اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / الكتب / التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون المقارن / تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
وتبين القوانين الوطنية الفروض المختلفة لاتفاق التحكيم من جهة معالجته أو عدم معالجته لموقف الطرفين من تقيد المحكم بالقانون أو عدم تقيده به ، ومن جهة الحلول الواجبة الاتباع لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع . كذلك تعنى اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي بهذه المعالجة مراعية الحلول الدارجة في القوانين الوطنية مع اهتمامها بتطبيق قواعد قانونية يمكن التغلب بها على مشكلة تنازع القوانين التي تثور غالباً في علاقات التجارة الدولية من جهة فضلاً علي التغلب على شكليات وصرامة القوانين الوطنية التي تحول عادة دون الوصول إلى حلول عادلة للمنازعات الناشئة عن هذه التجارة من جهة أخرى.
وعلى ما تقدم نتكلم عن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع المعروض على التحكيم في النظامين الوطني والدولي.
(أ) في النظام الوطني :
تتيح معظم القوانين الوطنية لطرفي التحكيم حرية الاختيار بين التحكيم بالقضاء الذي يتقيد فيه المحكم بالقانون والتحكيم الطليق الذي لا يتقيد فيه المحكم بأي قانون وطني معين وتترك فيه للمحكم إختيار أي قواعد يراها عادلة ، وفي هذا الصدد نصت المادة ١٤٧٤ مرافعات فرنسي على أن يفصل المحكم في النزاع على مقتضى قواعد القانون مـــا لــم يخوله الطرفان ، في اتفاق التحكيم مهمة الحكم كمحكم مصالح .
ويرجع تقرير هذا الأصل بنصوص قانونية إلى تأثر المشرع بالمفهوم القضائي Conception Juridictionnelle التقليدي لوظيفة "المحكم " وقياسها علـ القاضي"، و هو أن المحكم يباشر وظائف القاضي ويقوم بواجباته التي يفرضـ ها عليه القانون ، ليس هذا فقط بل يستند هذا الأصل أيضاً إلى إرادة طرفي التحكيم Volonté des parties ، حيث لا تتجه إرادتهما إلى التخلي عن الضمانات المستمدة من تطبيق القانون ، صحيح أنهما يتخليان عن قضاء المحاكم القضائية بلجوئهما إلى التحكيم ، إلا أنهما يريدان بذلك قضاة آخرين غير قضاة هذه المحاكم وحسب - أي المحكمين - وليس عدالة أخرى غير تلك التي تتحقق من تطبيق القانون.
ولكن أي قانون ذلك الذي يجب على المحكم المقيد طبيقه علي موضوع النزاع؟. إن نص المادة ١٤٧٤ مرافعات فرنسي ونص المادة ۲/۱۸۲ مرافعات كويتي ولئن أوجبا تقيد المحكم المقيد بقواعد القانون les de droit إلا أنهما لم يبينا ماهية هذا القانون ولاشك أن هذا هو القانون الموضوعي ، كالقانون المدني أو قانون العمل أو القانون التجاري ، ولكن هل يقصد بهذا القانون الموضوعي القانون الوطني أو أي قانون آخر أجنبي أو دولي؟، وهل يتحدد هذا القانون بإرادة الطرفين أو بإرادة المحكم أو بإرادة المشرع؟.
بالنظر إلى ما قد تثيره هذه الأسئلة من اختلاف في الرأي أحياناً ومن اضطراب في الحلول القانونية أحياناً أخرى فإن المشرع المصري قد حرص علي إعطاء إجابة واضحة ومحددة لتلك الأسئلة. فقد نصت المادة ۳۹ من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ علي ما يلي :-
(۱) تطبق هيئة ( محكمة ) التحكيم علي موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان ، وإذا اتفقا علي تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق علي غير ذلك.
(۲) وإذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع.
(۳) ويجب أن تراعي هيئة التحكم، عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة
(٤) ويجوز لهيئة التحكيم إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون .
ويبين من نص المادة ۳۹ المذكورة أنه يستوي في القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع المطروح على المحكم أن يكون قانوناً وطنياً أو أجنبياً أو دولياً تتضمنه اتفاقية دولية مثلاً ، وأن هذا القانون - في التحكيم بالقضاء - قد يكون قانون الإرادة أو القانون الذي يريد المحكم المقيد أنه الأكثر اتصالا بالنزاع أو القانون الواجب التطبيق وفقاً لقواعد تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، وهي قواعد تتحدد بإرادة المشرع. وأياً كان القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع يجب على المحكم المقيد مراعاة شروط العقد مثار النزاع والأعراف الجارية في نوع المعاملة.
المضافة بالمرسوم الفرنسي ولقد كان للمشرع الفرنسي فضل السبق في تقييد المحكم بالقانون الذي اختاره الطرفان وتخويله حرية إختيار القانون الواجب التطبيق عند عدم وجود هذا الاختيار ، كما كان له فضل السبق أيضاً في إلزام المحكم بمراعاة العادات التجارية الجارية وبالأولي الأعراف التجارية الجارية . فقد نصت المادة ١/١٤٩٦ من قانون المرافعات الجديد الصادر في ۱۲ مايو ۱۹۸۱م بشأن التحكيم التجاري الدولي على أن يفصل المحكم في النزاع على مقتضى قواعد القانون الذي اختاره الطرفان ، فإذا لم يختر الطرفان قانوناً معيناً فصل المحكم في النزاع على مقتضى قواعد القانون الذي يراه مناسباً. كما نصت المادة ٢/١٤٩٦ على أن يراعي المحكم ، في جميع الأحوال، العادات التجارية الجارية. وواقع الأمر أن النصوص المتقدمة ، سواء في القانون الفرنسي أو القانون المصري، لا تعدوا أن تكون انعكاسا لتطور التحكيم التجاري الدولي على نحو ما جسدته انظمته و اتفاقياته الدولية، وهو ما سنراه حالاً.
