وعليه فإنه يجوز إنهاء إجراءات التحكيم حيث تتجه إرادة المدعي وحده إلى ذلك، وهو ما يعرف بترك الخصومة تمييزاً له عن انقضاء الخصومة باتفاق الطرفين.
أ- وهذا ما تنص عليه معظم التشريعات وقوانين التحكيم والمؤسسات ومراكز التحكيم المنتظم، ومنها على سبيل المثال: نظام التحكيم السعودي الجديد لعام 1433هـ في المادة (41) حيث نصت على أنه: (1 تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة، أو بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال الآتية: (أ - إذا اتفق طرفا التحكيم على إنهاء التحكيم .2 - تنتهي إجراءات التحكيم بموت أحد طرفي التحكيم أو فقد أهليته ما لم يتفق من له صفة في النزاع مع الطرف الآخر علـى انتهائه...).
وكذلك قانون التحكيم التجاري الدولي البحريني لعام 1994م، المادة (32) كمـا نـــص مشروع القانون الاتحادي الإماراتي الجديد في المادة (46) منه على أن : تنتهي إجراءات التحكيم في الحالات التالية : 4- إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ما لم تقرر هيئة بناء على طلب المدعي عليه أن له مصلحة جدية في استمرار الإجراءات حتى يحسم النزاع ).
وهو الحال كذلك بالنسبة لباقي الدول الأخرى ومنها على سبيل المثال: قانون التحكيم اليمني لعام 1992م في المادة (51) . والمادة (32) من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية وكذلك المادة (11) من قانون اليونسيترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي.
ونخرج من هذه النصوص الاستنتاجات التالية :
1- أن ترك خصومة التحكيم أو كما تسمية بعض القوانين حب طلب التحكيم الذي يعتد به هو الذي يتم من جانب المدعي وليس المدعى عليه .
2- يجب أن يكون ترك المدعي إجراءات خصومة التحكيم صريحًا قاطعًا .
3- إن ترك خصومة التحكيم يظل أمرًا ممكنا أمام المدعى المحتكم قبيل حجز القضية
للحكم فيها .
4- لكي يرتب ترك إجراءات خصومة التحكيم أثره في انقضاء الخصومة بين الطرفين يجب أن لا يعترض الطرف الآخر.
5- إن ترك خصومة التحكيم الذي يعتد به، هو ذلك الذي يصدر به قرار من هيئــة التحكيم. .
6- الاستحالة في عدم جدوى السلطة التقديرية لهيئة التحكيم حيث أنها قد تقرر في حال تخلف الأطراف عن تقديم مستنداتهم أو عدم تعاونهم مع الخبير الذي انتدبته الهيئة أو عدم حضور الأطراف أو من يمثلهم في جلسات التحكيم بحيث يتعذر على الهيئة نظر النزاع.
ومهما يكن من أمر فإن توفرت الاعتبارات والضوابط السابقة فإنه يترتب على ترك المحتكم دعواه زوال خصومة التحكيم بكل إجراءاتها .
وفي الواقع لم تشترط قوانين التحكيم قبول المدعى عليه قبولا صريحا للترك، وإنما له حق الاعتراض عليه إذا ما كانت له مصلحة جدية ومشروعة في استمرار إجراءات خصومة التحكيم حتى يفصل فيها .
أن التشريعات الخليجية وكذلك التشريع اليمني لم تتفقا في تحديد الوقت واليوم الذي تبدأ فيه إجراءات التحكيم، فبعضهم منهم ذهب إلى أنها تبدأ في اليوم الذي يُسلم فيه الطلب للمدعى عليه و ذهب بعضهم إلى أن الإجراءات تبدا مـــن أول جلسة ، وهذا ليس بغريب إذ اختلفت مثلهم قوانين التحكيم في الدول العربي والأجنبية. أن الطلبات التي تقدم من قبل المدعي فإن له أن يقدم طلبًا عارضًا في ما بعد، وكذلك الحق للمدعى عليه فله أن يقدم طلبًا لاحقا في مــا بعد، ويسمى طلبًا ،مقابلا ثم تطرقنا إلى أن المشرع قد أعطى الأطراف حق الاتفاق، وأهمها تحديد مكان التحكيم، وأن لا يترك ذلك لهيئة التحكيم على رغم من أن المشرع الخليـ وغيره قد أعطى الحق لهيئة التحكيم في حال لم يتفق الأطراف على تحديد المكان، فإن لهيئة التحكيم أن تختار مكانًا مناسبًا وملائمًا ينظر للنزاع مع مراعاة ما يناسب الأطراف، كما توصلنا إلى أن معظم تشريعات التحكيم ولوائح المراكز القائمة على التحكيم المنتظم تأخذ بتطبيق القانون الإجرائي المتفق عليه من قبل أطراف النزاع على مسائل التحكيم، ففي حال لم يكن هناك اتفاق فإنه يطبق قانون مكان إجراء التحكيم، وهذا ما نراه يتفــــق مع روح التحكيم في حل منازعات التجارة الدولية .