الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / الكتب / التحكيم التجاري الدولي / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع -

  • الاسم

    أ.د فوزي محمد سامي
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    179

التفاصيل طباعة نسخ

القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع -

    من أهم قضايا التحكيم معرفة القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع وذلك لان القانون المذكور هو الاساس في اصدار حكم التحكيم وبالتالي حسم النزاع وانهائه، 

   الأمر يختلف تماما بالنسبة للمحكم الذي يستمد سلطته من اتفاق التحكيم وبمعنى آخر ان مصدر سلطة المحكم إرادة الطرفين فهو يمارس مهمته التي يجد لهاأساسا في العقد.

   وفيما يلي شرح موجز للآراء المختلفة التي قبلت في صدد معرفة القانون الواجب التطبيق في مجال حل المنازعات في المعاملات التجارية الدولية عند حلها بالتحكيم. 

   اولا على المحكم تطبيق احكام القانون الذي اختارته اطراف النزاع تطبيقا لمبدأ. احترام ارادة الاطراف في اختيار القانون او القواعد القانونية التي يجب على المحكم اتباعها لحسم النزاع، وقد يكون القانون الذي اختارته الاطراف لا علاقة له بالعقد فلا هو قانون مكان الانعقاد ولا هو قانون مكان التنفيذ ذلك لان الاطراف عندما تختار قانونا لبلد ما لا علاقة له بالعقد الذي نشأ عنه النزاع، فهي في الغالب تهدف الى اختيار قانون محايد او قانون متطور في احكامه. وفي العقود الدولية قد تتفق الاطراف على عدم اختيار اي قانون ليطبق على النزاع، لأنها ترمي الى اخضاع النزاع الى قواعد العرف والعادة السائدة في التعامل التجاري الدولي وهي ما تسمى بـ Lex Mercatoria ومن الامور المعروفة ايضا على صعيد التعامل الدولي اختيار اطراف النزاع لتلك القواعد مع احكام احد القوانين الوطنية وفي الاغلب تختار الاطراف ايضا قواعد عرفية ومبادئ العدالة .

 وتعيين القانون الواجب التطبيق من قبل الاطراف قد يكون صريحا، وذلك بذكره في اتفاق التحكيم، سواء اكان ذلك في بنود شرط التحكيم، او في مشارطة التحكيم، او نجده في الغالب مدونا في العقود النموذجية الدولية التي تبين القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع . مثال ذلك ما جاء في العقود النموذجية الخاصة بتوريد المواد الانشائية بين الدول الغربية حيث نصت المادة (۱۳) على ان العقد وما تنشأ عنه من منازعات تخضع لقانون دولة البائع، الا اذا اتفقت الاطراف على غير ذلك. 

   وقد لا تفصح اطراف النزاع صراحة عن ارادتها في تحديد القانون او القواعد الواجبة التطبيق على موضوع النزاع، ويتعين في هذه الحالة على المحكم ان يبحث عن الارادة الضمنية او المفترضة للاطراف لكي يتمكن من خلالها من تحديد القانون الذي سيطبقه على النزاع. 

   وهناك مؤشرات ووقائع تعين المحكم على اكتشاف الارادة الضمنية للاطراف وبالتالي معرفة القانون الواجب التطبيق الذي انصرفت اليه ارادتها .

 

   المشكلة لا تقف عند معرفة القانون الواجب التطبيق فقط على موضوع النزاع وانما من الضروري معرفة قواعد القانون الدولي الخاص التي ستطبق اي قواعد الاسناد التي يستهدي بها المحكم لمعرفة القواعد القانونية التي سيطبقها لحسم النزاع. اذ ان اختيار الاطراف لقانون معين أو معرفة ذلك القانون لا يغني عن البحث في قواعد القانون الدولي الخاص بتنازع القوانين وسبب البحث عن هذه القواعد هو ان المنازعات الدولية غالبا ما تتعلق بالمسائل العقدية ولكنها قد تشتمل على مسائل تتعلق بالاهلية او بالمسؤولية غير العقدية او بالمنافسة غير المشروعة ... الخ.

