اجراءات خصومة التحكيم / الاتفاق على انهاء اجراءات التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 27 / عمان: الإنهاء المبتسرللعقد الإداري من قبل جهة الإدارة بإرادتها المنفردة (حق أصيل له ضوابط وشروط في ضوء أحكام القضاء الإداري العماني)
1- العقد هو ارتباط الإيجاب بالقبول وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه (م 66 من المرسوم السلطاني رقم 2013/29 بإصدار قانون المعاملات المدنية) وتنقسم العقود من حيث طبيعتها إلى عقود مدنية، وأخرى إدارية. فبالنسبة للعقود المدنيـة، لا يجـوز لأي من أطرافه أن يبادر باتخاذ قرار منفرد بفسخ التعاقد ما لم يتم النص على ذلك في العقد، أو إذا لجأ أحد الأطراف إلى القضاء طالبا الحكم له بإنهاء العقـد، وإلا أعتبـر قراره المنفرد موجباً للتعويض للطرف المضرور. أما في خصوص العقد الإداري فإنه نظراً لارتباطه بمرفق عام، فقد خصه المشرع بأحكام خاصة. ولعل ما يهمنا في هـذا المقام هو هذا النوع الأخير من العقود. وبناء عليه، نقسم بحثنا هذا إلى عدة نقاط كالآتي:
- تعريف العقد الإداري وبيان أركانه.
- ممارسة جهة الإدارة حقها فـي فـسخ التعاقـدات بإرادتهـا المنفردة (الـسوابق القضائية).
- وجها الحق في الفسخ الممنوح لجهة الإدارة.
- شروط وضوابط ممارسة جهة الإدارة حقها في الإنهاء المبتسر للتعاقد.
- الخلاصة.
وعلى هذا الأساس فإننا نستعرض كل ما تم ذكره على النحو التالي.
أ- تعريف العقد الإداري وبيان أركانه:
2- استقر الفقه والقضاء العماني على تعريف العقد الإداري بأنه " ذلك العقد الـذي ييرمـه شخص معنوي عام مع شخص آخر خاص أو عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمـه وتظهر فيه الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام، وذلك بأن يتـضمن العقـد شـروطاً استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص أو أن يخول المتعاقد مع الإدارة الاشتراك في تسيير مرفق عام " (جلسة 2010/6/28 الاستئناف رقم 174 لسنة 10 ق.س، محكمـة القضاء الإداري العماني - المكتب الفني مجموعة المبـادئ القانونيــة 2009–2010 صـ459).
- وهكذا يتضح من التعريف السابق أنه يشترط في العقد الإداري توافر شروط ثلاثة:
(1) أن تكون الإدارة طرفاً في العقد الإداري بصفتها شخصاً اعتبارياً عاماً.
(2) اتصال العقد بتسيير مرفق عام.
(3) أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص.
3- وما يعنينا في هذا المقام هو الشرط الثالث (الشروط الاستثنائية) سواء تضمن العقد تلك الشروط أو كانت مقررة بمقتضى القوانين واللوائح. (حكم المحكمـة الإداريـة العليـا المصرية في الطعن رقم 559 لسنة 13 الصادر بتاريخ 1969/3/24 – مشار إليه في كتاب "العقود الإدارية في سلطنة عمان – دراسة مقارنة" للدكتور محمد بن سعيد بـن حمد المعمري، ص 111، طبعة 2011 دار الجامعـة الجديـدة – جمهوريـة مـص العربية").
ب- ممارسة جهة الإدارة حقها في فسخ التعاقدات بإرادتها المنفردة (السوابق القضائية):
4- استقر القضاء العماني على إرساء مبدأ عام يتعلق بتقرير حق جهة الإدارة فـي إنهـاء العقد الإداري (وفقا للشروط السابقة) بإرادتها المنفردة، حتى ولو لم يرتكب المتعاقد أي خطا من جانبه، طالما رأت أن المصلحة العامة تستدعي هذا الإنهاء المبتسر للعقـد، إذ قضت محكمة القضاء الإداري بأن تتمتع جهة الإدارة في مجال العقود الإدارية بحقوق وسلطات واسعة، من بينها حقها في إنهاء تلك العقود دون خطأ مـن جـانـب المتعاقـد كقاعدة عامة، وليس لمعاقدها، إلا الحق في التعويض إن كان له وجه". (استئناف رقـم 18 لسنة 10 ق.س بتـاريخ 2010/6/28 مجموعـة المكتـب الفنـي 2011-2012 ص 435. أنظر أيضاً الاستئناف رقـم 13 لـسنة 4 ق.س بتـاريخ 2004/11/27 مجموعة المكتب الفني 2005–2006 .13، وفي ذات السنة الاستئناف رقم 66 لسنة 4 ق.س جلسة 2005/5/14 ص 180).
