إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخر عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالته:
وهذه الحالة من صلاحيات هيئة التحكيم التي تستند إلى سلطتها التقديرية، بالنظر إلى ظروف النزاع، وإلى ظروف الدعوى و طريقة ممارسة الأطراف لإجراءات التحكيم أمام هيئة التحكيم.
ومثال ذلك: عدم تعاون الأطراف ووضع العراقيل أمام الهيئة لعدم مباشرة مأموريتها، أو إثارة الدفوع القانونية الكيدية تباعاً، الأمر الذي لا يمكن الهيئة من إصدار حكمها.
إذا لم يقدم المدعي بيان الدعوى:
نص النظام على جواز صدور أمر من هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم وفقاً لحكم الفقرة (1) من المادة الرابعة والثلاثين، التي تنص على حق هيئة التحكيم في إنهاء إجراءات التحكيم إذا لم يقدم المدعي - دون عذر مقبول - بياناً مكتوباً بدعواه.
والحكمة من ذلك أن المحتكم هو صاحب الدعوى و محرکها؛ ولذلك ينبغي أن يتسم سلوكه بالجدية، فإذا تراخي عن تقديم بيان دعواه، فهذا دليل على عدم رغبته في استكمال طريق التحكيم، فتقدر هيئة التحكيم ضمن سلطتها التقديرية ما إذا كان لديه عذر مقبول في منعه من تقديم بيان دعواه، أم ليس له عذر مقبول، فتقرر إنهاء الإجراءات.
أثر إنهاء إجراءات التحكيم:
قررت المادة الواحدة والأربعون (فقرة 3) أنه: "... تنتهي مهمة هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم".
فيها معنى ذلك؟
إذا قررت هيئة التحكيم إنهاء إجراءات التحكيم، فهذا يعني زوال سند ولايتها، وتنتهي بذلك مهمة هيئة التحكيم، ويرجع الأطراف إلى الحال التي كانوا عليها قبل بدء إجراءات التحكيم، فلم يعد يمكن للهيئة - كأصل عام - اتخاذ أي إجراء أو إصدار أي قرار، وإلا كان منعدما؛ لأنه لم يعد لها ولاية على التحكيم .
كما أن إنهاء الدعوى لا يؤدي إلى سقوط الحق الموضوعي؛ لأنه لم يفصل فيه، ولا سقوط الحق في الدعوى، فيمكن إقامة الدعوى من جديد أمام التحكيم.
ونأمل أن تنص اللائحة التنفيذية المزمع إصدارها صراحة على عدم سقوط اتفاق التحكيم في حال صدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم.
وهنا استدراك خطير للغاية يستلزم تعديلاً في النظام؛ حيث إن الفقرة (3) السابق ذكرها أوجبت مراعاة المواد (49، 50، 51)، وهي النصوص المتعلقة بدعوى البطلان، مع أنه لا علاقة بين أمر هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم وبين دعوى البطلان، بسبب أن هذا الأمر ليس حكماً بالمعنى التقليدي، فالمنظم أطلق عليه مصطلح «قرار» لا ځكم.
ولذلك لا تسري عليه الأحكام المقررة بشأن الأحكام - كما رأينا - فليس هناك ميعاد الصدور هذا القرار، وليس هناك قواعد لإجراءات صدور هذا القرار كحكم التحكيم، وليس هناك إيداع، كما أنه لا يجب أن تسلم صورة منه للطرفين، ويكفي لثبوته أن يدون في محضر الجلسة، وبالتالي لا يطعن على هذا القرار بالبطلان؛ لأنه ليس حكماً.
فلماذا أوجبت الفقرة (3) مراعاة المواد التي تنظم مسائل دعوى البطلان؟
إذا أردنا أن نحمل النص على محل حسن في تفسيره، فيمكن القول إن المقصود بمراعاة المواد المتعلقة بدعوى البطلان هي الفقرة (1) من المادة (41)، التي تتعلق بالحكم المنهي للخصومة.
أما إذا أردنا أن نعرض لوجه آخر في التفسير، فبالرجوع إلى السند التاريخي لهذا النص، وهو المادة (43) من قانون التحكيم المصري، نجدها تنص على أنه: "1) تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة كلها، أو بصدور أمر بإنهاء إجراءات التحكيم، وفقاً للفقرة الثانية من المادة (45) من هذا القانون»، كما تنتهي أيضاً بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال الآتية:
أ. إذا اتفق الطرفان على إنهاء التحكيم.
ب. إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ما لم تقرر هيئة التحكيم - بناء على طلب المدعى عليه . أن له مصلحة جدية في استمرار الإجراءات حتى يحسم النزاع.
ج. إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخر عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالته.
2) مع مراعاة أحكام المواد (49، 50، 51) من هذا القانون، تنتهي مهمة هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم".
وبالرجوع إلى نصوص القانون، نجد أن المادة (49) متعلقة بتفسير حكم التحكيم، والمادة (50) متعلقة بتصحيح حكم التحكيم، والمادة (51) متعلقة بالحكم الإضافي، ولذلك يذهب بعض الفقهاء في مصر إلى أن الهيئة تنتهي ولايتها على الدعوى التحكيمية بصدور الحكم المنهي للنزاع، ما عدا ما قرره لها القانون بموجب نص المادة (2/ 45) من قرارات تفسيرية أو تصحيحية لحكم التحكيم، أو إصدار حكم إضافي، فيما أغفلت الفصل فيه طبقا للمواد (49، و50، و51).
