اجراءات خصومة التحكيم / القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع / الكتب / التحكيم التجاري والدولي / تحديد القانون الذى تطبقه هيئة التحكيم على موضوع النزاع
تحديد القانون الذى تطبقه هيئة التحكيم على موضوع النزاع
يتضح من نص المادة (۳۹) أن الهيئة تلتزم عند الفصل في موضوع النزاع بالنزول على ارادة الأطراف واعمال القواعد التي ارتضوا اخضاع علاقتهم لها واذا أهمل الأطراف، ذلك ، تولت الهيئة نفسها تحديد القواعد القانونية واجبة التطبيق على الموضو. كما يمكن أن يحررها الأطراف كلية من التقيد بأي نصوص أو أنظمة قانونية ، واطلاق حريتها في الفصل في موضوع النزاع وفقا تراه محققا للعدالة والانصاف .
تطبيق قانون ارادة الأطراف :
ويظهر من صياغة النص المصرى ، أن المشرع يفرق عنــد تحديد ما تطيقه الهيئة على موضوع النزاع بين « القواعد التي يتفق عليها الطرفان » من جهة ، وبين اتفاقهما على تطبيق قانون دولة معينة من جهة أخرى » .
وقد نتجه ارادة الأطراف الى اختيار « قانون دولة معينة » ليكون الفصل في النزاع وفقا لما تضمنه هذا القانون من نصوص . واطلاق النص يسمح باختيار أى قانون ، سواء كان القانون المصرى أو سواه ، وهو اطلاق يتسق وحالات التحكيم الدولي الذي كان القانون مقتصرا على تنظيمه في بداية اعداده . ويصعب تصور تطبيق قانون أجنبي على علاقة وطنية يدور النزاع فيها في اطار علاقة محلية بحته ولكن النص يسمح بامكان ذلك من الناحية النظرية على الأقل .
وقد أخذ المشرع الفرنسى هذا الاتجاه المتسم باحترام مبدأ سلطان الارادة في نصوصه المنظمة للتحكيم التجارى الدولى ، أما في التحكيم الداخلى ، فنصت المادة ١٤٧٤ على أن المحكم يفصل في النزاع وفقا لقواعد القانون ( الا اذا فوضه الأطراف والحكم وفقا لقواعد العدالة .
واذا كانت صياغة النص تطلق الحرية للأطراف في اختيار القانون الذى يحكم موضوع العلاقة بينهما وما ثار بشأنها من منازعات ، فان هذه الحرية تحدها ضرورة مراعاة القواعد والقوانين الآمرة ، التي يحتم المشرع المصرى تطبيقها مراعاة لاعتبارات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو لحماية النظام العام والآداب العامة . ويحسن في هذا المقام التفرقة بين قابلية الموضوع للتحكيم ، وقابليته للخضوع لأحكام قانونية مغايرة لأحكام القانون المصرى .
تنص المادة ٣٩ في فقرتها الثانية على أنه اذا « لـ يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع » . بينما اتخذ واضعو القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى موقفا مختلفا فبعد أن تركت الفقرة الأولى تحديد القانون لارادة الأطراف نصت الفقرة الثانية من المادة ٢٨ على أنه « عند عدم مثل هذا التحديد بوا الأطراف ، تطبق محكمة التحكيم القانون المحدد بواسطة قاعدة تنازع القوانين التي تقدر قابليتها للتطبيق على موضوع النزاع » .
وأمام مرونة النص المصرى ، قد يجد المحكم أن القانون الأكثر اتصالا بالنزاع ، هو قانون مكان ابرام العقد أو مكان تنفيذه أو قانون بلد المصدر أو المستورد أو قانون البلد التي يجرى فيها التحكيم أو التي يوجـــ فيها فرع الشركة المرتبطة بالعقد المتضمن الشرط التحكيم الخ .
الا اذا ثبت وجود غش نحو القانون ورغبة فى الالتفاف حول القواعد الآمرة المقصود بها حماية المصلحة العامة فى الدول التى كان ينبغي تطبيق قانونها وفقا للمجرى العادى الذى تقتضيه ظروف وملابسات النزاع ويختلف الأمر بالنسبة لتصدى هيئة التحكيم ، فهي تلتزم وفقا لنص القانون المصرى ، باختيار القانون الأكثر اتصالا بالنزاع ، واذا كان الأمر يخضع لتقديرها ، الا أنه يمكن اثبات انحرافها في هذا الاختيار ، كما لو اختارت قانونا لا تربطه بالنزاع أي صلة ، أو فضلت تطبيق قانون على آخر ، رغم أن القانون المفضول هو الأكثر اتصالا بالنزاع.
ورغم أن النص المصرى ، يلزم المحكم باختيار القواعد الموضوعية الأكثر اتصالا بموضوع النزاع ، فان المحكم قد يجد أن سبيله الى ذلك هو تطبيق القانون الذى تؤدى اليه قواعد التنازع في الدولة التي يجرى فيها التحكيم أو قانون الدولة التي كان سيطبق قاضيها قواعد التنازع السارية فيها اذا عرض عليه النزاع وهو أي المحكم اذ يلجأ الى هذه الوسيلة ، لا يعلن بسوى ما انتهى اليه من نتائج ، فيعلن تطبيق القانون الذي أدت اليه هذه القواعد ، باعتباره القانون الذي رآه أكثر اتصالا بالموضوع .
وقد يرى المحكم في اختيار الأطراف للقانون المطبق على الاجراءات مؤشرا يدعم اختياره لقانون البلد التي سرى قانونها على الاجراءات : ليسرى أيضا على الموضوع . ولكن يظل دائما نصب عين المحكم بلد التنفيذ وقانونها ،اذ سيظل حكمه معرضا لعدم التنفيذ خاصة اذا تعلق الأمر بتحكيم دولى يخضع لاتفاقية نيويورك . فالواقع أن الأمر في التحكيم الداخلي حيث المنازعة ذات طابع محلى وبين أطراف مصريين أو حتى وجود طرف أجنبى دون أن يتعلق بمصالح التجارة الدولية ، لا يثير ترددا في اعمال القانون المصرى وتظل الحرية المطلقة للأطراف ثوبا فضفاضا ما كان ينبغي أصلا اسداله على حالات التحكيم الداخلي . ولذلك نجد المشرع الفرنسى فى تنظيمه للتحكيم الداخلي لا يعالج سوى تقيد المحكم بالقانون أو الحكم بوصفه مفوضا بالصلح ، ولم يرد نص يطلق حرية الأطراف فى اختيار القانون المطبق الموضوع وهو ما فعله عندما عالج التحكيم الدولى .
ويظل قائما ما انتهينا اليه بصدد حرية الأطراف ، فالمحكمون حتى لو تعلق الأمر بتحكيم دولي ، لم يتفق فيه الأطراف على تحديد القانون المطبق على الموضوع ، يتعين على المحسنين عند اختيارهم للقانون مراعاة تطبيق القانون المصرى فى المسائل التي أجاز فيها المشرع التحكيم وحظر اعمال تشريعات أجنبية وذلك على التفصيل السابق بيانه وحتى لو كان التحكيم سيتم فى الخارج فان هذا لا يعنى امكانية التحرر من القوانين الآمره المصرية والا سيكون الحكم غير قابل للتنفيذ في مصر.