الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / الكتب / التحكيم الدولي والتحكيم الأجنبي في القانون الخاص الكويتي / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع

  • الاسم

    د. أحمد ضاعن السمدان
  • تاريخ النشر

    1999-01-01
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    37

التفاصيل طباعة نسخ

 

 كما رأينا فإن من المسلم به الآن في جميع التشريعات الوطنية والدولية وعند غالبية الفقه في القانون الدولي الخاص أن للإرادة المشتركة الأطراف العقود في التجارة الدولية الحق في اختيار القانون الذي يرونه مناسبا لحكم عقودهم. والقانون المختار في العقد هو الذي يحكم موضوع النزاع المعروض على التحكيم والذي يثار بمناسبة هذا العقد.

واختيار القانون هذا قد يتم عن طريق أحد نصوص العقد مثار النزاع أو بمقتضى مشارطة مستقلة للتحكيم. وكما سبق أن أشرنا فإن هذا القانون ربما لا يكون هو نفسه القانون الذي يتم اختياره لحكم مشارطة التحكيم أو حكم الإجراءات المتبعة أمام المحكم.

وحرية أطراف الخصومة في العقود الدولية لاختيار القانون الواجب التطبيق لا يحدها عند غالبية الفقه وفي التشريعات الوطنية المختلفة إلا ضرورة وجود صلة بين العقد والقانون المختار مع ترجيح الصلة غير مباشرة دون الصلة المباشرة.

ويصدق في هذه القاعدة ما قلناه سابقا عن طبيعة الإرادة التي قاده تكون صريحة بالإشارة إلى قانون وطن معين أو مجموعة قواعد جرى العرف التجاري الدولي على تبنيها، أو بتضمين العقد مباشرة بنوداً تحوي هذه النصوص، وقد تكون الإرادة ضمنية يستخلصها المحكم من مؤشرات معينة في عبارات العقد والظروف المحيطة به. وبالطبع فإن المحكم، على عكس القاضي، يكون أكثر حرية في استخلاص هذه المؤشرات التي تعد قرينة على اتجاه إرادة الأطراف لاختيار قانون معين لحكم موضوع النزاع فيما لو قدر لهم اختيار هذه القانون صراحة. ومن هذه المؤشرات مكان التحكيم ومحل إبرام العقد ومكان التنفيذ أو موطن المتعاقدين وما إلى ذلك وإليك فيما يلي بعض الأمثلة:

نرى أن حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على العقد الأصلي أي في موضوع النزاع، أرحب نطاقا من حريتهم في عقد التحكيم ذاته أو في إجراءات التحكيم، فهي تتناول العقد في شروطه الموضوعية وفي شروطه الشكلية وفي آثاره. فإرادة الأطراف يمكن أن تحدد القانون الواجب التطبيق الذي يحكم العقد في جميع أجزائه فيما عدا أهلية طرفيه. كما أن لهم الحرية في اختيار أكثر استخلاصه من النصوص في هذا الصدد. بل على العكس فإن جميع النصوص التشريعية موضوع دراستنا تدل على فتح الباب واسعا في هذا المجال. فالقانون المختار يحدد لنا القواعد الخاصة بالتراضي وصحته وفي تلاقي الإرادتين ومكان هذا التلاقي كما يحدد لنا الشروط الشكلية الواجب اتباعها، بالإضافة إلى بيان الآثار التي تترتب على العقد. والأطراف يمكنهم اختيار قانون معين لحكم شروط الانعقاد وقانون آخر الحكم الشروط الشكلية وثالث لحكم الآثار كما يمكنهم توحيد القانون الذي يطبق على هذه الأجزاء جميعا.

دور الحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق على التحكيم

يلعب التحكم (أو هيئة التحكيم) دورا مهما في اختيار القانون الواجب التطبيق. فبالإضافة إلى دورة في استظهار الإرادة الضمنية صرف عقد التحكيم فإن له دور مستقلاً أعطته إياه النصوص التشريعية الوطنية والدولية عند عدم وجود الإرادة في بعض مراحل التحكيم ولكن هذا النور يرتبط ارتباطاً طردياً مع دور الإرادة فيتسع عند اتساع إسناد اختيار القانون الواجب التطبيق لها ويضيق عندما بضيق هذا الاستناد.

الدور المستقل للمحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق:

يحصل في كثير من العقود الدولية المحالة على التحكيم أن يغفل الأطراف اختيار القانون الواجب التطبيق. وفي هذه الحالة الأخيرة وإن كان الاختيار ينسب ابتداء إلى رغبة الأطراف وإرادتهم إلا أنه في الحقيقة اختيار يتم. مطلق السلطة التقديرية للمحكم.

وفي هذا المبحث سنتطرق إلى دور المحكم المستقل، المعطى له اتفاقاً أو تشريعاً، لاختيار القانون الواجب التطبيق في مراحل التحكيم التي يظهر دوره فيها.

ولعل اتفاقية عمان تنفرد في هذا الصدد بإعطاء المحكم دورا أكبر بنصها في المادة (۲) على الفصل في النزاع في أحوال عدم وجود الإرادة " وفق أحكام القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع "، وفي هذا النص أعطت اتفاقية عمان بحال أرحب لحرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق ولكنها قيدته بمراعاة قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة حين قالت " على أن تراعي قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة ".

