الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / أثار انقطاع سير الخصومة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / مدى جواز إنهاء إجراءات التحكيم عند تجاوز مدتها وفقا لقانون دولة المقر

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    599

التفاصيل طباعة نسخ

    قبل البدء في بحث عنوان هذه الجلسة أرى أن نوضح أولاً الفرق بين حالة "تجـاوز مـدة إجراءات التحكيم" وحالة "انتهاء الأجل المحدد لإصدار حكم التحكيم"، إذ أن الحالة الأخيرة هـي التي ستكون محل اهتمامنا وذلك لتأثيرها على صحة حكم التحكيم وقابليته للتنفيذ وفقـاً لقـوانين بعض الدول. إن إجراءات التحكيم تمر بمراحل عديدة، فبعد أن يتم الانتهاء مـن تـشكيل هيئـة التحكيم (سواء من محكم فرد أو هيئة من ثلاثة محكمين)، تبدأ إجراءات نظر النـزاع بـالتوالي بحيث تشمل، عقد الجلسات التمهيدية (التي تهدف إلى تنظيم جدول الإجراءات وتحديـد المهـل الزمنية لتقديم المذكرات واللوائح وسماع البينات)، وتشمل كذلك مرحلة تقديم مـذكرة الـدعوى ومذكرة الدفاع، ثم تبدأ مرحلة سماع الشهود والخبرة وجلسات مناقشة البينـات وتقـديـم اللـوائح الختامية، إلى أن تصل إجراءات التحكيم إلى نهايتها وتعلن هيئة التحكيم ختام أو "انتهاء" إجراءات التحكيم وذلك بعد اقتناعها بأن الأطراف قد حصلوا على فرصة كافية لتقديم مستنداتهم وبيناتهم، لتبدأ بعدها المرحلة النهائية في التحكيم وذلك عند مباشرة هيئة التحكيم في المداولة ثـم صـياغة وإصدار حكم التحكيم النهائي.

    وتظهر التفرقة بشكل واضح في بعض قواعد التحكيم المؤسسي التـي تميـز بـيـن هـاتين المرحلتين من خلال تحديد مدة زمنية مختلفة للانتهاء من كل مرحلة. ويظهر هذا الفرق بـشكل واضح في المادة (63) من قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبـو-  WIPO)، حيـث نصت في الفقرة (أ) على أن يتم سماع دعوى التحكيم وإعلان اختتام الإجراءات خـلال مـدة لا تتجاوز التسعة أشهر التالية لتسليم مذكرة الدفاع أو التالية لتشكيل هيئة التحكيم أيهما يأتي لاحقاً.

    ويجب أن يصدر حكم التحكيم النهائي خلال الأشهر الثلاثة التالية لتلك الفترة. (ب). إذا لـم يعلن اختتام الإجراءات خلال الفترة الزمنية المحددة في الفقرة (أ)، فعلى هيئة التحكيم أن ترسـل إلى المركز تقريراً عن وضع إجراءات التحكيم، مع إرسال نسخة إلى كل طرف. وعلى الهيئة أن ترسل تقرير آخر إلى الهيئة ولكل طرف وذلك في نهاية كل ثلاثة شهور خلال الفتـرة اللاحقـة التي لا يعلن فيها اختتام الإجراءات. (ج). إذا لم يصدر قرار التحكيم النهائي خلال ثلاثة أشـهر بعد اختتام الإجراءات، ترسل هيئة التحكيم إلى المركز مذكرة كتابية تشرح فيها أسباب التأخير مع نسخة لكل طرف، وترسل مذكرة إضافية ونسخة لكل طرف في نهاية كل فترة لاحقة مدتها شهر واحد إلى أن يتم اتخاذ قرار التحكيم النهائي .

    ويلاحظ من المادة (63) أعلاه أن قواعد WIPO قد حددت مدة إصدار حكم التحكيم بثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ انتهاء مدة اختتام الإجراءات، وهو اتجاه متميز يختلف عما اتبعته العديد من مراكز التحكيم المختلفة؛ مثال ذلك المادة (24) من قواعد التحكيم لدى غرفة التجـارة الدوليـة ICC التي تنص في الفقرة (1): "الفترة الزمنية التي يتوجب على هيئة التحكيم أن تصدر حكـم التحكيم النهائي هي ستة أشهر. وتبدأ هذه الفترة من تاريخ آخر توقيع للهيئة أو للأطراف علـى وثيقة تحديد المهام أو في حالة تطبيق المادة (18) فقرة (3) فتبدأ من تـاريخ تبليـغ سـكرتارية المركز للهيئة بموافقة محكمة المر افقة محكمة المركز على وثيقة تحديد المهام".