(ب) في النظام الدولي :
الأصل، في هذا النظام أن المحكم الدولي يكون مقيداً بالقانون الذي اختاره الطرفان، مع تخويله حرية إختيار القانون الأنسب إذا لم يوجد بينهما اتفاق بشأن القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ولو كان المحكم مقيداً ، أما الاستثناء فهو أنه يجوز للطرفين الاتفاق على عدم تقييد المحكم بقانون معين يسرى على موضوع النزاع بحيث يملك المحكم استبعاد هذا القانون، وذلك كله مع ضرورة مراعاة المحكم الدولي للأعراف والعادات التجارية الجارية فضلا على شروط العقد وهو ما يظهر من جماع نصوص اتفاقيات وأنظمة التحكيم التجاري الدولي.
فلقد نصت المادة 7 من الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي لعام ١٩٦١، المطابقة لنص المادة ١/٣٣ و ٢ من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة، على أن " يكون للطرفين حرية تحديد القانون الذي يجب على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع، فإذا لم يحدد هذا القانون عن طريق الطرفين طبق المحكمون قاعدة تنازع القوانين التي يرونها مناسبة لموضوع النزاع. وفى الحالتين يراعي المحكمون شروط العقد والعادات التجارية الجارية . كذلك يتطابق مع هذين النصين نص المادة ١/٢٨ و ٢ و ٤ من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي مع عناية هذه المادة ببيان المقصود بقواعد القانون الذي قد يحددها الطرفان لحكم موضوع النزاع. فقد نصت هذه المادة بفقراتها المذكورة على أن " تفصل محكمة التحكيم في النزاع وفقا لقواعد القانون التي يختارها الطرفان بوصفها واجبة التطبيق على موضوع النزاع. وأي إختيار لقانون دولة ما أو نظامها القانوني يجب أن يؤخذ على أنه إشارة مباشرة إلى القانون الموضوعي لتلك الدولة وليس إلى قواعدها الخاصة بتنازع القوانين ما لم يتفق الطرفان صراحة علي خلاف ذلك، وإذا لم يعين الطرفان أي قواعد وجب علي محكمة التحكيم أن تطبيق القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى هذه المحكمة أنها واجبة التطبيق وفي جميع الأحوال تفصل محكمة التحكيم في النزاع وفقاً لشروط العقد وتأخذ في اعتبارها العادات المتبعة في ذلك النوع من النشاط التجاري المنطبقة على المعاملة .
وإذا كانت النصوص المتقدمة توجب على المحكم ، في مجموعها ، تقيد المحكم بالقانون الموضوعي الذي اختاره الطرفان ومراعاته لشروط العقد والعادات والأعراف التجارية الجارية فإن ثمة نصوص واردة في اتفاقيات وأنظمة دولية أخرى تضيف إلى ذلك ضرورة مراعاة المحكم لمصادر أخرى من مصادر القواعد الموضوعية التي يمكن تطبيقها على موضوع النزاع . من هذه المصادر ما أسمته اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٦ بشأن تسوية منازعات الاستثمار " بمبادئ القانون الدولي"، حيث نصت المادة ١/٤٢ من هذه الاتفاقية على أن تفصل محكمة التحكيم في النزاع على مقتضى قواعد القانون الذي أتفق عليه الطرفان ، فإذا لم يوجد اتفاق بينهما في هذا الشأن طبقت محكمة التحكيم قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع بما فيه من القواعد الخاصة بتنازع القوانين ،" وذلك فضلاً على مبادئ القانون الدولي المتصلة بالنزاع .
ومن هذه المصادر أيضاً ما أشار إليه أحد قرارات معهد القانون الدولي، بشأن قانون العقود بين الدول والأشخاص الخاصة الأجنبية ، من أنه يجوز للطرفين أن يختارا القانون للعقد أما القانون الداخلي أو عدة قوانين داخلية أو المبادئ المشتركة في هذه القوانين أو المبادئ العامة للقانون أو المبادئ المنطبقة في العلاقات الإقتصادية الدولية أو القانون الدولي أو مزيج من هذه المصادر لكن مما يجدر ملاحظته في هذا النص أنه لا يخول المحكم حرية الرجوع إلى المصادر المذكورة حيث يجعل إختيارها وقفاً على إرادة الطرفين.
هذا، ولئن كان الأصل في الاتفاقيات والأنظمة الدولية المذكورة أن يكون التحكيم بالقضاء وأن يتقيد المحكم -الدولي بالتالي - بالقانون وبقواعد الإسناد التي تتضمنها هذه الاتفاقية والأنظمة إلا أن نصوص بعضها قد أجازت التحكيم بالصلح وإطلاق يد المحكم في اختيار القانون الذي يطبق على موضوع النزاع شريطة اتفاق الطرفين على ذلك.
وهو نص مطابق تماماً لنص الماد ٣/٤٢ من نظام تحكيم مركز تسوية منازعات الاستثمار المقرر باتفاقية نيويورك لعام ١٩٦٦ وتفيد هذه النصوص في أن الأصل في التحكيم التجاري الدولي هو أن يكون المحكم الدولي مقيداً بالقانون الموضوعي وأنها لا تحرره من هذا القيد إلا باتفاق الطرفين على ذلك .