   وقد تتفق الاطراف على تعيين قواعد القانون الدولي الخاص الواجبة التطبيق عند نظر المحكم للنزاع ، ولكن هذا نادر جدا حيث لا يخطر على بال الاطراف المتعاقدة ان تذهب الى حد تعيين قواعد القانون الدولي الخاص التي قد يحتاج المحكم للرجوع إليها للبت في بعض المسائل الخاصة بالنزاع.

   وهذا الأمر يدعونا إلى البحث عن كيفية تحديد القواعد الخاصة بتنازع القوانين لكي تطبق على المسائل التي تخرج عن نطاق القانون الذي تم اختياره من قبل اطراف

النزاع.

 

كيفية اختيار قواعد القانون الدولي الخاص لتطبيقها على التحكيم 

   ان مبدأ سلطان الارادة معترف به عالميا إلا أن هناك تباينا في مختلف يلاحظ ان : النظم القانونية حول الحدود التي يقف عندها سلطان الارادة، ولهذا فمن الضروري التحقق من صحة اختيار الاطراف لقانون العقد ومدى تطابق ذلك مع القواعد الملزمة للقانون مثل قانون مكان ابرام العقد او قانون مكان تنفيذ العقد والمسائل الأخرى التي تتعلق بقواعد القانون الدولي الخاص، والتي قد يتم الرجوع اليها مثل مسائل التكييف او الاحالة فلا يكفي الاكتفاء بقواعد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، والامر يصعب في حالة عدم التعيين الصريح او الضمني لقواعد تنازع القوانين التي تطبق على النزاع، فكيف يمكن معرفة تلك القواعد وما هي المعايير الواجب اتباعها لتطبيق قواعد قانون دولي خاص معين دون آخر.

1- الاخذ بقواعد التنازع للبلد الذي تم اختيار قانونه ليطبق على النزاع

   لم يسلم هذا الرأي من نقد فبالاضافة الى انه يحمل ارادة الطرفين في النزاع تفسيرا اكثر مما يجب ذلك لان الطرفين عندما يختاران قانون بلد معين لتطبيقه في التحكيم على النزاع لا يعني ذلك انصراف ارادتهما ايضا الى تطبيق قواعد تنازع القوانين لذلك البلد، وبعبارة أخرى ان اختيار قانون معين لبلد ما ليس معناه اختيار النظام القانوني لذلك البلد. يضاف الى ذلك ان الاطراف قد لا تختار قانونا معينا وانما ينصب اختيارها على تطبيق قواعد من قوانين متفرقة اوتلك القواعد مع قواعد اخرى خاصة بالتعامل التجاري.

2- تطبيق قواعد تنازع القوانين للبلد الذي يجرى فيه التحكيم

   وقد لقي هذا الرأى قبولا من الفقه الحديث الذي لم يسلم بشكل مطلق بالفكرة القائلة بالطبيعة القضائية للتحكيم. كما انه لم يسلم بشكل مطلق ايضا بالطبيعة العقدية للتحكيم ذلك لانه يرى في التحكيم طبيعة مختلطة كما سبق وذكرنا ذلك عند بحثنا عن القانون الواجب التطبيق على الاجراءات.

   وقد وجد هذا الرأي صدا في توصية امستردام لمعهد القانون الدولي العام والتي تم اعتمادها كقواعد، حيث سميت بقواعد امستردام عام ١٩٥٧ والتوصية رقم (۱۱) من القواعد المذكورة تذهب الى اتباع قواعد الإسناد المعمول بها في المكان الذي يجري فيه التحكيم لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وفي حدود تلك القواعد يطبق المحكمون القانون الذي تم اختياره من قبل الاطراف.

   اما اذا لم تتفق الاطراف على اختيار قانون معين فيصار الى تحديد القانون المذكور من قبل المحكمين آخذين بنظر الاعتبار الظروف المحيطة بالحالة. 

