تنص المادة 41 من قانون التحكيم علي أنه: إذا إتفق الطرفان خلال إجراءات التحكيم على تسوية تنهي النزاع، كان لهما أن يطلبا إثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم, التي يجب عليها في هذه الحالة أن تصدر قراراً يتضمن شروط التسوية وينهي الإجراءات, ويكون لهذا القرار ما لأحكام المحكمين من قوة بالنسبة للتنفيذ .
ومفاد هذه المادة وعلي ما أوضحته المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم ، أن المشرع أجاز بمقتضاها لهيئة التحكيم أن تصدر أحكام تحكيم بشروط متفق عليها، وهو ما يعرف بالتسوية الودية أو التصالح بين طرفي الخصومة علي الحق موضوع الدعوي، وقد أوجب علي هيئة التحكيم إذا تقدم إليها الطرفان بتسوية إتفاقية للنزاع أن تثبت التسوية في محضر الجلسة، وأن تصدر قراراً تنهي به الإجراءات يتضمن نص شروط تلك التسوية، وأضفي المشرع علي هذا القرار ما للأحكام من قوة تنفيذية، التي نص عليها بالمواد 55، 56، و58 من قانون التحكيم. وفي تقديرنا، أن قيام هيئة التحكيم بهذا الإجراء يتطل بأن يتحقق شرط مفترض، وهو أن تكون إجراءات التحكيم قد بدأت بالفعل، وذلك بإعلان المدعي عليه بطلب التحكيم علي النحو الوارد بنص المادة 7 من قانون التحكيم ما لم يتفق الطرفان علي تاريخ آخر لبدء الاجراءات(م٢۷ من قانون التحكيم)، وتمام تشكيل هيئة التحكيم، لأن هيئة التحكيم لا تتصل بالدعوي إلا إعتباراً من التاريخ الذي يتم فيه تشكيلها علي النحو الذي نص عليه القانون أو إتفاق الطرفين، فيكون لها السلطة والقدرة على القيام بهذا الإجراء وفقاً لدورها المحدد في المادة 41 المشار إليها.
كما أن هيئة التحكيم ليست بالخيار فلا يجوز لها رفض أو قبول التسوية وإثباتها في قرارها، لأن نص المادة 41 سالفة الإشارة قد عبر صراحة عن ذلك، فأوجب عليها إثبات شروط التسوية وإصدار قرارها متضمناً شروط هذه التسوية، وهو في ذلك قد خالف ما نصت عليه المادة 30 من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لسنة 1985 (۲۳۲)، والمادة 1/36، ٢ من قواعد الأونسيترال للتحكيم التجاري الدولي في صيغتها المنقحة في عام ۲۰۱۰(۲۳۳)، وكلاهما جعل لهيئة التحكيم سلطة قبول أو رفض إثبات التسوية المقدمة من طرفي التحكيم.وقد نصت المادة 1/36 من قواعد التحكيم بمركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي السارية إعتباراً مارس ٢٠١١ وهي مأخوذة من القانون النموذجي علي ذات الأحكام.
ومن جانبنا فإننا نؤيد الرأي الأول القائل بأن القرار الصادر من هيئة التحكيم تفيداً لنص المادة 41 من قانون التحكيم، لا يعتبر حكم تحكيم بالمعني الصحيح للحكم، وإن صدر في شكل الأحكام، وذلك لما يلي:
1. أن نص المادة 41 من قانون التحكيم يدل على أن المشرع قد إنتهج ما سبق أن قرره بنص المادة 103 من قانون المرافعات، وهي قاعدة قانونية إجرائية آمرة، تضمنت النص علي أن للخصوم أن يطلبوا من المحكمة في أية حالة تكون عليها الدعوي إثبات ما إتفقوا عليه في محضر الجلسة ويوقع منهم أو من وكلائهم، فإذا كانواقد كتبوا ما إتفقوا عليه ألحق الإتفاق بمحضر الجلسة وأثبت محتواه فيه، ويكون لمحضر الجلسة في الحالتين قوة السند التنفيذي وتعطي صورته وفقاً للقواعد المقررة لإعطاء صور الأحكام.
وهو بذلك يكرس للأصل الذي يقوم عليه التنظيم القانوني للتحكيم، وهو خضوع إجراءاته لسلطان إرادة طرفيه في كيفية إجرائه والقواعد التي تطبق عليه لا يقيدها في ذلك سوي القواعد القانونية الأمرة الواردة في قانون التحكيم.
٢. أن هيئة التحكيم، وهي هيئة ذات إختصاص قضائي، عندما تقوم بهذا الإجراء فإنما تقوم به بمقتضي سلطتها الولائية وليست القضائية التي تبدو جلية عندما تباشرها الهيئة بالفصل في موضوع النزاع كله أو في جزء منه بقراريتضمن حسماً للنزاع حول الموضوع أو الجزء الذي فصلت فيه، وتنتهي كأثر له ولايتها بشأنه.
