اجراءات خصومة التحكيم / انهاء اجراءات التحكيم بأمر من رئيس المحكمة المختصة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / مدی جواز انهاء اجراءات التحكيم عند تجاوز المدة في القانون السوداني
عرف المجتمع السوداني فكرة التحكيم منذ وقت بعيد، فقد كان التحكيم والصلح هي الأساليب الشائعة في الإعراف المحلية في كل المنازعات التي تنشب بين الأفراد فيما بينهم أو بين القبائل، وقد تجلي ذلك بشكل واضح فيما يعرف بالأجاويد والرواكيب في المجتمعات الرعوية والزراعية في الريف والحضر الى جانب مؤتمرات الصلح القبلية التي غالباً ما تتبناها السلطات العامة فـي الدولة.
التحكيم في التشريعات الحديثة:
كانت الشريعة الإسلامية والاعراف المحلية هي المطبقة في السودان قبل الإحتلال التركي، الى حين احتلال محمد علي الكبير للسودان في عام 1821م، وتبع ذلـك ادخـال تنظـيم اداري وقضائي للأقاليم السودانية، وكانت مجلة الأحكام العدلية ومن ضمنها الى جانب الأساليب العرفية السائدة هي المطبقة وهي وسيلة فض المنازعات.
وعقب الإحتلال الإنجليزي للسودان في عام 1898، تم سن القوانين ونظم القـضاء علـى الطريقة الإنجليزية مع اقتباس بعد القواعد من القوانين في المستعمرات الإنجليزية كالهند ويـلان وبورما ونيجريا وبتسوانا وكينيا ومصر، وفي ظل هذا النظام (نظام الإحتلال) صدر اول قـانون للإجراءات المدنية لسنة 1900م، بعنوان القضاء المدنی The Civil Justice Ordinance.
ثم حل قانون القضاء المدني لسنة 1929م، محل القانون السابق، وقد تضمن القسم الثاني من القانون الأخير موضوع التحكيم تحت عنوان اجراءات خاصة بـشكل مقتـضـب فلـم يتعـرض للتفاصيل المتعلقة بجوهر اتفاق التحكيم من حيث شروط انعقاده وصحته.. الخ، كما ولم يتطـرق للتحكيم الدولي، رغم اهتمام القانون الإنجليزي في اعقاب برنلون جنيف 1923 بأحكام التحكـيم الأجنبية وتنفيذها.
بيد انه ومنذ عام 1970 حدث تحول في النظام القانوني في السودان تجلي في التحول مـن النظام الانجلو سكسوني الى نظام ذي جذور ترجع الى القانون القاري، وقد شمل ذلـك قـانون القضاء المدني، وسن قانون الإجراءات المدنية الذي اقتبس مولده من قانون المرافعـات المدنيـة والتجارية المصري لسنة 1968م، ونفذت منه قواعد التحكيم والتوفيق والصلح، ولكن سرعان ما الغي واعيد العمل بقانون القضاء المدنى لسنة 1929م، الى ان صدر قانون الإجراءات المدنيـة لسنة 1974م والذي تضمن بدوره احكاماً خاصة بالتحكيم في ثمان عشرة مادة كانـت مطابقـة لمواد القانون القديم من حيث الشكل والمضمون.
ثم صدر في عام 1983 قانون الإجراءات المدنية وقد تضمن بدوره الأحكام الخاصة بحـل المنازعات عن طريق التحكيم في غايته عشر مواد، تطابق القواعد السابقة عليها، مع اضافة نظام التوثيق.
ومع بداية عام 2003م بدأ التفكير في وضع قانون خاص بالتحكيم فوضع مـشـروع قــانون التحكيم لسنة 2003م تضمن عدد 41 مادة ولكن لم يكتب له النجاح الى ان صدر قانون التحكـيم 2005 الحالي الساري والذي اعتمد في معظم احكامه على احكام القانون النموذجي الصادر مـن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري، وقانون التحكيم الأردني والمصري لسنة 1974م.