   غير أن هذا الرأي وهذه النظرية التي تجعل من مكان التحكيم نقطة انطلاق لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ومعرفة القانون الدولي الخاص الذي سيطبق، لم يسلما من انتقادات عديدة منها أن الدافع الى اختيار مكان ما للتحكيم قد يكون راجعا الى بحث أطراف النزاع عن مكان يمثل موقعا حياديا أو أن المكان المذكور هو المكان الملائم لممارسة التحكيم . وان اختيار مكان التحكيم قد يتم من قبل اطراف النزاع، أو من قبل المؤسسة التي تتولى التحكيم أو من قبل المحكمين انفسهم وكل ذلك لا علاقة له بموضوع النزاع، كما ان الامر يبدو صعبا جدا في حالة عدم تحديد مكان واحد للتحكيم فقد يجتمع المحكمون في عدة اماكن أي في عدة دول، أو ان التحكيم يجري بالمراسلة. ومن الانتقادات الأخرى التي وجهت إلى النظرية المذكورة أن النزاع في التحكيم الدولي ليس كالنزاع الداخلي فرغم ان القانون الخاص بالاجراءات، يطبق على اجراءات التحكيم الدولي الا ان الامر يختلف بالنسبة لموضوع النزاع لأننا نكون في تلك الحالة امام علاقة قانونية دولية لها صلة بالاقتصاد او بالتجارة الدولية ولهذا فان التحكيم هو تحكيم دولي. وعليه فالمحكم يجب ان لا يلزم بتطبيق قواعد القانون الدولي الخاص للبلد الذي يجري فيه التحكيم وان توطين Localisation التحكيم ليس سوى علاقة جغرافية ولا صلة له بالجانب القانوني.

3- تطبيق أحكام القانون الدولي الخاص لبلد المحكم

   بناء على هذا الرأي يجب على المحكم الدولي ان يلجأ الى تطبيق قواعد تنازع القوانين الخاصة لبلده أي لبلد المحكم نفسه، وتبرير ذلك ان المحكم له معرفة واطلاع واسع على تلك القواعد الخاصة في نظامه القانوني، يضاف الى ذلك ان الاطراف عندما تختار محكما معينا، يفترض فيها انها قد اختارت أيضا وبشكل ضمني او غير مباشر النظام القانوني لبلد المحكم وبعبارة اخرى ان اطراف النزاع عندما تتفق على تعيين المحكم فانها في نفس الوقت تعبر عن موافقتها على تطبيق المحكم للقواعد الخاصة بتنازع القوانين لبلده.

   ويعاب على هذا الرأي أنه ينتقص من كفاءة أغلب المحكمين الدوليين حيث يشكك في قدرتهم على معرفة الانظمة القانونية الخاصة بقواعد القانون الدولي الخاص غير تلك التي تخص بلدهم. كما يعاب على الرأي المذكور ايضا انه يشكل التفافا على قواعد تنازع القوانين لكي ينتهي الأمر الى تطبيق قانون بلد المحكم على موضوع النزاع، وبالنتيجة يصار الى تطبيق قانون لا علاقة له بموضوع النزاع ولم يخطر ببال اطراف النزاع تطبيقه .

4- تطبيق قواعد التنازع للبلد الذي فيه الاقامة المشتركة او الجنسية المشتركة للاطراف

   يوجب هذا الرأى على المحكم في حالة انتفاء الاشارة الصريحة او الضمنية الى القانون الواجب التطبيق، أن يبحث عن القانون الذي يطبق على النزاع من خلال قواعد تنازع القوانين للبلد الذي فيه الاقامة المشتركة او الجنسية المشتركة لاطراف النزاع. ويعاب على هذا الرأي صعوبة تطبيقه في التحكيم التجاري الدولي الذي يمثل الوسيلة الفعالة في حسم المنازعات الناشئة عن المعاملات التجارية الدولية وفي الغالب لا يحمل اطراف النزاع جنسية مشتركة بل تكون لكل منهم عدة جنسيات ومن النادر أن يكون لهم محل إقامة مشترك.

5 - تطبيق قواعد التنازع للقضاء الذي استبعد بموجب اتفاق التحكيم

   يوجب هذا الرأى على المحكم الدولي لكي يحدد القانون الواجب التطبيق ان يرجع الى قواعد تنازع القوانين المعمول بها في بلد المحكمة المختصة بالنظر في النزاع في حالة عدم وجود شرط اللجوء الى التحكيم حيث ان هذا الشرط قد استبعد المحكمة المختصة المذكورة من النظر في النزاع.