بينما يذهب البعض الآخر إلى أن نص الفقرة (2) من المادة (48) لا ينطبق إلا في حالة انتهاء إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للنزاع؛ إذ النص ينظم تفسير أو تصحيح حكم المحكمين، وقرار الهيئة بالإنهاء ليس حكما) .
وفي النظام السعودي، فإن الفقرة (3/ 41) تزيد بأنه: "لا محل يقع عليه ولا أثر له"، فلا علاقة لدعوى البطلان بقرار إنهاء إجراءات التحكيم، ويبدو أن المنظم قد نقل أرقام هذه المواد كتابة مثلما وردت في نظام التحكيم المصري حسب ترتيبها في نظام التحكيم: (مادة 49) من قانون التحكيم المصري: "1- يجوز لكل من طرفي التحكيم أن يطلب من هيئة التحكيم خلال ثلاثين يوماً التالية لتسلمه حكم التحكيم، تفسير ما وقع في منطوقه من غموض، ويجب على طالب التفسير إعلان الطرف الآخر بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم، 2- يصدر التفسير كتابة خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تقديم طلب التفسير لهيئة التحكيم، ويجوز لهيئة التحكيم من هذا الميعاد ثلاثين يوماً أخرى، إذا رأت ضرورة لذلك، 3 - ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً لحكم التحكيم الذي يفسر وتسري عليه أحكامه".
(مادة 50) من قانون التحكيم المصري: "1- تتولى هيئة التحكيم تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة، كتابية أو حسابية، وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب أحد الخصوم، وتجري هيئة التحكيم التصحيح من غير مرافعة خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ صدور الحكم أو إيداع طلب التصحيح بحسب الأحوال، ولها مد هذا الميعاد ثلاثين يوماً أخرى إذا رأت ضرورة لذلك. 2- ويصدر قرار التصحيح كتابة من هيئة التحكيم، ويعلن إلى الطرفين خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره، وإذا تجاوزت هيئة التحكيم سلطتها في التصحيح، جاز التمسك ببطلان هذا القرار بدعوى بطلان تسري عليها أحكام المادتين (53، 54 ) من هذا القانون".
(مادة 51) من قانون التحكيم المصري: "1- يجوز لكل من طرفي التحكيم، ولو بعد انتهاء ميعاد التحكيم، أن يطلب من هيئة التحكيم خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه حکم التحكيم إصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم، ويجب إعلان هذا الطلب إلى الطرف الآخر قبل تقديمه .
2 - وتصدر هيئة التحكيم حكمها خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب، ويجوز لها مد هذا الميعاد ثلاثين يوماً أخرى إذا رأت ضرورة لذلك"، دون أن ينتبه إلى أنها متعلقة بدعوى البطلان، وأن الأرقام التي كان من المفترض الإشارة إليها . والتي تطابق الأرقام المذكورة في القانون المصري من ناحية الموضوع - هي المادة (46) التي تنظم طلب التفسير، والمادة (47) التي تنظم طلب تصحيح الحكم، والمادة (48) التي تنظم طلب إصدار حكم إضافي.
وبرأينا أن الفقرة (3) لا يمكن إعمالها، سواء قصدت مراعاة المواد (49، 50، 51)، أو المواد (46، 47، 48)، باعتبار أن قرار إنهاء الإجراءات ليس حكماً بالمعنى الفني، كما أن المنظم كان بمقدوره أن يستخدم لفظ حکم بدلاً من قرار ويقول: تصدر هيئة التحكيم حكماً بإنهاء الإجراءات لا قراراً، ولو أنه كان يقصد مراعاة مواد تفسير وتصحيح وإضافة حكم التحكيم.
واسمحوا لي أن أرد على نفسي بأن هذه المراعاة المقصود منها ما ورد في صدر المادة (41) بانتهاء إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة، بدليل أن المنظم استخدم لفظ انتهاء، ولم يستخدم لفظ إنهاء، كما استخدمها في الحالات المندرجة في المادة (41).
وحتى إذا سلمنا بهذا الرأي، نقول: كان الأولى أن تعاد صياغة هذه المادة لتكون على النحو التالي:
"1) تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة، مع مراعاة أحكام المواد (45، 47، 48 ) من هذا النظام.
2) تنتهي إجراءات التحكيم بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال التالية ...".
- أو أن تلغي الفقرة (1)، أو أن تلحق بالمادة الثانية والأربعين؛ لاتحادهما في الموضوع، وهو صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة.
لذا نأمل أن يتم أخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار في التعديل القادم لهذا النظام.
إنهاء إجراءات التحكيم بالتسوية والصلح
تنص المادة الخامسة والأربعون على أنه: " إذا اتفق طرفا التحكيم خلال إجراءات التحكيم على تسوية تنهي النزاع، وكان لها أن يطلب إثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم، التي يجب عليها في هذه الحالة أن تصدر حكماً يتضمن شروط التسوية، وينهي الإجراءات، ويكون لهذا الحكم ما لأحكام المحكمين من قوة عند التنفيذ"
لقد رأيته في الحياة العملية فى دعاوى التحكيم أن أطراف التحكيم كثيراً ما يلجئون إلى الاتفاق على إنهاء النزاع بينهما صلحاً أثناء نظر النزاع، إذا تمت إدارة دعوى التحكيم بالحكمة والموعظة الحسنة. . فيجب على هيئة التحكيم حينئذ أن تصدر حكمها المنهي للإجراءات، وأن يتضمن هذا الحكم إثبات التسوية أو شروطها فقط، فيأخذ هذا الحكم قوة السند التنفيذي.