اجراءات خصومة التحكيم / انهاء اجراءات التحكيم بأمر من رئيس المحكمة المختصة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 30 / مدى جواز إنهاء إجراءات التحكيم عند تجاوز المدة في القانون السوداني
عرف المجتمع السوداني فكرة التحكيم منذ وقت بعيد، فقد كان التحكيم والصلح هي الأساليب الشائعة في الأعراف المحلية في كل المنازعات التي تنشب بين الأفراد فيما بينهم أو بين القبائل، وقد تجلى ذلك بشكل واضح فيما يعرف بالأجاويد والرواكيب في المجتمعات الرعوية والزراعية في الريف والحضر الى جانب مؤتمرات الصلح القبلية التي غالبا ما تتبناها السلطات العامة فـى الدولة.
التحكيم في التشريعات الحديثة:
كانت الشريع الإسلامية والأعراف المحلية هي المطبقة في السوجان قبل الإحتلال التركي، الى حين احتلال محمد علي الكبير للسودان في عام 1821م، وتبع ذلـك إدخـال تنظـيم اداري وقضائي للأقاليم السودانية، وكانت مجلة الأحكام العدلية ومن ضمنها الى جانب الأساليب العرفية السائدة هي المطبقة وهي وسيلة فض المنازعات.
وعقب الإحتلال الإنكليزي للسودان في عام 1898، تم سن القوانين ونظم القـضاء علـى الطريقة الإنكليزية مع اقتباس بعض القواعد من القوانين في المستعمرات الإنكليزية كالهند ويلان وبورما ونيجيريا وبتسوانا وكينيا ومصر، وفي ظل هذا النظام (نظام الإحتلال) صدر أول قانون للإجراءات المدنية لسنة 1900م، بعنوان القضاء المدني The Civil Justice Ordinance .
ثم حل قانون القضاء المدني لسنة 1929م، محل القانون السابق، وقد تضمن القسم الثـانـي مـن القانون الأخير موضوع التحكيم تحت عنوان إجراءات خاصة بشكل مقتضب فلم يتعرض للتفاصــيل المتعلقة بجوهر اتفاق التحكيم من حيث شروط انعقاده وصحته.. الخ، كما ولم يتطرق للتحكيم الدولي، رغم اهتمام القانون الإنكليزي في اعقاب برنلون جنيف 1923 بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
بيد أنه ومنذ عام 1970 حدث تحول في النظام القانوني في السودان تجلى في التحول مـن النظام الأنجلو سكسوني الى نظام ذا جذور ترجع الى القانون القاري، وقد شـمـل ذلـك قـانون القضاء المدني، وسن قانون الإجراءات المدنية الذي اقتبست مواده من قانون المرافعات المدنيـة والتجارية المصري لسنة 1968م، ونفذت منه قواعد التحكيم والتوفيق والصلح، ولكن سرعان ما الغي واعيد العمل بقانون القضاء المدني لسنة 1929م، الى أن صدر قانون الإجراءات المدنيـة لسنة 1974م والذي تضمن بدوره أحكاماً خاصة بالتحكيم في ثماني عشرة مادة كانـت مطابقـة لمواد القانون القديم من حيث الشكل والمضمون.
ثم صدر في عام 1983 قانون الإجراءات المدنية وقد تضمن بدوره الأحكام الخاصة بحـل المنازعات عن طريق التحكيم في غايته عشر مواد، تطابق القواعد السابقة عليها، مع إضافة نظام التوثيق.
ومع بداية عام 2003م بدأ التفكير في وضع قانون خاص بالتحكيم فوضع مـشـروع قـانون التحكيم لسنة 2003م تضمن عدد 41 مادة ولكن لم يكتب له النجاح الى ان صدر قانون التحكـيم 2005 الحالي الساري والذي اعتمد في معظم احكامه على أحكام القانون النموذجي الصادر مـن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري، وقانون التحكيم الأردني والمصري لسنة 1974م.
مدى جواز إنهاء إجراءات التحكيم عند تجاوز المدة:
تهدف التشريعات من تحديد مواعيد لاتخاذ اي اجراء في الدعوى الى الحيلولة دون استغلال الخصوم للإجراءات واطالة أمد النزاع بما يضير بحصول الخصم على ما يدعيـه، والـى حـث و المحاكم في أحيان أخرى الى الإسراع في إصدار الأحكام، ويتضح ذلك بشكل واضح من المدد التي تحددها القوانين لتقديم الطعون، والمدد التي تقررها بعض التشريعات للمحاكم لإصدار حكمها.
واذا كان ذلك صحيحاً في الإجراءات القضائية التي تباشر امام محاكم الدول، فـإن تحديـد المدة في مجال التحكيم يبدو أكثر أهمية، طالما كان من أسباب لجوء الأطراف الى التحكيم هـو تفادي التعقيدات الإجرائية التي تعرقل سير الدعوى أمام المحاكم، وما يترتب عليها مـن تـأخير الفصل في المنازعات، وعلى ذلك كان قانون سنة 1983 (الملغى) ينص صراحة علـى إلغـاء التحكيم في حالة تجاوز المدة المحددة.