   ويعاب على هذا الرأي عدم امكانية تطبيقه من الناحية العملية ذلك لانه في المعاملات الدولية، ليس من السهل تحديد المحكمة المختصة في النزاع والتي تكون قد استبعدت بموجب شرط التحكيم او المشارطة يضاف الى ذلك ان احد اسباب نجاح التحكيم في تسوية المنازعات هو تحرير المنازعات التي تنشأ عن المعاملات التجارية الدولية من الخضوع لقواعد التنازع القضائى وما يثيره من مشاكل.

6- تطبيق قواعد التنازع للبلد الذي سينفذ فيه حكم التحكيم

   صحيح ان مسألة قواعد النظام العام للبلد الذي يراد تنفيذ الحكم فيه يجب اخذها بنظر الاعتبار من قبل المحكم عند اصدار حكم التحكيم لكي يضمن امكانية تنفيذه في ذلك البلد، ولكن الأمر لا يتعدى الى تطبيق القواعد الخاصة بتنازع القوانين لبلد التنفيذ .

   يتبين لنا من كل ما سبق أنه عند غياب الارادة الصريحة لطرفي النزاع وعدم معرفة ارادتهما الضمنية حول القانون الواجب التطبيق او قواعد القانون الدولي الخاص بتنازع القوانين فإن المحكم الدولي لا يتقيد باتباع قواعد التنازع في قانون وطني معين او تطبيق ذلك القانون على موضوع النزاع. 

   وتأكيدا لحرية المحكم، فقد وجدت نظرية أخرى ،مفادها أن المحكم يختار القانون الاكثر ملاءمة لموضوع النزاع أخذا بنظر الاعتبار القواعد المتعارف عليها في التعامل التجاري الدولي.

    هذه النظرية تمثل النتيجة المنطقية والاسلوب العملي في مجال التجارة الدولية ولهذا نجد اثارها واضحة في نصوص بعض الاتفاقيات الدولية وفي بعض قواعد التحكيم الدولية، وكذلك في بعض القوانين الوطنية الحديثة التي عالجت في نصوصها مسائل التحكيم التجاري الدولي.

 

القانون الواجب التطبيق وفقا لنصوص الاتفاقيات الدولية وقواعد التحكيم الدولي

 فعند عدم تصريح الطرفين بالقانون الواجب التطبيق عددت المادة الثالثة الحالات التالية:

أ- يخضع البيع للقانون المحلي للبلد الذي يوجد فيه محل اقامة البائع وقت تسلمه العرض الخاص بالبيع واذا كان العرض قد استلم من مؤسسة تابعة للبائع فان البيع يخضع لقانون البلد الذي توجد فيه تلك المؤسسة.

ب- يخضع البيع للقانون المحلي للبلد الذي يوجد فيه محل اقامة المشتري او البلد الذي توجد فيه مؤسسته التي قدمت العرض اذا كان العرض قد تم استلامه في ذلك البلد سواء أكان ذلك من البائع نفسه أو من المؤسسة التابعة له، أو من وكيل او ممثل تجاري.

ج- في حالة اتمام البيع بالمزاد العلني يطبق قانون البلد الذي جرى فيه المزاد العلني.

اما المادة الرابعة فتعالج مسألة القانون الواجب التطبيق في حالة الخلاف عند فحص البضاعة المسلمة بموجب عقد البيع وتنص على تطبيق قانون البلد الذي يجري فيه فحص البضاعة. وهناك اتفاقية جديدة اعدها مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص والتي تم التوقيع عليها في المؤتمر الدبلوماسي الذي عقد في لاهاي في ١٤ تشرين الأول عام ،۱۹۸۵ ، والتي سميت باتفاقية القانون الواجب التطبيق على عقد البيع الدولي للبضائع.

