هناك فئة أخرى من أسباب الطعن بالحكم التحكيمي رسمها نظام التحكيم السعودي لا تعود لإتفاق التحكيم، وإنما تعود لخصومة التحكيم ذاتها، وهي أسباب تستند بطبيعتها إلى المخالفات التي تلحق بسير الدعوى التحكيمية ذاتها، أو بإجراءاتها، أو بالحكم الصادر فيها، وهي تؤدي إلى بطلان الحكم التحكيمي، إذا تم الطعن بها من قبل أحد طرفي التحكيم، وهذه الأسباب ترجع إما لعدم احترام حقوق الدفاع، أو لتشكيل الهيئة التحكيمية على نحو يخالف النظام، وما اتفق عليه طرفي التحكيم، أو لوجود البطلان في الحكم التحكيمي ذاته، أو في إجراءاته، أو لوجود مخالفة للشريعة الإسلامية أو النظام العام في المملكة العربية السعودية، وسنتناول هذه الأسباب على نحو موجز وهي:
السبب الأول: إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه ، فقد اشترط نظام التحكيم السعودي - كغيره من قوانين التحكيم - تحقيق مبدأ الوجاهية بين الخصوم، إذا يعد صورة من صور الحق في الدفاع، أي شرطا لممارسته، وبدونه لا تتوفر للإطراف خصومة عادلة، ويعد من أهم الالتزامات التي يجب على الهيئة التحكيمية أن تحرص عليها أثناء سير الخصومة، فقد أوجب نظام التحكيم السعودي على الهيئة التحكمية، أن تعامل طرفي التحكيم على قدم المساواة، وتهيئ الفرصة الكاملة والمتكافئة لكل منهما لعرض دعواه و دفاعه ، وعليه فلا بد من تبليغ طرفي النزاع تبليغاً صحيحا بتعيين المحكم، وبإجراءات التحكيم، مما يحقق مبدا الحفاظ على حقوق الدفاع للأطراف.
كما يعني هذا المبدأ؛ أن تمكن الهيئة التحكيمية كل طرف من أطراف التحكيم من العلم بما لدى الطرف الآخر من وسائل الدفاع والحجج، وأن يكون هذا العلم أو إمكانيته في وقت مناسب يمكنه من الرد على ما قدمه خصمه، كما يشمل تمكين الأطراف من الاطلاع على ما اتخذته من أدلة، وعلى الإجراءات التي تنوي اتخاذها، وتمنحهم الوقت الكافي لمناقشة الأدلة، والرد عليها، وإطلاعهم على أسماء الخبراء وتقاريرهم، وتمكينهم من الاعتراض عليها ومناقشتها .
ويبطل الحكم التحكيمي مهما كان سبب تعذر التبليغ الصحيح لأي طرف من طرفي التحكيم، يستوي في ذلك أن يكون السبب عائد إلى عدم التبليغ، أو عائد إلى أي سبب آخر خارج عن إرادة الطرف الذي لم يصله التبليغ .
وبحكم المحكمة المختصة ببطلان الحكم التحكيمي، بسبب تعذر تقديم الدفاع من أي طرف من طرفي التحكيم، يزول الحكم المحكمي، وتزول معه حجيته وآثارها.
وعليه فقد أوجب نظام التحكيم السعودي على الهيئة التحكيمية التقيد بما اتفق عليه طرفا التحكيم من القواعد الموضوعية لفض النزاع بينهما، وإلا كان الحكم التحكيمي معرضاً للبطلان؛ بسبب استبعاد الهيئة التحكيمية في حكمها تطبيق قاعدة من القواعد الموضوعية المتفق على تطبيقها على موضوع النزاع بين طرفي التحكيم.
وبحكم المحكمة المختصة ببطلان الحكم التحكيمي بسبب إستبعاد حكم التحكيم تطبيق أي من القوات الموضوعية التي اتفق طرق التحكم على تطبيقها على موضوع النزاع، يزول الحكم التحكيمي، وتزول معه حجيته وآثارها.
اشتري نظام التحكيم السعودي في المحكم الشروط التالية :
الشرط الأول: أن يكون كامل الأهلية.