مدى جواز انهاء اجراءات التحكيم عند تجاوز المدة:
تهدف التشريعات من تحديد مواعيد لإتخاذ اي اجراء في الدعوى الى الحيلولة دون استغلال الخصوم للإجراءات واطالة أمد النزاع بما يضير بحصول الخصم على ما يدعيه، والـى حـث المحاكم في احيان اخرى الى الإسراع في اصدار الأحكام، ويتضح ذلك بشكل واضح من المـدد التي تحددها القوانين لتقديم الطعون، والمدد التي تقررها بعض التشريعات للمحـاكم لإصـدار حكمها.
واذا كان ذلك صحيحاً في الإجراءات القضائية التي تباشر امام محاكم الدول، فـإن تحديـد المدة في مجال التحكيم يبدو اكثر اهمية، طالما كان من اسباب لجوء الأطراف الى التحكيم هـو تفادي التعقيدات الإجرائية التي تعرقل سير الدعوى امام المحاكم، وما يترتب عليها مـن تـأخير الفصل في المنازعات، وعلى ذلك كان قانون سنة 1983 (الملغي) ينص صراحة علـى الغـاء التحكيم في حالة تجاوز المدة المحددة.
فقد كانت المادة 144 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م تقضى بأن:
1- على المحكمين اصدار قرارهم في الميعاد المحدد في قرار الإحالة ويجوز للمحكمة ان تمـد ذلك الميعاد لمدة او لمدد اخرى كلما رأت مسوغاً لذلك.
2- اذا لم يصدر قرار المحكمين في الميعاد المحدد دون عذر تقبله المحكمة كان لها ان تـأمر بإلغاء التحكيم وتمضي في نظر الدعوى.
اما قانون التحكيم لسنة 2005م الحالي فقد سكت عن بيان الحكم فـي حالـة تجـاوز مـدة التحكيم، واكتفى بالنص في المادة 21 على وجوب صدور قرار التحكيم خلال المدة المتفق عليها بین اطراف النزاع وفي حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق يجب ان يصدر القرار خلال ستة اشهر من تاريخ اجراءات التحكيم وفي حالة عدم صدور القرار خلال الميعاد المشار اليه جاز للطرفين الإتفاق على تمديد المدة وعند اختلافهم تتحول صلاحية التمديد للمحكمة المختصة بنظر النـزاع ويكون هذا التمديد نهائياً يجوز بعده لأي من الأطراف رفع دعوى بشأن النزاع امـام المحكمـة المختصة.
وقد انتقد البعض خطة الشارع السوداني ومسلكه بوضع الأمر بيد القضاء في التقريـر في شأن تمديد المدة، ويرى بأنه كان من المحبذ ان يحرص المشرع على نهجه الذي تبـدي في مختلف احكام القانون الرامي الى افساح المجال لإرادة اطـراف التحكـيم فـي تنظـيم اجراءاته بإراداتهم ومشيئتهم مع قصر تدخل محاكم القضاء في اضيق الحدود وفي الحالات التي تقتضي التدخل للضرورة مثلما جاء في معالجة المسألة في القانون النمـوذجي والـذي ترك مسألة اصدار القرار في المدة المحددة وتمديدها لهيئة التحكيم وبالرجوع الى اطـراف التحكيم، وبالفعل قضت في السودان بعض لوائح التحكيم المهنية قد بترت الأمر برمته لهيئة التحكيم دون تدخل المحكمة، فنصت المادة 26 من لائحة التحكيم والتوفيق للنزاعات الهندسية على ان:
1- يصدر قرار التحكيم خلال شهرين من تاريخ استلام الهيئة لملف النزاع ما لم يتفق الأطراف على مهلة اطول.
2- يجوز للهيئة ان تمدد المهلة لمدة واحدة مماثلة، كما يجوز التمديد بعد ذلك بموافقة او بقرار من اللجنة.
ومن حيث التطبيق لم يثر اي نزاع امام المحاكم حول اجراءات التحكيم بعد انتهاء المدة، ولا اعتقد ان تجاوز المدة يمكن ان يكون في كل الأحوال سبباً لإنهاء اجراءات التحكيم في السودان، وذلك للسلطات الواسعة التي تتمتع بها المحاكم السودانية بموجب النصوص القانونيـة، لمعالجـة كثير من الأمور التي تعترض تحقيق القانون وذلك بممارسة سلطاتها الطبيعيـة بإتخـاذ القـرار العادل والمناسب، بما في ذلك تمديد ميعاد اي اجراء.