    كذلك المادة (33) من قواعد ستوكهولم: "يجب أن يصدر حكم التحكيم خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر تبدأ من تاريخ إحالة القضية إلى هيئة التحكيم".

    أما قواعد مركز دبي للتحكيم الدولي DIAC فنجد نص المـادة (36) تـنص: (1) إن إحالة النزاع وفقاً لهذه القواعد يعتبر اتفاقاً من الأطراف على تطبيق الأحكام الواردة فـي هـذه المادة بشأن تمديد المهلة اللازمة لإصدار حكم التحكيم النهائي. (2) على الهيئة أن تصدر حكـم التحكيم النهائي خلال ستة أشهر من تاريخ استلام الملف من قبل المحكم المنفرد أو مـن رئـيس الهيئة إذا كانت الهيئة مكونة من ثلاثة محكمين أو أكثر.

    ويلاحظ من المواد السابقة أن كل من قواعد غرفة التجارة الدولية ICC وقواعد سـتوكهولم وقواعد مركز دبي للتحكيم الدولي DIAC تنص على وجوب إصدار حكم التحكيم النهائي خلال ستة أشهر، لكنها تختلف من حيث تحديد نقطة البداية التي يبدأ منها احتساب تلك المدة. ونجد أن قواعد مركز دبي للتحكيم الدولي قد أخذت بالاعتبار وجوب تمكين هيئة التحكيم بشكل فعلي مـن نظر النزاع وذلك للبدء في احتساب هذه المدة لذلك اعتمدت تـاريخ استلام المحكمـين لملـف الدعوى كنقطة بداية لإحتساب مدة 6 أشهر اللازمة لإصدار حكم التحكيم النهائي.

     أما في إطار القوانين الوضعية، فإن أغلب المراجع الفقهية تشير إلـى أن الاتجـاه الـدولي الأغلب في العديد من القوانين الوضعية يتجنب وضع أجل زمني محدد يجب خلاله إصدار حكـم التحكيم النهائي، وبالتالي فإن ذلك يترك للمحكمين سلطة تقديرية للبت في النزاع في أقرب وقـت ممكن. وأنه حتى في الأحوال التي ينص فيها القانون على تحديد مهلة زمنية معينة فإنه يترك مع ذلك فرصة مرنة لإمكانية مد تلك الفترة وذلك من خلال عدة وسائل سيتم التطرق إليها في هـذه الورقة. ونشير إلى أن القانون النموذجي لم ينص على مدة محددة لإصدار حكم التحكيم النهائي. كذلك نجد أن قانون التحكيم الانجليزي لسنة 1996 قد ترك تحديد المدة التي يتوجب خلالها على هيئة التحكيم إصدار الحكم النهائي إلى ما يتفق عليه الأطراف وذلك دون تحديد مدة معينة بحكـم القانون وذلك عند غياب اتفاق الأطراف، فالمادة (50) نصت:

    "1. ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك؛ إذا كانت المدة التي يتوجب خلالها إصدار حكـم التحكيم محددة في اتفاق التحكيم أو تستند إليه، يجوز للمحكمة حينها أن تأمر بتمديد ذلك الوقـت وفقاً لأحكام النصوص التالية.

    أما أغلب القوانين العربية فقد اتجهت إلى الإستناد أولاً إلى ما يتفق عليـه الأطـراف ومـا يحددوه من أجال لإصدار الحكم النهائي، وفي حالة عدم الإتفاق فنجد في تلك القوانين نـصوصاً مباشرة تحدد المدة التي يجب خلالها إنهاء إجراءات التحكيم وإصدار حكم التحكيم النهائي. فعلى سبيل المثال نجد المادة (45) من قانون التحكيم المصري قد أدخلت تفصيلات عديدة على هـذه المسألة، فقد نصت على وجوب صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها خلال الموعد الـذي يتفق عليه أطراف التحكيم (وعادة يقوم الأطراف بتحديد تلك المدة ضمن اتفاق التحكـيم سـواء كان ذلك على شكل شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم مستقلة. كما يمكن للأطراف القيام بذلك بعـد البدء في إجراءات التحكيم وذلك فيما لو قام الأطراف تحت إشراف هيئة التحكيم بصياغة وثيقـة تحديد المهام). وفي الأحوال التي لا يوجد فيها اتفاق بين الأطراف على مدة معينة فإن القـانون المصري يلزم هيئة التحكيم بوجوب إصدار الحكم خلال 12 شهراً تبدأ من تاريخ بدء إجـراءات التحكيم.

    أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فنجد أن المادة (210) من قانون الإجراءات المدنية المتعلق بالتحكيم بالإمارات العربية المتحدة، الباب الثالث المتعلق بالتحكيم، حيث ترك القـانون للأطراف حرية تحديد المدة التي يتوجب خلالها إصدار حكم التحكيم، لكنه أيضاً نص على أنه في حالة عدم الاتفاق فيجب أن يصدر الحكم خلال ستة أشهر من تاريخ جلـسة التحكيم الأولـى؟. وتجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة الآن بصدد إصدار قانون تحكـيم جديـد مستقل عن نصوص قانون الإجراءات المدنية، ولدى الإطلاع على المشروع تبين أن المادة (46) منه قد تبنت نفس اتجاه القانون المصري ولكن مع تعديل على مدة الأجل.

  1. إمكانية مد الأجل المحدد لإصدار حكم التحكيم:

      قد يحدث أثناء إجراءات التحكيم أحوال تتسبب في تعطيل إجراءات التحكيم وإطالـة أمـده، منها ما يعود للمماطلات التي قد يتسبب بها المدعى عليه الذي لا يرغب في الـسير بـإجراءات التحكيم، أو بسبب كبر حجم المذكرات وصعوبة وتعقيدات موضوع النـزاع أو تطلبـه لإجـراء الخبرة أو انتقال هيئة التحكيم إلى مكان تنفيذ العقد الذي قد يتطلب السفر إلى دول متعددة، كـذلك فقد تحدث أحوال يتعذر فيها على أحد أعضاء هيئة التحكيم الاستمرار بإجراءات التحكيم بـسبب عزله أو اعتزاله أو وفاته مما يتطلب وقتاً لتعيين محكم بديل وتمكينه من متابعة الحالة التي وصل إليها التحكيم. مثل هذه الظروف قد تخرج إجراءات التحكيم عن مسارها وبالتالي قد يصدر حكم التحكيم خارج إطار المدة الزمنية المحددة بإتفاق الأطراف أو التي حددتها القواعد التـي تحكـم إجراءات التحكيم، خاصة وأن ذلك يحدث عادة دون انتباه من الأطراف أو أعضاء هيئة التحك لضرورة تقديم طلب لوقف إجراءات التحكيم خلال مثل هذه الظروف وقبل نهاية الأجل. وهنا تركت أغلب قوانين التحكيم وقواعد التحكيم المؤسسي فرصة تسمح بطلب تمديد الأجل المحـدد للتحكيم ولكن ذلك يختلف من حيث شروط التمديد والسلطة التي يمكن لها أن تمـنـح مثـل ذلـك التمديد.

    فقانون التحكيم الانجليزي لسنة 1996 يسمح بتقديم طلب إلى المحكمة المختصة لتمديد المدة الواجب خلالها صدور حكم التحكيم من هيئة التحكيم (بعد إعلام الأطراف)، أو من أي طرف في إجراءات التحكيم (بناء على إعلام الهيئة وباقي الأطراف)، ولكن ذلك مشروط بإستنفاذ كافـة إجراءات التحكيم المتاحة للحصول على تمديد الأجل. وتصدر المحكمة قرارها إذا اقتنعت بـأن الأمر بخلاف ذلك قد يؤدي إلى ظلم فاحش. وهنا تقوم المحكمة بتمديد هذه الفترة وفقاً للشروط التي تجدها ملائمة، ويجوز لها القيام بذلك بغض النظر عما لو كانت المدة المحددة في السابق قد انتهت أو لم تنته بعد (سواء كان ذلك التحديد قد تم بالإستناد للإتفاق أو بموجب حكم سابق).

    أما قانون التحكيم المصري، وكذلك الحال في قانون التحكيم الأردني، فإنه يجيز للأطـراف مد أجل التحكيم بإتفاقهم على ذلك، كما يجيز لهيئة التحكيم أن تقرر التمديد من تلقاء ذاتها حتى لو لم يطلب منها ذلك أحد الأطراف على أن لا تزيد فترة المد عن ستة أشهر.