الشرط الثاني: أن يكون حسن السيرة والسلوك
الشرط الثالث: أن يكون حاصلا على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية، وذلك في حالتين :
الحالة الأولى: إذا كانت السنة التحكيمية مكونة من محكم واحد .
الحالة الثانية: إذا كانت الهيئة التحكيمية مكونة من أكثر من محكم، فلا يشترط هذا الشرط إلا في رئيس الهيئة التحكيمية دون بقية أعضائها .
وتختلف إجراءات إختيار الهيئة التحكيمية بحسب نوع التحكيم الذي اختاره اطراف النزاع، فإذا كان تحكيما مؤسسية، فيتم الاختيار وفقا للقواعد التي تتبعها المؤسسة التحكيمية في اختيار المحكمين، وغالبا ما تعد المؤسسة التحكيمية قائمة بأسماء المحكمين المسجلين لديها ، وهم عادة ما يكونوا من ذوي الاختصاص والخبرة والمعرفة بالمعاملات والقوانين التجارية، ويختار أطراف النزاع من بينهم محكميهم.
وفي حال لم يتفق أطراف النزاع على اختيار المحكمين، فقد نص نظام التحكيم السعودي على قواعد لتشكيل الهيئة التحكيمية، وهي بإيجاز:
القاعدة الاولى: إذا لم يعين أحد طرفي النزاع محكمه خلال الخمسة عشر يوما التالية لتسلمه طلبا بالتعيين من الطرف الآخر، تولت المحكمة المختصة اختياره، بناء على طلب من يهمه التعجيل، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب ، ويكون قرار المحكمة المختصة باختيار المحكم في هذه الحالة غير قابل للطعن فيه إستقلالا، أو بأي طريق من طرق الطعن .
القاعدة الثانية : إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث، خلال الخمسة عشر يوما التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تولت المحكمة المختصة اختياره، بناء على طلب من يهمه التعجيل، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب ، ويكون قرار المحكمة المختصة باختيار المحكم الثالث في هذه الحالة غير قابل للطعن فيه إستقلالا، أو بأي طريق من طرق الطعن .
القاعدة الثالثة : يكون للمحكم الذي اختاره المحكمان، أو الذي اختارته المحكمة المختصة ، رئاسة الهيئة التحكيمية، وذلك إذا شكلت الهيئة من ثلاثة محكمين أو أكثر .
وعليه إذا حكمت المحكمة المختصة ببطلان الحكم التحكيمي بسبب تشكيل الهيئة التحكيمية، أو تعيين المحكمين على وجه مخالف لنظام التحكيم، أو لما اتفق عليه الطرفان، فإن الحكم التحكيمي يزول، وتزول معه حجيته وآثارها.
السبب الرابع: إذا فصل الحكم التحكيمي في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم ، فالهيئة التحكيمية تستمد سلطتها عند الفصل في النزاع المعروض عليها من إرادة الأطراف في اتفاق التحكيم، فهي المصدر الأساس لسلطة الهيئة التحكيمية، وعليه تلتزم الهيئة التحكيمية عند الفصل في النزاع بالنطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم، وأن تصدر حكمها في حدود مسائله التي اتفق عليها الأطراف في اتفاق التحكيم، فلا يجوز لهيئة التحكيم أن تخرج عن المهمة الموكولة اليها، أو تفصل في مسألة لم يتفق الأطراف على الفصل فيها أمامها ، "هيئة التحكيم لا تملك سلطة المحكمة العامة في تطبيق مبدأ أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع ، فإذا تجاوزت الهيئة التحكيمية النطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم، كان حكمها بهذا السبب معرضا للبطلان.
وقد فرق نظام التحكيم السعودي في حال كان الحكم التحكيمي باطلا في جزء منه دون بقية الأجزاء بسبب فصل الهيئة التحكيمية في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، بين حالتين
الحالة الأولى: إذا أمكن فصل الجزء الباطل بسبب خروج الهيئة التحكيمية عن النطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم عن باقي أجزاء الحكم التحكيمي، فيزول ذلك الجزء الباطل من الحكم، وتزول معه حجية، وما لها من الآثار، وتبقي الأجزاء الصحيحة من الحكم التحكيمي، وتستقر لها الحجية بما لها من أثار.