- كما قضت بأن "الأصل المقرر هو أن الإدارة لا تجبـر علـى استمرار علاقاتهـا التعاقدية مع المتعاقد معها إذا رأت من الاعتبارات ما يمنعها من التعامل مـع أحـد المتعاقدين معها لأسباب تبررها اعتبارات المصلحة العامة ودون إمكانيـة احتجـاج معاقدها بأن العقد شريعة الطرفين، لأن هذه القاعدة لا يمكن الاحتجاج بها في مجال العقود الإدارية لغلبة المصلحة العامة المبررة والقائمة فعلا على المصلحة الفرديـة، فمصلحة المرفق لها السمو والغلبة دائما " (الدعوى الابتدائية رقـم 37 لسنة 3ق- مجموعة المكتب الفني 2003–2004 ص 819. أنظر أيضا الدعوى الابتدائية رقـم 145 لـسنة 6 ق جلسة 2007/4/25 مجموعـة المكتـب الفنـي 2006-2007 ـــــــــــ615، والدعوى الابتدائية رقـم 81 لـسنة 6 ق جلـسة 2006/6/25 مجموعة المكتب الفني 2005-2006 ص987).
- باستقراء جميع الأحكام السابقة يتضح وبجلاء استقرار القضاء الإداري العماني على تأكيد حق جهة الإدارة في الإنهاء المبتسر للعقد الإداري بإرادتهـا المنفـردة وفقـاً لضوابط وشروط معينة سوف يأتي بيانها لاحقاً.
ج- وجها الحق في الفسخ الممنوح لجهة الإدارة:
5- لجهة الإدارة الحق في الإنهاء المبتسر (الفسخ) للعقد الإداري كما أسلفنا، ويكون الفسخ إما كجزاء لإخلال المتعاقد لالتزاماته التعاقدية مع جهة الإدارة، وإما بسبب ممارسـتها حقها في الفسخ. فبالنسبة للأولى، فقد استقر القضاء على حق جهة الإدارة فـي فـسخ العقد من جانبها في حالة إخلال المتعاقد ببنود التعاقد، أما إذا تبين أن الإخلال في تنفيذ العقد، أو التأخير في تنفيذه لا يرجع إلى المتعاقد، كان فسخ ( الإنهاء المبتسر) العقد من جانب الإدارة باطلاً. (إستئناف رقم 66 لسنة 4 ق.س بتاريخ 2005/5/14، مجموعـة المكتب الفني 2005–2006 ص180). أما بالنسبة للثانيـة، فبالإضافة إلى الأحكام السابق بيانها في خصوص الحق الأصيل لجهة الإدارة في إنهاء العقد بإرادتها المنفردة اقتضاء لمصلحة عامة (أي تسبيب القرار)، فقد قضت محكمة الاستئناف بأن من حـق جهة الإدارة إنهاء العقد بالإرادة المنفردة في عقود عمل غير العمانيين بدون إبـداء أي أسباب، ودون أي خطأ من جانبه لدواعي المصلحة العامة. (استئناف رقم 14 لسنة 11 ق.س بتاريخ 2011/2/14 مجموعة المكتب الفني 2010-2011 ص266) وقد أسست المحكمة قضاءها على أساس أن تعيين غير العماني في الوظائف الدائمة هـو اسـتثناء تقتضيه حاجة العمل بالجهات الإدارية.
