اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم الالكتروني الدولي في منازعات التجارة الدولية / تحديد القانون واجب التطبيق على الموضوع
وكما قد قررت النظم القانونية حرية الأطراف في اختيار القواعد الإجرائية التي يمكن اتباعها للفصل في الدعوى، قررت أيضا ذات الحرية بشأن تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع . وجاء ذلك بنص المادة 39 من قانون التحكيم المصري بأنه "1 - تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان. وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة محددة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين، ما لم يتفق على غير ذلك. 2 ـ وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى انه الأكثر اتصالاً بالنزاع. 3 ـ يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة.".
وبذلك لا يختلف منهج تحديد القانون الإجرائي عن منهج القانون الموضوعي، فإرادة الأطراف القاسم المشترك في الحالتين، بالتالي تعد هذه الإرادة في مضمونها ومداها ملزمة للمحكم الذي يتعين عليه أن يقوم بالفصل في الدعوى وفقاً للقانون الذي اختاره الأطراف. واختيار قانون دولة محددة ليكون هو القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع يعني اختيار الأحكام الموضوعية فيه دون قواعد الإسناد، وهذا هو القصد من عبارة النص "وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة محددة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين". فإذا اتفق الأطراف على تطبيق القانون المصري وكان موضوع النزاع القائم أمام المحكم عقد بيع أو مقاولة مثلا، فإن المحكم يلتزم بتطبيق الأحكام الموضوعية المقررة في القانون المدني المصري مباشرة دون أن يقوم بتطبيق قواعد الإسناد المصرية التي قد ترشده إلى تطبيق قانون دولة أخرى أو حتى إلى تطبيق القانون المصري ذاته، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك.
ويثار التساؤل عما إذا كانت تطبق تلك القاعدة العامة بشأن تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع بمجال التحكيم الإلكتروني، أم أن العمل بمجال التجارة الإلكترونية وطابعا الخاص فرض بعض المناهج المغايرة في هذا الأمر؟
وبالنظر عما يتبع بشأن التحكيم الإلكتروني نجد أن المادة 15 من تنظيم محكمة الفضاء التي حملت "عنوان قواعد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع" قضت بأنه "1 - للأطراف حرية اختيار القانون الذي تطبقه هيئة التحكيم على موضوع النزاع. وفي حالة غياب اتفاق الأطراف تطبق الهيئة قواعد القانون التي تراها مناسبة. 2- يجب أن تأخذ الهيئة في اعتبارها، في جميع الأحوال، شروط العقد وعادات التجارة الدولية وثيقة الصلة بالموضوع".
ونرى هنا أن المادة 15 تتطابق بالفعل مع القواعد العامة في التحكيم التقليدي سواء في الأحكام الموضوعية التي تتضمنها أو حتى في أسلوب الصياغة التي وردت فيها. بل ويكاد يستخدم نصها نفس الألفاظ والعبارات التي يستخدمها مشرعو الدول عند تنظيم هذه المسألة، فالنص يفرق - كغيره . بين وضعين:
أولاً: اختيار الأطراف للقانون الواجب التطبيق، وهنا لا تثار أية مشكلة؛ إذ تلتزم الهيئة بهذا الاختيار ويقتصر دورها على إنزال حكم القانون المختار على وقائع الدعوى الإلكترونية.
ثانياً: إذا لم يتفق الطرفان على اختيار قانون محدد حلت هيئة التحكيم محلهم في تحديد القانون الذي تراه مناسباً . من بين القوانين ذات الصلة . لحكم النزاع الإلكتروني. كأن ترى مثلا تطبيق قانون محل إبرام العقد أو قانون بلد تنفيذه أو قانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين أو قانون موطنهما المشترك... إلخ.
وقد أوجب أيضا مراعاة الهيئة عند الفصل في الدعوى . وفقاً للقانون المختار - شروط العقد وعادات التجارة الدولية المتصلة بموضوعه، سواء تم الاختيار بواسطة الأطراف أو بواسطة هيئة التحكيم الإلكتروني ذاتها.
هذا وعند البحث بالإجراءات التكميلية لجمعية التحكيم الأمريكية بشأن التحكيم الإلكتروني لم نجد أي حكم يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع. الأمر الذي يحتم معه الرجوع للقواعد التي تطبقها الجمعية في مسائل التحكيم التقليدي ونجد أن المادة 28 قد نصت على أنه "(1) على هيئة التحكيم أن تطبق القانون (القوانين) الوضعية أو قواعد القانون المحددة من قبل الأطراف على النزاع القائم بينهم. وفي حالة عجز الأطراف عن هذا التحديد، فعلى هيئة التحكيم تطبيق تلك القوانين أو القواعد القانونية التي تراها مناسبة. (2) خلال عمليات التحكيم التي تتعلق بتطبيق العقود على هيئة التحكيم أن تقرر وفقاً لبنود العقد وعليها أن تأخذ بالاعتبار الاعراف التجارية المطبقة. (3) على هيئة التحكيم ألا تقرر وفقاً لقواعد العدل والإنصاف أو بصفتها مفوضة بالصلح ما لم يمنحها الأطراف الصلاحية بذلك. (4)... (5)...".
وبهذا تكون جمعية التحكيم الأمريكية قد طبقت القواعد المتعارف عليها وهي التي تقضي بالركون للإرادة الفردية أولاً لمعرفة القانون المختار بواسطة الأطراف، وإلا قامت هيئة التحكيم الإلكتروني حال عدم اتفاق الأطراف باستيفاء هذا النقص واختيار القانون الذي تراه وثيق الصلة بالموضوع. فقد أضحى تطبيق هذه القواعد مبدأ مسلماً به في مختلف النظم القانونية، بل وقاعدة من القواعد المادية في القانون الدولي الخاص.