فقد نصت المادة 70/2 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م على انه:
يجوز للمحكمة عند الضرورة في اي مرحلة من مراحل التقاضي وبالشروط التي تراها مناسبة فيما يتعلق بالمصروفات ان تأمر بالآتي:
أ- ....
ب- مد الميعاد للقيام بأي اجراء سواء أكان ذلك قبل او بعد انقضاء الأجل المحدد بموجـب احكام هذا القانون او بأمر المحكمة).
وتقضي المادة 303/ب من نفس القانون بأن:
(لا يعتبر ما جاء في هذا القانون ماساً او مقيداً لسلطات المحكمة الطبيعيـة فـي اصـدارالأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة او منع سوء استغلال اجراءات المحكمة).
وقد طبقت المحكمة القومية العليا هذا المبدأ في حكم حديث، فقررت تمديد ميعاد الطعن رغم تفويت الطاعنة مدة الطعن في دعوى بطلان اجراءات التحكيم، ففي مراجعة حكومة الـسودان ضد وزارة التجارة الخارجية ضد الشيخ سالم محفوظ (شركة البركة السعودية)، قررت المحكمة بأن (هذا الطعن لم ينل نصيبه وحظه من النقاش الموضوعي وكان مآله الشطب شكلاً فـي كـل مراحل التقاضي التي مر بها وذلك على الرغم من ان المال عام وقارب الأربعين مليون دولار، وان كان هناك ثمة تراخ وتقاعس وتقصير فيسأل عنه مكتب المستشار القانوني بالوزارة المعينة غير ان ذلك لا يمنعنا من التدخل ان كان ثمة ما يقتضي التدخل.
(ومضت في القول) وحيث انه وكما هو معلوم قانوناً فليس هناك من خلاف حول واقعة ان الشطب شكلاً استناداً الى المادة 178 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م، من النظام العام غير ان الذي استقر عليه العمل في محاكمنا هو ان ذلك الإجراء لا يتم بشكل آلي وتلقائي وانمـا محكوم بضوابط وهي الا يطغى الشكل على الجوهر او الموضوع، ولذلك اعطى المشرع المحاكم وعلى كافة درجاتها سلطات تقديرية لمد المواعيد عندما تكون الأسباب كافيـة، وعادلـة وذلـك استناداً للمواد 70/302/2 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م، وقطعا فإن ذلك لن يتم وان يكتب له ان يتحقق الا بإتاحة الفرصة لمقدم الطلب للإفصاح عن الأسباب التي تبرر مد مواعيـد الطعن ثم ان ذلك الإجراء يمكن ان تقوم به المحكمة من تلقاء نفسها متـى مـا رأت ان هنــاك ضرورة للمدة.
وقضت في حكم آخر بأن المادة 70 من قانون الإجراءات المدنيـة قـد خولـت المحكمـة صلاحيات واسعة لمد الميعاد لأسباب تراها كافية وبأنه ليس في نص المادة ما يدل على وجـوب تقديم طلب بأسباب المد وانما ترك الأمر لتقدير المحكمة.. وللمحكمة سلطات طبيعية في اصـدار الأوامر التي تراها ضرورية لتحقيق العدالة وذلك بموجـب احكـام المـادة 303 مـن قـانون الإجراءات المدنية .
مما يعني ان من سلطات المحكمة المختصة بنظر النزاع عـدم الإستجابة لطلـب نظـر الدعوى، اذا لم يصدر قرار هيئة التحكيم في الميعاد المحدد، حتى ولو تقدم اي من طرفي النزاع بطلب لنظر الدعوى امام المحكمة لإنتهاء المدة النهائية التي تم تحديدها بواسطة المحكمة بموجب المادة 21 من القانون، اذا اقتنعت بأسباب عدم اصدار القرار في الميعاد المحدد، كما وتـستطيع المحكمة ان تقرر في شأن القرار التحكيمي الصادر بعد المدة المحددة، واحسب ان هذا الحل هو الذي يتناسب وخصوصية التحكيم، لتحقيقه للنتائج التي ادت الى اختياره كوسـيلة بديلـة لـحـل النزاع.