ودور المحكم هنا ينحصر فقط في الأحوال التي تغيب فيها الإرادة حين تكون الإرادة هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق دون الفروض الأخرى التي لا يكون بها للإرادة أي دور في اختيار القانون الواجب التطبيق كالأهلية.

ويتضح هذا الدور المستقل للمحكم في تحديد إجراءات سير التحكيم في المادة (۱۸۲) من قانون المرافعات الكويتي مثلا، حيث تنص أن " يصدر الحكم حكمه غير مقيد بإجراءات المرافعات عدا ما عليه في هذا الباب (باب التحكيم)، ومع ذلك يجوز للخصوم الاتفاق على إجراءات معينة يسير عليها المحكم ".

أما اتفاقية نيويورك فهي وإن أعطت الإرادة الحرية في تحديد قواعد الإجراءات أمام التحكيم ومنها تفويض المحكم (أو هيئة التحكيم) في اختيار القانون الواجب التطبيق وذلك بنص المادة الخامسة فقرة (1/د)، إلا أنها في غير هذه الأحوال قيدت المحكم بقانون الدولة التي يتم فيها التحكيم.

الدور المستقل للمحكم في اختيار قانون الموضوع:

كما هو بالنسبة للأطراف، يتسع الدور المستقل للمحكم أيضاً في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، ولكن هذا الدور يتأرجح تأرجحا عكسيا مع وجود الإرادة وعدمها. فكلما وضحت الإرادة في اختيار قانون ما قل دور المحكم، وكلما أغفل الأفراد الاختيار أو تلاشي اختيارهم، أتضح استقلال دور المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق.

ويتجه الفقه وقضاء التحكيم في غالبيته، كما تتجه الاتفاقيات الدولية، إلى إعطاء الحرية للمحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع عند انعدام الإرادة لا تقييده بقانون أو قوانين معينة كما تفعل التشريعات الوطنية في قواعد الإسناد مع القضاء.

فالقانون الكويتي مثلا يحد من سلطة قاضية بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على العقد عند عدم وجود الإرادة الحقيقية للأطراف، فهو يشير إلى تطبيق قانون الموطن المشترك للمتعاقدين، أو إذا لم يوجد موطن مشترك فقانون محل الإبرام (نص المادة 59). وهذا التحديد لا تلجأ له الاتفاقيات الدولية في التحكيم كما أن الأعراف التجارية الدولية في التحكيم التجاري الدولي ولوائح هيئات التحكيم الدولية في مجموعها لا تقره بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على أصل النزاع وتطلق للمحكم التقدير في اختيار هذا القانون.

فاتفاقية نيويورك مثلا لم تتطرق للقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع معتمدة في ذلك على ما هو متفق عليه في مجال التحكيم الدولي من إعطاء المحكم الحرية في اختيار هذا القانون ولا يقيده في ذلك سوى وجوب أن يكون القانون هو الأنسب والأكثر ارتباطا بالموضوع.

أما اتفاقية عمان فقد نصت صراحة على هذا الحكم في المادة ۲۱ منها والتي تقول: " تفصل الهيئة في النزاع وفقا للعقد المبرم بين الطرفين، وأحكام القانون الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا، أن وجد، وإلا فوفق أحكام القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع على أن تراعي قواعد الأعراف التجارية الدولية المستقرة ".

وقد أوردت بعض الاتفاقيات الدولية إشارة إلى هذا المصدر الذي يمكن أن يتجه له المحكم حين بحثه عن القانون الواجب التطبيق. فقد أشارت الاتفاقية العربية لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول الأخرى إلى هذا المصدر في مادتها الثانية والأربعين، كما أشارت له المادة 16 من اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول الضيفة للاستثمارات العربية، وكذلك المادة ۲۶ من بروتوكول الهيئة القضائية لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أو ابك). وهذا المصدر، أي المبادئ العامة للقانون، ليس مصدرا مستقلا محدد المعالم كما هي القوانين الوطنية أو أعراف وعادات التجارة الدولية. ولكنه مصطلح يعبر عن استخلاص مقارن لمبادئ تشريعية تقارب أو يتطابق بعضها في مفاهيمها ومضامينها في تشريعات الدول المختلفة. ومن أمثلة المبادئ العامة للقانون مبدأ " العقد شريعة المتعاقدين "، ومبدأ "عدم التعسف في استعمال الحق" "وحسن النية في تنفيذ الالتزامات "، وما إلى ذلك من المبادئ القانونية العامة الشائعة.

ومؤدى السلطة التقديرية الممنوحة للمحكم في هذه الأحوال، يجرنا أيضاً إلى الإشارة بأنه يستطيع تجزئة العقد واختيار قانون معين أو مجموعة من القواعد للتطبيق على جزء منه، واختيار قانون آخر للتطبيق على جزء آخر، وذلك حين يرى أن هذا القانون هو أكثر ارتباطا بهذا الجزء، وقانون آخر أكثر ملاءمة لجزء آخر.