فقد كانت المادة 144 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م تقضي بأن:
(1- على المحكمين اصدار قرارهم في الميعاد المحدد في قرار الإحالة ويجوز للمحكمة ان تمد ذلك الميعاد لمدة أو لمدد أخرى كلما رأت مسوغاً لذلك.
2- اذا لم يصدر قرار المحكمين في الميعاد المحدد دون عذر تقبله المحكمة كان لهـا ان تأمر بإلغاء التحكيم وتمضي في نظر الدعوى.)
أما قانون التحكيم لسنة 2005م الحالي فقد سكت عن بيان الحكم في حالة تجاوز مدة التحكـيم، واكتفى بالنص في المادة 21 على وجوب صدور قرار التحكيم خلال المدة المتفق عليها بين اطـراف النزاع وفي حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق يجب أن يصدر القرار خلال ستة أشهر من تاريخ بـدء اجراءات التحكيم وفي حالة عدم صدور القرار خلال الميعاد المشار اليه جاز للطرفين الإتفاق علـى تمديد المدة وعند اختلافهم تتحول صلاحية التمديد للمحكمة المختصة بنظر النزاع ويكون هذا التمديـد نهائياً يجوز بعده لأي من الأطراف رفع دعوى بشأن النزاع امام المحكمة المختصة.
وقد انتقد البعض خطة الشارع السوداني ومسلكه بوضع الأمر بيد القضاء في التقرير فـي شأن تمديد المدة، ويرى بأنه كان من المحبذ أن يحرص المشرع على نهجه الـذي تبـدي فـي مختلف احكام القانون الرامي الى إفساح المجال لإرادة أطراف التحكيم فـي تنظـيم اجراءاتـه بإرادتهم ومشيئتهم مع قصر تدخل محاكم القضاء في أضيق الحدود وفي الحالات التي تقتـضي التدخل للضرورة مثلما جاء في معالجة المسألة في القانون النموذجي والذي ترك مسألة اصـدار القرار في المدة المحددة وتمديدها لهيئة التحكيم وبالرجوع الى أطراف التحكيم، وبالفعل قـضت في السودان بعض لوائح التحكيم المهنية بترك الأمر برمته لهيئة التحكيم دون تدخل المحكمـة، فنصت المادة 26 من لائحة التحكيم والتوفيق للنزاعات الهندسية على أن:
1- يصدر قرار التحكيم خلال شهرين من تاريخ استلام الهيئة لملف النزاع مـا لـم يتفـق الأطراف على مهلة أطول.
2- يجوز للهيئة أن تمدد المهلة لمدة واحدة مماثلة، كما يجوز التمديد بعد ذلك بموافقـة أو بقرار من اللجنة.
ومن حيث التطبيق لم يثر أي نزاع أمام المحاكم حول اجراءات التحكيم بعد انتهاء المدة، ولا اعتقد ان تجاوز المدة يمكن ان يكون في كل الأحوال سبباً لإنهاء اجراءات التحكيم في السودان، وذلك للسلطات الواسعة التي تتمتع بها المحاكم السودانية بموجب النصوص القانونيـة، لمعالجـة كثير من الأمور التي تعترض تحقيق القانون وذلك بممارسة سلطاتها الطبيعيـة باتخـاذ القـرار العادل والمناسب، بما في ذلك تمديد ميعاد اي اجراء.
فقد نصت المادة 2/70 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 على أنه:
يجوز للمحكمة عند الضرورة في أي مرحلة من مراحل التقاضي وبالشروط التـي تراهـا مناسبة فيما يتعلق بالمصروفات ان تأمر بالآتي:
أ . ...
ب. مد الميعاد المعين للقيام بأي اجراء سواء أكان ذلك قبل أو بعد انقضاء الأجـل المحـدد بموجب أحكام هذا القانون أو بأمر المحكمة.
وتقضي المادة 303/ب من نفس القانون بأن:
(لا يعتبر ما جاء في هذا القانون ماساً أو مقيداً لسلطات المحكمة الطبيعيـة فـي إصـدار الأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة او منع سوء استغلال اجراءات المحكمة).
مما يعني ان من سلطات المحكمة المختصة بنظر النزاع عـدم الإستجابة لطلـب نظـر الدعوى، اذا لم يصدر قرار هيئة التحكيم في الميعاد المحدد، حتى ولو تقدم أي من طرفي النزاع بنظر الدعوى أمام المحكمة لانتهاء المدة النهائية التي تم تحديدها بواسطة المحكمة بموجب المادة 21 من القانون السابق بيانها، اذا اقتنعت بأسباب عدم اصدار القرار في الميعاد المحـدد، كمـا وتستطيع المحكمة أن تقرر في شأن القرار التحكيمي الصادر بعد المدة المحددة، وأحسب ان هذا الحل هو الذي يتناسب وخصوصية التحكيم، لتحقيقه للنتائج التي أدت الى اختياره كوسيلة بديلـة لحل النزاع.