   فقد جاءت هذه الاتفاقية باحكام تعالج مسألة القانون الواجب التطبيق والتي لم تعالجها اتفاقية البيع الدولي للبضائع الموقعة في المؤتمر الدبلوماسي الذي عقد في فينا ۱۹۸۰ والتي اصبحت نافذة المفعول منذ ۱۹۸۸/۱۱/۱، والاتفاقية التي اعدها مؤتمر لاهاي جاءت لسد النقص الموجود في اتفاقية فينا بشأن القانون الواجب التطبيق على عقود البيع المذكور. وفي الفصل الثاني من اتفاقية لاهاي المشار اليها نجد نصوصا حددت القانون الواجب التطبيق في حالة عدم اتفاق الاطراف على تحديده. ففي المادة السابعة اكدت الاتفاقية على حرية الاطراف في اختيار القانون اما المادة الثامنة فقد نصت في فقرتها الأولى على انه في . حالة عدم اتفاق الاطراف يطبق قانون الدولة التي يوجد فيها مكان عمل البائع، وقت ابرام العقد .

    لكن الفقرة الثانية من المادة المذكورة، عددت الحالات التي يطبق فـيـهـا قـانون الدولة التي يوجد فيها محل عمل المشتري.

    ونشير الى ان اتفاقية لاهاي لعام ١٩٨٥لم تدخل بعد حيز التنفيذ ونفاذها سيؤدي الى احلالها محل اتفاقية لاهاي لعام ۱۹٥٥ بالنسبة للدول الاطراف في هذه الاتفاقية واصبحت طرفا في الاتفاقية الجديدة وهذا ما نصت عليه المادة (۳۸) من الاتفاقية الاخيرة.

   أما الاتفاقية الاوروبية لعام ١٩٦١ فقد نصت الفقرة الاولى من المادة السابعة منها على حرية الاطراف في الاتفاق على تحديد القانون الواجب التطبيق، وفي حالة عدم الاتفاق فعلى المحكمين تطبيق القانون الذي تحدده قواعد تنازع القوانين الملائمة للموضوع، وفي كلتا الحالتين يجب على المحكمين ان يأخذوا بنظر الاعتبار نصوص العقد والعادات التجارية.

    يستنتج من النص المذكور ان الاتفاقية الاوروبية تعترف صراحة بحرية الاطراف في تعيين القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، ولكنها تعطي الحرية للمحكمين في حالة غياب اتفاق الاطراف لتطبيق قواعد التنازع التي يرونها تلائم موضوع النزاع.

    وان مدى ملاءمة قواعد معينة دون اخرى تترك لحرية المحكمين الا ان الاتفاقية وضعت شرطا وهو ان لا يهمل المحكمون ما هو موجود في شروط العقد موضوع النزاع وما جرت عليه العادة في التعامل التجاري المماثل ونجد هذا الاتجاه في معالجة مسألة القانون الواجب التطبق على النزاع اتجاه سليم، ويلائم ما يجب اتباعه في مجال التعامل التجاري الدولي الذي قد لا يتلاءم مع قواعد معينة لنظام قانوني معين. وقد توجد قواعد اخرى اكثر ملاءمة لو ترك الخيار في اختيارها للمحكمين لتحقيق السبيل الأفضل في حل المنازعات التجارية الدولية، ونجد هذا المنحى في نصوص مماثلة حديثة مثال ذلك: ما جاء في المادة الحادية والعشرين من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام ۱۹۸۷ حيث جاء في فقرتها الأولى النص الآتي:

    تفصل الهيئة وفقا للعقد المبرم بين الطرفين واحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا ان وجد والا فوفق احكام القانون الاكثر ارتباطا بموضوع النزاع على ان تراعي قواعد الاعراف التجارية الدولية المستقرة».

    كذلك نجد نصوصا مماثلة في قواعد التحكيم المعروفة دوليا وفي بعض القوانين الحديثة التي وضعت في نصوصها احكاما للتحكيم التجاري الدولي. 