    وفي الإمارات العربية المتحدة لم يترك قانون الإجراءات المدنية للمحكمين نفس القدر مـن السلطة إذ لا تستطيع الهيئة مد أجل التحكيم وذلك ما لم تكن مفوضة بذلك من الأطراف وفي تلك الحالة يشترط عليها أن تلتزم بحدود تلك الإجازة.

    أما في قواعد التحكيم المؤسسي، نجد أن المادة (24).(2). من قواعد غرفة التجارة الدولية ICC تجيز لمحكمة المركز أن تمدد الأجل وذلك بناء على طلب مسبب تقدمه هيئـة التحكـيم أو بناء على ما تقدره وذلك إذا وجدت أن ذلك ضرورياً.

    كذلك الحال بالنسبة إلى قواعد مركز دبي للتحكيم الدولي DIAC حيث تنص المـادة (36) أنه يجوز لهيئة التحكيم بمبادرة منها أن تجدد المهلة الزمنية لستة أشهر إضافية. كما يجوز للجنة التنفيذية في المركز أن تقرر تمديد المهلة لفترة إضافية أخرى بناء على طلب مسبب من الهيئة أو بمبادرة من اللجنة التنفيذية إذا قررت أنه من الضروري القيام بذلك.

    بينما تتطلب المادة (63).(ج). من قواعد المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو/ WIPO) من هيئة التحكيم أن ترسل مذكرة كتابية إلى المركز تشرح فيها أسباب التأخير مع نسخة لكـل طرف وذلك في حالة تأخر الهيئة بإصدار الحكم خلال ثلاثة أشهر بعد اختتام الإجراءات، وعليها أن تستمر بإرسال مذكرات إضافية ونسخة لكل طرف في نهاية كل فترة لاحقة مدتها شهر واحد إلى أن يتم اتخاذ قرار التحكيم النهائي.

     وفي الأحوال التي لا يصدر فيها حكم التحكيم خلال الميعاد المحدد أو خلال التمديد الـذي يسمح به الأطراف أو تقرره هيئة التحكيم فإنه يجوز لأي من طرفي التحكـيم أن يطلـب مـن المحكمة المختصة أن تحدد ميعاداً إضافياً لإصدار حكم التحكيم، ويعد ذلك بمثابة شبكة الحمايـة التي قد تنقذ حكم التحكيم من عيب البطلان وذلك إذا وجدت المحكمة أن ذلك يحقق العـدل وأن التمديد مقبول لأسباب ملائمة.

    وحيث أن مجرد اتفاق الأطراف على تطبيق أحكام قواعد مركز تحكيم دائم يحـل محـل اتفـاق الأطراف الذي قد يرد في نص شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم على تحديد المـدة، وتصبح قواعـد مؤسسة التحكيم التي تسمح لهيئة التحكيم أو لمركز التحكيم القيام بتجديد ومـد أجـل التحكـيم بمثابـة الشروط المتفق عليها مسبقاً وامتداداً لبنود اتفاق التحكيم. وأرى أنه في الأحوال التي يتم فيهـا تجـاوز الأجل المحدد لإصدار حكم التحكيم وفقا لقواعد مركز تحكيم دولي معين فإنه يمكن الجدل بأن ذلك قـد يترك فرصة أمام الأطراف للطلب من محكمة الدولة التي يجري على إقليمها التحكيم أن تمد إجـراءات التحكيم وذلك بالإستناد إلى نصوص القانون كما هو الحال في نص المادة (50) مـن قـانون التحك الانجليزي والمادة (45) من قانون التحكيم المصري والمادة (37) من قانون التحكيم الأردني. یم

  1. الآثار القانونية التي تترتب على انتهاء إجراءات التحكيم وتجاوز مدة إصدار حكم التحكيم النهائي:

