اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / خصومة التحكيم في منازعات عقود التجارة الدولية / سلطة المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع في القوانين الوطنية
سلطة المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع في القوانين الوطنية
فقد نصت المادة (39) من قانون التحكيم العماني والمقابلة للمادة (38) من قانون التحكيم السعودي على أنه "إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع". فوفقاً لهاتين المادتين فإنه إذا لم يتفق الطرفان على تطبيق قواعد موضوعية معينة تعين المحكم على البحث عن أكثر القوانين اتصالاً بموضوع النزاع وإخضاع النزاع للقواعد الموضوعية في هذا القانون. فتكون له الحرية في تطبيق قانون وطني معين أو قانون أجنبي معين كما تكون له حرية تطبيق هذا القانون أو ذاك وحده أو بالتزاوج بينهما .
فالسلطة التقديرية للمحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع يمكن تبريرها في أن المحكم الدولي ليس له قانون اختصاص Lexfori، ومن هنا فإن موقف المحكم الدولي يختلف اختلافاً جوهرياً عن موقف القاضي الوطني عندما يتصدى لمشكلة تنازع القوانين، فالقاضي يكون مقيداً بإتباع القواعد القانونية في قانون دولته، أمام المحكم الدولي فليس له قانون اختصاص ولذلك فإن تحديد المحكم للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع لا يتم بنفس الطريقة التي يتبعها القاضي و عليه أن يحترم التوقعات المشروعة للأطراف وهو بصدد ممارسته لهذه السلطة. وكما سبق القول ليس للمحكم الدولي قانون اختصاص ولا يصدر أحكامه باسم هذه الدولة أو تلك ومن ثم لا يخضع بالتالي لسيادة أي دولة حتى ولو كانت هي أو أحد رعاياها طرفا في المنازعة التي تطرح على التحكيم. وقد أكدت تلك الحقيقة الكثير من قرارات التحكيم التجاري الدولي حيث قررت محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية أنه إذا كان من المعروف أن للقضاة سلطة تحديد القانون الواجب التطبيق من خلال إتباعهم لقواعد تنازع القوانين الخاص بالدولة التي يقيمون العدل باسمها، فإن المحكمين الدوليين لا يستطيعون الالتجاء إلى مثل هذه الطريقة وتلك القواعد، لأنهم لا يستمدون سلطاتهم في القضاء في المنازعات من أية دولة.
ويترتب على كون أن المحكم الدولي ليس له قانون اختصاص نتيجة مهمة تتمثل في أنه لا يوجد قانون أجنبي في التحكيم الدولي، فكل القوانين الوطنية تملك نفس القيمة أي على قدم المساواة، وليس لأي قانون وطني ما أفضلية على الآخر، وهذا له نتائج مهمة ليس فقط على مستوى إثبات مضمون القانون الواجب التطبيق، بل أيضا فيما يتعلق بتدخل النظام العام، فالمحكم وهو بصدد تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع من الممكن أن يتعارض مضمون هذا القانون مع النظام العام في الدولة المنوط بها تنفيذ حكم التحكيم، وهذا التعارض يكون سبباً لرفض التنفيذ، ولكن ليس اختيار القانون هو الذي يثير المشكلة بل الحلول الموضوعية لهذا القانون. مثال ذلك حكم تحكيم يطالب أحد الأطراف بدفع فوائد لا يمكن تنفيذه في السعودية بصرف النظر عن كون الحكم يستند على القانون الألماني أو الإنجليزي أو الفرنسي، بسبب أنه يقرر حلاً يتعارض مع مفهوم النظام العام كما عرفته الشريعة الإسلامية. ولذلك فإن السبب في رفض التنفيذ ليس هو اختيار قانون بدلا من قانون آخر بل تعارض الحكم مع النظام العام في الدولة المطلوب تنفيذ الحكم فيها .
وخلاصة القول، بالرغم من الحرية الواسعة التي يتمتع بها المحكم إلا أنها لا تكون كاملة في حالة اقتصر المشرع على الاعتراف للمحكم باختيار القانون الذي يطبقه على النزاع عند عدم اتفاق الطرفين عليه ولم يعترف له بحرية اختيار "قواعد القانون" عند عدم اتفاق الطرفين عليها كما فعل المشرع البحريني والقطري، حيث يتعين على المحكم هنا أن يطبق القانون الموضوعي الذي تسفر عنه قاعدة الإسناد التي أعملها باعتبارها القاعدة الأنسب للنزاع، وذلك دون أن يكون له تطبيق قانون آخر غيره أو المزاوجة بينه وبين قانون آخر أو أكثر. بعكس المحكم الذي أجاز له المشرع اختيار "قواعد القانون" الأنسب، حيث يتمتع هذا المحكم بحرية كبيرة في هذا المجال كما فعل المشرع العماني والسعودي. وبالرغم من أنه لم يرد نص مقابل ذلك في القانونين الكويتي والإماراتي مع ذلك يرى الفقه أنه ليس هناك ما يمنع الحكم من اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع طالما توجد إرادة للطرفين بشأنه صريحة كانت أو ضمنية على اعتبار ما يتمتع به المحكم من حرية في اختيار هذا القانون في هذه الحالة .