الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / الكتب / التحكيم في المعاملات المالية الداخلية والدولية / غياب قانون الإرادة والبحث عن القانون واجب التطبيق

  • الاسم

    د. أحمد عبدالكريم سلامة
  • تاريخ النشر

    2006-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    601
  • رقم الصفحة

    184

التفاصيل طباعة نسخ

أولا: الحلول المنصورة وفق منهج قاعدة التنازع:
- البحث عن الإرادة الضمنية: يكاد يهمل الأطراف، بنحو كامل، وعلى ما سلفت الإشارة، تضمين اتفاق التحكيم ذاته، أو في اتفاق لاحق، تحديدًا للقانون واجب التطبيق عليه، فلا يوجد تحديد لذلك القانون. غير أن هذا لا يعني انتهاء كل دور لهم. فدائمًا تكون هناك إرادة أو نية ضمنية للأطراف، وهي إرادة ونية حقيقية لا ينبغي إهمالها، تنبئ عن ميل واضح، وإن كان كامنًا، إلى نظام قانوني معين يمكن أن يحكم اتفاق التحكيم.
وفي النظرية العامة لتنازع القوانين في العقود الدولية، تجمع التشريعات المقارنة على ضرورة تحرى تلك النية أو الإرادة. فالمادة ۱/ ۱۹ من القانون المدني المصري، والتي تتضمن قاعدة التنازع الخاصة بحل تنازع القوانين في العقود الدولية. 
فهل تطبق مبادئ تلك النظرية العامة على مشكلة القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، عند تخلف الاختيار الصريح لذلك القانون من جانب الأطراف؟

 

يمكن الرد على هذا السؤال بالإيجاب. ذلك أنه عند غياب الإرادة الصريحة حول القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، يجب البحث عن الإرادة الضمنية لأطراف ذلك الاتفاق، فهي إرادة موجودة ومعتبرة، ومن اليسير الوصول إليها بدراسة ظروف ومعطيات إبرام اتفاق التحكيم، أو بالأقل، يجب البحث عن القانون واجب التطبيق من واقع التركيز الموضوعي لذلك الاتفاق في دولة معنية، ويكون قانونها هو المختص بحسبانه قانون الإرادة الضمنية.

وفي البحث عن تلك الإرادة الضمنية تتنوع الاتجاهات التشريعية والقضائية، على ما نرى في البنود التالية:
- اختصاص القانون الذي يحكم العلاقة الأصلية: يبرم اتفاق التحكيم من أجل تسوية النزاع الناشئ عن عقد أو علاقة قانونية معينة، أو الذي قد ينشأ مستقبلًا عن هذا العقد أو تلك العلاقة. فبين اتفاق التحكيم والعلاقة القانونية رابطة موضوعية.

 

فهي رابطة موضوعية، بحسبان أن موضوع اتفاق التحكيم هو تهيئة وسيلة قضائية ملاءمة لفض ما يثور من نزاع بشأن موضوع العلاقة الأصلية. وهي رابطة وظيفية، بحسبان أن اتفاق التحكيم هو مجرد اتفاق أداة acte instrumental أو اتفاق خادم convention de service للعقد أو للعلاقة الأصلية، بإبعاد ما ينشأ عنهما من منازعات عن قضاء الدولة، وجعله لقضاء التحكيم. وهي أخيرًا رابطة عضوية، لأن الاتفاق التحكيم يندرج، حينما يأخذ صورة شرط أو بند التحكيم، في صلب العقد الأصلي وبنائه الصباغي. 
 

وحتى إن اتخذ صورة المشارطة، فهو يدون في محرر أو مستند يلحق بملف العلاقة الأصلية أو العقد، أو يشير إلى أنه أبرم بخصوصه.
وبتلك المثابة، وفضلًا عن أن الواقع يدل على أنه حينما يتفق الأطراف على قانون معين ليحكم عملية التحكيم فهو يحكم كل جوانب تلك العملية من بدايتها وحتى نهايتها.
- اختصاص قانون دولة مقر التحكيم: الثابت أن التحكيم، كنظام قضائی اتفاقی، ليس حارسًا على نظام وطني معين. غير أنه مع يجب أن يرتكن إلى نظام قانونی وطني محدد، يدعمه أثناء إجراءاته، وبعد صدور قراراته. والبادي أن دولة مقر التحكيم، أي الدولة التي تجرى على إقليمها عملية التحكيم، هي المؤهلة لتقديم ذلك الدعم، بحيث يطبق قانونها، عند تخلف الاختيار الصريح من جانب الأطراف للقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم، لا سيما إذا كان هؤلاء الأطراف قد حددوا الدولة التي سيجرى على أرضها التحكيم، حيث يفترض اتجاه إرادتهم الضمنية إلى تطبيق قانون تلك الدولة.
كما يصدق كذلك على نص المادة ١/٢٦ من القانون النمطي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985.  