     إن حرص التشريعات وقواعد التحكيم المؤسسي على تحديد أجل زمني لإصدار حكم التحكيم يهدف إلى الضغط على المحكمين لإكمال عملهم بكفاءة وتقليل فرصة تعطيل وتأخير إجـراءات حل النزاع. وبالتالي ضمان تحقق أهم إيجابيات التحكيم التي تميزه عن القضاء وهي توفير الوقت والجهد والمال. لكن لا بد من التذكير هنا أن وضع إجراءات التحكيم داخل إطار زمني محدد قد يكون له آثاراً عكسية وخيمة. إذ يرى بعض الفقه الدولي أنه في أحوال معينة، خاصة إذا كانت هيئة التحكيم مكونة من ثلاثة محكمين، فإنها قد تحتاج إلى وقت أطول من الفترات القصيرة، مثل 3 أشهر أو 6 أشهر، وقد تجبر الهيئة على العمل وفقاً لجدول زمني ضيق مما قد يؤدي إلى دفعها إلى إصدار قرارها بسرعة دون الأخذ بالإعتبار مراعاة قواعد العدالة أو مـنـح المـدعى عليـه فرصة كافية لتقديم بيناته.

     ويكمن الخطر الحقيقي في احتمالية انتهاء المدة المحددة لإصدار حكم التحكيم، دون تجديد أو تمديد لتلك المدة، مما يعرض الحكم للبطلان وعدم قبول التنفيذ. وبالرغم من أن الفقه الدولي يشير إلى أن التطبيق العملي أثبت أن المحاكم في العديد من الدول لا تميل إلى إبطال حكم التحكـيم إذا كان السبب يعود فقط إلى تأخر المحكم في إصداره خارج نطاق المدة الزمنية المتفق عليها بـين الأطراف. إلا أنه لا يمكن التعويل على هذا القول، إذ أن هناك العديد من القرارات التي تشير إلى أن المحاكم قد أبطلت أحكام تحكيم وذلك على أساس أنها قد صدرت بعد تجاوز المدة المتفق عليها أو التي قررها القانون. ونجد أن العديد من القوانين العربية قد نصت صراحة أو ضـمناً على إمكانية إنهاء إجراءات التحكيم بسبب تجاوز الأجل المحدد لإصدار حكم التحكيم، و وأخطـر من ذلك، نجد في أغلب قوانين التحكيم العربية نص يجيز لأي من الأطراف إحالة النـزا المحكمة المختصة للنظر في موضوع النزاع بدلا من التحكيم .

    وبالرغم من أن البعض يعتقد بأن هذا يشكل حلاً عملياً لازماً لمواجهة إمكانية إعادة التحكيم ودخوله في حلقة مفرغة من الإجراءات الباطلة الغير قابلة للتنفيذ، وبالتالي يكون من الأسلم إنهاء إجراءات التحكيم وإحلال القضاء محل اتفاق التحكيم. ويضاف إلى هذا الاتجاه بأنه يرى بتجاوز الأجل المحدد لإصدار حكم التحكيم هو مخالفة لشروط اتفاق الأطراف على التحكيم، كمـا أنـه يؤدي إلى انتهاء سلطة المحكمين على إجراءات التحكيم ولا يعود لهيئـة التحكـيم الاختـصاص لإصدار حكم تحكيم النهائي مما يستدعي وجوب إنهاء اتفاق التحكيم وإحالة النزاع إلى القـضاء المختص أصلاً بنظر النزاع.

    لكن لا بد من توخي الحذر هنا من هذه النصوص، إذ أن تطبيقها قد يؤدي إلـى إعـادة أطراف النزاع إلى نقطة الصفر، بل وأكثر من ذلك فهو يضع الأطراف في الحالة التي رغبـوا أصلاً بتجاوزها من خلال اتفاقهم على التحكيم بدلاً من اللجوء إلى المحاكم. لـذلك كانـت هـذه المسألة من النقاط التي أقترح فيها على واضعي مشروع قانون التحكيم الإماراتي أن يتم إضـافة ما يفيد جواز اتفاق الأطراف على عدم جواز إحالة النزاع إلى المحكمة المختصة وذلك في حالة إنهاء إجراءات التحكيم، لتصبح صياغة الفقرة كالتالي:

 مادة (43)

    2- إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في البند (1) من هذه المادة، جـاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة أن يصدر أمـراً بتحديـد ميعـاد إضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم ويكون لأي من الطرفين عندئذ رفع دعـواه إلـى المحكمـة المختصة أصلاً بنظرها، ما لم يتفق على خلاف ذلك. ونأمل أن يتبنى مشروع قانون التحكـيم الإماراتي هذه المسألة وذلك لترك الخيار للأطراف فيما لو كانوا لا يرغبون في تحويل نـزاعهم للقضاء لمجرد صدور حكم المحكمين خارج إطار المدة الزمنية المتفق عليها أو التـي يحـددها القانون.