فبالنسبة لقواعد التحكيم نجد نصوصا مماثلة في قواعد التحكيم التي وضعتها اللجنة الاقتصادي الأوروبية للامم المتحدة (المادة ۳۸) وكذلك قواعد التحكيم التي وضعتها اللجنة الاقتصادية لاسيا والشرق الاقصى لعام ١٩٦٦ والمسماة بقواعد بانكوك (المادة السابعة فقرة ١/٤).

   كما نصت الفقرة الاولى من المادة (۳۳) من قواعد التحكيم التي وضعتها عام ١٩٧٦ لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة على انه «تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان فاذا لم يتفقا على تعيين القانون وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة انها الواجبة التطبيق في الدعوى».

   وقد اشارت الفقرة الثالثة من المادة المذكورة الى انه: «وفي جميع الاحوال تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لشروط العقد وبمراعاة الاعراف التجارية السارية على المعاملة». أما القانون النموذجي الذي وضعته اللجنة المذكورة عام ۱۹۸۵ فقد خصص المادة ۲۸ منه لمعالجة مسألة القانون الواجب التطبيق كما يلي:

1- تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع، واي اختيار لقانون دولة ما او نظامها القانوني يجب ان يؤخذ على انه اشارة مباشرة الى القانون الموضوعي لتلك الدولة وليس قواعدها الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق الطرفان صراحة على ذلك. 

2- إذا لم يعين الطرفان اية ،قواعد وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة انها واجبة التطبيق.

3- لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في النزاع على اساس ودي الا اذا اجاز لها الطرفان ذلك صراحة.

4- في جميع الاحوال، تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا لشروط العقد وتأخذ في اعتبارها العادات المتبعة في ذلك النوع من النشاط التجاري المنطبقة على المعاملة».

   كذلك نجد ان قواعد التحكيم للغرفة التجارية الدولية التي صدرت عام ١٩٧٥، وعدلت عام ۱۹۸۸ جاء في المادة (۱۳ فقرة ۳) منها ما نصه للطرفين ملء الحرية في تحديد القانون الذي يتعين على المحكم تطبيقه على موضوع النزاع، فاذا لم يحدداه طبق المحكم قاعدة تنازع القوانين التي يراها ملائمة في هذا الخصوص». 

   اما الفقرة الخامسة من المادة المذكورة فقد جاء فيها يراعي المحكم في جميع الاحوال شروط العقد والعادات التجارية .

   وقد اشارت ايضا قواعد التحكيم في الدول الاشتراكية الى ضرورة الاخذ بنظر الاعتبار عند تطبق المحكم للقانون العادات والاعراف التجارية، مثال ذلك: ما جاء في المادة (۳۱) من قواعد محكمة التحكيم لغرفة التجارة الخارجية البولونية، والمادة (۳۹) فقرة (۲) من قواعد تحكيم الغرفة التجارية الخارجية للغرفة الاقتصادية اليوغسلافية والمادة (٤٧) من قواعد التحكيم للجنة التحكيم البلغارية. 

   وتشير اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٥ حول تسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الاخرى في مادتها (٤٢) الى ان هيئة التحكيم تنظر في النزاع طبقاً لقواعد القانون الذي حدده الطرفان وفي الاتفاق حالة عدم على ذلك، فانها تطبق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع وهذا يشمل ايضا القواعد الخاصة بتنازع القوانين وكذلك مبادئ القانون الدولي الممكن تطبيقها . 

  ويذهب البعض الى القول ان المقصود بمبادئ القانون الدولي ليس تلك التي تعالج العلاقات الاقتصادية الدولية وانما المبادئ التي اشارت اليها المادة (۳۸) من نظام محكمة العدل الدولية . وفي رأينا ان هذا القول محل نظر بالنسبة للمعاملات التجارية الدولية حيث ان الامر لا يتعلق بالعلاقات بين الدول وانما علاقات يحكمها القانون الخاص والعادات والاعراف المتبعة في التعامل التجاري الدولي.

   وهناك نص مماثل في اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الاخرى لعام ١٩٨٠ المادة (١٦ فقرة اولى).

