من القواعد الموضوعية واجبة التطبيق على موضوع النزاع، وهو ما تضمنته المادة 39 من قانون التحكيم المصري والتي نصت علـى انـه " ... اذا اتفـق علـى تطبيـق قـانون دولـة معينة اتبعت القواعـد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق على غير ذلك "، أضف الى ذلك ان قواعد القانون الإداري من القواعد المتعلقة بالنظام العام ممـا يعنـي انـه لا يمكن لأطراف العقد الإداري مخالفتها او الاتفاق علـى استبعادها.

    وختاماً فان من اهم القواعد الموضوعية لنظرية العقد الإداري تطبيق القانون الوطني على هذا العقد، الا ان المشرع المصري و الأردني أجازا تطبيق تنشأ قواعد يختارها اطراف العقد لفض النزاعات التي بین المتعاقدين عن طريق التحكيم، وإذا لم يتفق الأطراف على القواعد القانونية واجبة التطبيق طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية والأعراف الدولية المتعارف عليها في نوع المعاملة، وهو ما يتعارض صراحة مع القواعد الموضوعية للعقد الإداري بأعتبارها من قواعد النظام العام.

كمـا الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلـس الدولـة المصري اشترطت ان يكون التحكيم في العقود التي تكون احد اطرافها الإدارة او احد الاشخاص المعنوية العامة في إطار الشروط الموضوعية لنظرية العقد الإداري.

    تعتبر هذه القواعد والإجراءات من الموضوعات الرئيسية في نظرية العقد الإداري، وتعتبر من القواعد الآمرة التي لا يستطيع المتعاقد مع الدولة الأفلات منها، كما يجب الا تتعارض معها اي قواعد لقانون أجنبي متفق عليه لفض المنازعات في العقود الإدارية الدولية.