    وبالتالي فإن هذه الإضافة تسمح بتحقيق كل من الاتجاهين إذ أنه يساير اتجـاه القـوانين العربية الدارجة في بعض الدول العربية، وهو بنفس الوقت يترك مجالاً للأطراف للـنـص فـي اتفاقهم على أن بطلان حكم التحكيم النهائي لا يؤدي بالضرورة إلى إحالة النزاع إلـى القـضاء. ومن تدقيق النظر في نصوص القوانين العربية نجد أنها تركت للأطراف مثل هذه الحريـة إذ أن النصوص تشير إلى أنه يكون لأي من الطرفين رفع دعواه أمام المحاكم، وهو نـص جـوازي وليس إجبارياً.

  1. خلاصة:

    لا بد في ختام هذه الورقة أن نتطرق لمسألة أتعاب المحكم في حالة انتهاء مدة التحكيم دون إصدار الحكم النهائي؛ إذا لم يقم المحكم بإصدار حكم التحكيم خـلال المـدد المحـددة بإتفـاق الأطراف، أو (في حالة غياب أي اتفاق) فخلال المدة المحددة بموجب القواعد التي تسري علـى التحكيم، فإنه يكون بذلك قد أهدر حق الأطراف بالحصول على حكم تحكيم قابل للتنفيذ وبالتالي قد لا يستحق المحكم أية أتعاب عما أداه عن عمل ناقص. ولكن مع ذلك هناك استثناءات على هـذه الحالة وذلك فيما لو كان انقضاء المدة كان ناتج عن أسباب لا تعود لإهمال وتقصير هيئة التحكيم يم إنما يكون سببها عدم تجاوب أطراف النزاع مع الهيئة بالرغم من قيامها بعملها، وفـي المؤسسي، يقوم المركز ببحث مدى استحقاق الهيئة لأتعابها عن العمل الذي أدته، وفـي أحـوال خاصة قد يحكم المركز للهيئة بنسبة من مجموع الأتعاب التي تم إيداعها من قبل أطراف النـزاع على حساب الدعوى.

    لذلك على هيئة التحكيم دوماً أن تقدر الوقت المطلوب لإنجاز مهمتها ويتم ذلك عـادة عنـد بداية الإجراءات من خلال صياغة شروط تنفيذ المهمة terms of reference، أو مـن الحصول على موافقة المحكمة المختصة لمد الفترة، وعلى المحاكم أن تقبل مـنـح التمديـد بكـل مرونة إذا وجدت أن عكس ذلك سيؤدي إلى ظلم فاحش وذلك وفقاً للإتجاه الذي أتبعـه القـانون الإنجليزي وهو في رأيي يقدم أفضل الحلول في هذا الشأن.

   كذلك على الأطراف والمحكمين مراعاة المسائل التالية:

- مراقبة المدد ومعرفة وقت بدايتها وانتهائها بدقة، إذ لابد من التعامل المـدد بحـذر أثنـاء إجراءات التحكيم.

- الأخذ بالاعتبار إمكانية تجديد (مد) الوقت المحدد لإصدار حكم التحكيم وكيفيـة طل والجهة التي يمكن لها الموافقة على ذلك (مثال مراكز تحكيم).

- ضرورة الانتباه أثناء الإجراءات للحالات التي قد توقف إجراءات التحكيم وضـرورة طل وقف الإجراءات رسمياً وتأكيد ذلك كتابة في حالة ظهور أي عارض.

- يجب تحديد المدد الزمنية بشكل منطقي وأن لا يفرض على المحكمين مـدد زمنيـة قـصيرة لإستعجال إصدار حكم التحكيم دون اهتمام بنوعية القرار

- إذا كان لا بد من تحديد مدة زمنية لإصدار حكم التحكيم (سواء في اتفاق التحكيم أو بموج القواعد القانونية الواجبة التطبيق) فإنه من المفضل ربط المدة بوقت يبدأ من تاريخ الانتهاء من سماع كافة البينات وليس من وقت تعيين هيئة التحكيم أو تاريخ إحالة ملـف الـدعوى لهيئـة التحكيم، وذلك لمنع المدعى عليه من محاولة تعطيل الإجراءات إلـى حـين انتهـاء الفتـرة الزمنية.