   واخيرا نشير الى نص الفقرة السادسة والسابعة من المادة (۱۹) من نظام مركز الوساطة والتحكيم لدى اتحاد المصارف العربية (۲) حيث جاء في الفقرتين المذكورتين

ما يلي:

   للفريقين تحديد القانون الذي تطبقه هيئة التحكيم على النزاع فإن لم يحدداه طبقت هيئة التحكيم قاعدة تنازع القوانين عند اللزوم ووفق ما تراه ملائما في هذا الخصوص تراعي هيئة التحكيم في مطلق الاحوال احكام العقد والعادات والاعراف المصرفية التجارية. 

   ومن القوانين الحديثة التي جاءت باحكام تتعلق بالتحكيم التجاري الدولي قانون التحكيم الدولي لجيبوتي عام ١٩٨٤ حيث جاء في المادة ١٣ من القانون المذكور ان الاطراف احرار في تعيين القواعد القانونية التي يجب على المحكمين تطبيقها على موضوع النزاع وفي. حالة عدم اتفاق الاطراف يطبق المحكمون قواعد القانون الذي يرونه ملائما .

    وفي جميع الاحوال على المحكمين الاخذ بنظر الاعتبار شروط العقد وتطبيق العادات التجارية الدولية». 

   واخيرا نذكر نص المادة (۸۱۳) من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني لعام ۱۹۸۳ والتي وردت في القسم الثاني من القانون المذكور تحت عنوان التحكيم الدولي حيث جاء في المادة المذكورة يفصل المحكم في النزاع وفقا للقواعد القانونية التي اختارها الخصوم والا وفقا للقواعد التي يراها مناسبه وهو يتقيد في جميع هذه الاحوال بالاعراف التجارية ...». 

   وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى ما جاء به القانون الجديد في الاتحاد السويسري الصادر في ١٨ كانون الاول ۱۹۸۷ حيث نص في الفقرة الأولى من المادة (۱۸۷) على ان «هيئة التحكيم تطبق القواعد القانونية التي اختارها الطرفان وفي حالة عدم اختيارها، تطبق القواعد القانونية الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع».

   ولكن لم يرد ذكر لأخذ قواعد العرف والعادات الموجودة في التعامل التجاري، فهل هذا يعني ان المحكم يجب ان لا يأخذ ذلك بنظر الاعتبار نرى ان يصار الى التفسير الواسع للنص فالقول بالاخذ بالوقاعد القانونية الاكثر ارتباطا بموضوع النزاع لا يعني استبعاد القواعد المتعارف عليها في التعامل التجاري الدولي في الموضوع المعروض على التحكيم. 

    ولعل من المفيد ان نذكر ان القانون المدني العراقي قد نص في المادة الخامسة والعشرين منه وهي تقابل المادة التاسعة عشرة من القانون المدني المصري على ما يلي: 1- يسرى على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك المتعاقدين اذا اتحدا موطنا . فاذا اختلفا يسرى قانون الدولة التي تم فيها العقد. هذا ما لم يتفق المتعاقدان او يتبين من الظروف ان قانونا اخر يراد تطبيقه.

 2- قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت بشأنه». 

    وقد جاء في المادة الواحدة والسبعين من الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية تخضع المقاولة» وترتب اثارها وفقا للقوانين والانظمة والتعليمات العراقية وتكون لمحاكم العراق الولاية القضائية للنظر والبت في جميع القضايا والدعاوي الناشئة عن «المقاولة» علما ان هذه الشروط لا تستبعد حل المنازعات الناشئة عن المقاولة بطريقة التحكيم والذي جاء ذكره في المادة التاسعة والستين من الشروط المذكورة.

   وقبل ان نختتم هذا المبحث نرى من المفيد ان نذكر بان المحكم لا يلجأ عند اتخاذ قرار التحكيم الى تطبيق مبادئ العدالة لحسم النزاع الا اذا كان مفوضا بالصلح من قبل الاطراف المتنازعة وفي هذه الحالة لا يستند في حسم النزاع الى القواعد القانونية وانما الى مبادئ العدالة والانصاف. 

   وهذا المبدأ نجده في جميع نصوص القواعد التحكيمية الدولية وفي نصوص القوانين الوطنية المختلفة.