 

أما قانون التحكيم السويدي لعام ۱۹۹۹ فقد كان أكثر صراحة، حيث نصت المادة 48 منه على أنه "... وإذا لم يتفق الأطراف على القانون المختص، يكون واجب التطبيق، وإعمالًا للاتفاق المبرم بين الأطراف، قانون الدولة التي تمت فيها، أو يجب أن تتم فيها إجراءات التحكيم.
ورغم هذا التأكيد، إلا أنه قد بدت في الأفق محاولة للخروج على تلك التعاليم الراسخة، ونزع اتفاق التحكيم من أحضان النظم القانونية الوطنية، وضمه إلى عالم قانونی آخر متميز بقواعده وبالمخاطبين بها، وهو القانون الموضوعي للتجارة الدولية، على ما نرى الآن.
ثانيًا: الحلول المنصورة وفق منهج القواعد الموضوعية:
- ماهية منهج القواعد الموضوعية: إن التجارة الدولية وسبل تسوية منازعاتها، لا سيما التحكيم، لا تجد المناخ الملائم لها إلا إذا تم تحريرها من قيود وأغلال القوانين الوطنية.
صلاحية الذاتية لاتفاق التحكيم بعيدًا عن القوانين الوطنية:
قانون العقد على كافة شروطه، ومنها شرط التحكيم، قد بدأت في التراجع، في ظل الاتجاه نحو اعتبار التحكيم ذو حساسية مفرطة ضد استخدام النظام التقليدي لحل تنازع القوانين، وأنه يعد الأداة لنزع le détachement عقود التجارة الدولية من سلطان القوانين الوطنية.
وبالفعل بدأ التحكيم في تنفيذ ما ارتسمت لنفسه، في تقليص نطاق قانون العقد، فكان قضاءه باستقلال شرط التحكيم وتخليصه من هذا الأخير، بحجة إخضاعه لقانون ذاتي Droit propre قوامه القواعد والأعراف التي نشأت تلقائيا، في ميدان التجارة الدولية. ومع هذا القانون المادي أو الموضوعي، يصير ذلك الشرط طليقًا، في مستقبل ليس ببعيد.
وغير خاف أن هذا الحكم الأخير كان صريحًا في تحرير شرط التحكيم من سلطان القوانين الوضعية، خصوصًا من سلطان قانون العقد، الذي يفقد بذلك أرضًا جديدًا.
ولم يقتصر الأمر على القضاء الوطني والتحكيمي في تبني مبدأ الصحة الذاتية لاتفاق التحكيم استقلالًا عن أي قانون وطني، بل امتد إلى لوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة.
- الوضع في القانون المصري: خلت نصوص قانون التحكيم المصري لعام ١٩٩٤ من أي نص حول القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، مما يتعين معه الاجتهاد، والرجوع إلى القواعد العامة لفض تنازع القوانين في العقود الدولية عمومًا.
وكما أوضحنا فيما قبل، فإنه إذا تنبه الأطراف إلى مشكلة القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، واختاروه بإرادتهم الصريحة، وجب احترام ذلك القانون، وتعين تطبيقه، أيا كانت نتيجة ذلك التطبيق.
غير أن السؤال يظل قائمًا حول الحل الواجب الاتباع عند انعدام كل اختيار من ناحية الأطراف، هل يؤخذ بالحلول المتعارف عليها في القانون المقارن، والتي عرضناها فيما سبق؟
البادي من قراءة أحكام القضاء المصري، أنه يميل إلى تطبيق قانون الدولة التي يجرى فيها التحكيم، سواء جرى التحكيم فعلًا في تلك الدولة، أم لم يجر بعد، ولكن كان واضحًا من بنود اتفاق التحكيم أن مقر التحكيم في هذه الدولة أو تلك، حيث يجب تطبيق قانون ذلك البلد.
(111).