د - شروط وضوابط ممارسة جهة الإدارة حقها في الإنهاء المبتسر للتعاقد:
6- كما سبق أن أوضحنا الحق الأصيل لجهة الإدارة في إنهاء العقد بإرادتها المنفردة، وذلك إما بالنص عليه في العقد، وإما بمقتضى القوانين واللوائح، إلا أن ذلك الحق معلق على شرط واقف استقر القضاء الإداري العماني عليه، وهو ضرورة توافر شرطان: أولهما أن تجد ظروفاً تستدعي هذا الإنهاء تحقيقاً للمصلحة العامة، وثانيهما أن تتـوافر فـي قرار الإنهاء كافة الشروط اللازمة للمشروعية المبنية على سلطة تقديريـة. إذ قـضت المحكمة بـأنه " يحق للجهة الإدارية أن تنهي العقد الإداري الذي أبرمته مع المتعاقد بإرادتها المنفردة ودون أي خطأ من جانبه لدواعي المصلحة العامة، ولـيـس للـطـرف الآخر، إلا الحق في التعويض إن كان له وجه، وذلك على أساس المسؤولية العقدية بلا خطأ، هذا الحق مشروط بتوافر أمرين: الأول- أن تجد ظروف تستدعى هـذا الإنهـاء تحقيقا للمصلحة العامة، والثاني – أن تتوافر في قرار الإنهاء كافة الشروط اللازمـة لمشروعية الأعمال المبنية على سلطة تقديرية " (الاستئناف رقم 105 لـسنة 12ق.س بتاريخ 2012/3/26 مجموعة المكتب الفني 2011-2012 ص382. أنظر أيـضاً استئناف رقم 6 لسنة 4ق.س بتاريخ 2006/4/15 مجموعة المكتـب الفن 2006 ص 384).
7- باستقراء تلك الأحكام يتضح أن القضاء الإداري قد استقر على ضرورة توافر شرطين حتى تستطيع جهة الإدارة اتخاذ قرارها المنفرد بإنهاء (فسخ) التعاقد، بما يعني بمفهـوم المخالفة أن عدم توافر أي من الشرطين سالفي الذكر، يترتب عليه بطلان قرارها بفسخ التعاقد، وبالتالي يحق للمتعاقد المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر أو ما لحقه من كسب إن كان له محل (استئناف رقم 2 لسنة 3ق.س بتـاريخ 2003/6/21 مجموعـة المكتب الفنـي 2003–2004 ص 115). وفـي ذلـك قـضت محكمـة الاستئناف " تجديد العقد أو إنهائه هو من صلاحيات الجهة الإدارية المتعاقدة تمارسها وفقـا لما تراه محققاً للمصلحة العامة، ويكون قرارها في هذا الشأن مشروعاً ما لـم يثبـت إساءتها لاستعمال سلطتها" (استئناف رقـم 86 لـسنة 9ق.س بتـاريخ 2009/6/22 مجموعة المكتب الفني 2008-2009 ص 491 ) أي أن الحكم قرر عدم مشروعي قرار الإدارة بفسخ التعاقد إذا ثبت إساءة استعمالها لتلك السلطة المخولة لها، إما بموجب العقد، أو القوانين واللوائح.
هـ - الخلاصة:
8- باستقراء ما سبق، نخلص إلى النتيجة الآتية:
(أ) لجهة الإدارة الحق في إنهاء مبتسر (فسخ) العقد مع المتعاقد في العقد الإداري في أي وقت، حتى ولو لم يخطئ المتعاقد، أو لم يتم النص على ذلك في العقد، متـى رأت أن ذلك اقتضاء لمصلحة عامة.
(ب) يشترط لممارسة جهة الإدارة حقها في ذلك الفسخ، توافر شرطين هما: أن تجـد ظروف تستدعى هذا الإنهاء تحقيقا للمصلحة العامة، وأن تتوافر في قرار الإنهاء كافة الشروط اللازمة لمشروعية مبنية على سلطة تقديريـة (أي تـسبيب قـرار الإنهاء).
(ج) البطلان هو جزاء مخالفة جهة الإدارة للإشتراطات التي استقر عليـه القـضاء الإداري.
(د) يجوز للمتعاقد إذا أصابه ضرر من قرار جهة الإدارة المشوب بالبطلان، اللجـوء إلى المحكمة للقضاء له بالتعويض.
وبناء على ما سبق، فإنه يمكن البحث في أسباب إنهاء جهة الإدارة للتعاقد بإرادتها المنفردة للبحث في مدى إلتزامها المعايير التي استقر عليها القضاء الإداري في أحكامه سـالفة البيـان والتي تقرر البطلان والتعويض للمضرور إذا أساءت استعمال سلطتها في الحـق فـي الإنهـاء المبتسر للعقد.