وتكون مهمة هيئة التحكيم وفق سلطتها الولائية في هذه الحالة قاصرة علي إثبات ما حصل أمامها من إتفاق وتوثيقه، وهو ذات ما يقوم به القاضي وفقاً للمادة 103 من قانون المرافعات.
ويترتب علي ذلك أن إتفاق التسوية وإثباته بقرار تصدره هيئة التحكيم هو في حقيقته عقد وليس حكم له حجية الشئ المحكوم فيه وإن أعطي شكل الأحكام عند أثباته .
3. أن نص المادة 41 من قانون التحكيم قد عبر صراحة عن أن ما تصدره هيئة التحكيم قراراً وليس حكماً بمعناه المعروف، وهي مجبرة عليه لا خيار تنفذ فقط إرادة طرفيه، وتضعه في الصورة التي يكون قابلاً للتنفيذ بمقتضاها.
4. كما أن نص المادة 48 من قانون التحكيم يبين منه أن المشرع في هذا القانون يفرق بين ما هو حكم وما هو قرار، فمايز بين الحكم المنهي للخصومة كلها وبين الأمرالصادر بإنهاء اجراءات التحكيم وفقا لحكم المادة 45 من ذات القانون، والقرار الذي يصدر من هيئة التحكيم بإنهاء الاجراءات في الحالات (أ،ب، ج) من المادة 48 المشار إليها، وهو ما يؤكد تفرقة المشرع بين الحكم الصادر من هيئة التحكيم بمقتضي سلطتها القضائية والقرار الصادر منها بموجب سلطتها الولائية.
5. أن ما ساقه أصحاب الرأي الثاني تأييداً له من تخوف بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الدولية وما قد تتطلبه من السير في إجراءات تحكيمية جديدة أو إجراءات قضائية في الدولة المطلوب فيها التنفيذ، يتعارض مع ما قررته اتفاقية نيويورك بشأن الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لسنة 1958ء بنص المادة الأولي منها المحدد لنطاق تطبيقها، فنصت علي أن: "هذه الإتفاقية تنطبق علي الإعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها،...،وتنطبق أيضاً على قرارات التحكيم لا تعتبر قرارات محلية في الدولة التي يطلب فيها الإعتراف بهذه القرارات وتنفيذها، ولا يقتصر مصطلح قرارات التحكيم على القرارات التي يصدرها محكمون معينون لكل قضية، بل يشمل أيضاً القرارات التي تصدرها هيئات تحكيم دائمة تكون الأطراف قد أحالت الأمر إليها.
وقد نصت المادة الثالثة منها علي أنه: علي الدول المتعاقدة أن تعترف بقرارات التحكيم كقرارات ملزمة وأن تقوم بتنفيذها وفقاً للقواعد الإجرائية المتبعة في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار. طبقاً للشروط الواردة في المواد التالية، ولا تفرض على الإعتراف بقرارات التحكيم التي تنطبق عليها هذه الإتفاقية أو على تنفيذها شروط أكثر تشدداً بكثير أو رسوم أو أعباء أعلى، بكثير مما يفرض على الإعتراف بقرارات التحكيم المحلية أوعلى تنفيذها".
والمقرر أن الأصل في تنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الصادرة في بلد أجنبي ومنها أحكام التحكيم في مصر يكون وفقاً لأحكام المواد ٢٩٦ و ٢٩٩ من قانون المرافعات، وإستثني المشرع من هذه الأحكام، ما تنص عليه المعاهدات المعقودة أو التي تنعقد بين جمهورية مصر العربية وغيرها من الدول في هذا الشأن، ومنها إتفاقية نيويورك المشار إليها، حيث تكون المعاهدة في هذه الحالة القانون الواجب التطبيق دون غيرها وتسمو علي قواعد قانون المرافعات ولا حاجة لإتفاق الخصوم عليها في هذا الشأن .
إلا أنه ولما كان قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 1994 هو الشريعة العامة للتحكيم وهو في تقديرنا- إن جاز التعبير - قانون المرافعات بالنسبة لشئون التحكيم في هذا الشأن، فيكون هو الواجب التطبيق تنفيذاً لأحكام إتفاقية نيويورك لما يتضمنه من قواعد أكثر يسراً من تلك الواردة في قانون المرافعات، فيكون تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي وفقاً لأحكام المواد 9، 56، ١،٢/٥٨ من قانون التحكيم .
وعلي ذلك سيتم تنفيذ قرار هيئة التحكيم بإثبات التسوية في هذه الحاله وفقاً للمادة 41 والمواد المشار إليها عند طلب تنفيذه في جمهورية مصر العربية ، ومن ثم لا يوجد ما يؤرق بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية أو يزعزع ثقة المتعامين في التجارة الدولية في التحكيم وتنفيذ أحكامه وقرارته في دولة أجنبية أخري.