الحالة الثانية: إذا تعثر فصل أجزاء الحكم التحكيمي الباطلة عن أجزائه الصحيحة، فيبطل الحكم التحكيمي في كل أجزائه، ويزول وتزول معه حجيته وآثارها.
وهو ما قضت به محكمة إستئناف القاهرة في تسبيب حكم لها بالقول (لما كان حكم التحكيم قد تصدى للفصل في مسألة مكان العلامة التجارية هوست مارك للشركة المدعى عليها، بأن أورد بمدوناته؛( أن الشركة المحتكمة تمتلك العلامة التجارية محل الاتفاقية منذ 1999/2/28م، وهو تاريخ عقد إدارة الفندق الذي تمتلكه الشركة المحتكم ضدها، وأنها قامت بالتوقيع على الاتفاقية حتى ثار النزاع المذكور في الدعوى الماثلة دون أن ينازعها أحد في الملكية، ومن ثم فإن نعي الشركة المحتكمة للعلامة، ومن ثم عدم حقها في منح ترخيص حق استغلالها ينافي صحيح القانون) ، ومن ثم فإنه يكون قد تصدى للفصل في أمر لم يكن واردا في اتفاق التحكيم؛ وهو ما إذا كانت الشركة المدعى عليها تمتلك العلامة التجارية هوست مارك من عدمه، وكان يتعين على هيئة التحكيم وقف السير في موضوع التحكيم، حتى تقرر المحكمة المختصة ما إذا كانت الشركة المدعى عليها تمتلك هذه العلامة من عدمه، أما وأنها قد فصلت في هذا الشأن، وهو الذي أدى بها إلى القضاء بإلزام الشركة المدعية بمبلغ ستة وثلاثين ألف دولار أمريكي، وكان لا يمكن فصل هذا الجزء- ملكية العلامة التجارية - عن القضاء بالإلزام، فإن الحكم يكون باطلا في كل أجزائه، سواء ما تعلق بالمسائل الخاضعة للتحكيم أو الغير خاضعة متعينا معه والحال كذلك القضاء ببطلان حكم التحكيم المطعون فيه ) .
السبب الخامس: إذا لم تراع الهيئة التحكيمية الشروط الواجب توفرها في الحكم، بحيث أثر ذلك في مضمون الحكم ، إذ يعد الحكم التحكيمي المرحلة النهائية لمختلف المراحل الإجرائية التى تمر بها العملية التحكيمية .
فإذا حكمت المحكمة المختصة ببطلان الحكم التحكيمي بسبب أن الهيئة التحكيمية لم تراع الشروط الواجب توفرها في حكم التحكيم، بحيث أثر ذلك في مضمون الحكم، فإن الحكم التحكيمي يزول ببطلانه، وتزول معه حجيته و آثارها.
وهذه الفئة من الإجراءات التي يترتب على الإخلال بها بطلان الحكم التحكيمي، تعود في مجملها إلى المبادئ الأساسية في التقاضي، كمبدأ المساواة بين الخصوم، فقد أوجب نظام التحكيم السعودي على الهيئة التحكيمية أن تعامل طرفي التحكيم على قدم المساواة، وتمكن كل طرف تمكينا كاملا ومكافئا للطرف الآخر من عرض دعواه أو دفاعه .
ومن هذه الفئة مبدأ حقوق الدفاع، ويعني هذا المبدأ أن تمكن الهيئة التحكيمية كل طرف من طرفي التحكيم من أن يعلم بما لدى الطرف الآخر من وسائل دفاع وحجج، وأن يكون هذا العلم أو إمكانيته في وقت مناسب، يمكنه من الرد على ما قدمه خصمه، كما يعني هذا المبدأ أن يعطى كل طرف الحق الكامل في إبداء دفاعه، والرد على دفاع خصمه، وتقديم المستندات، والإطلاع على مذكرات خصمه ومستنداته، وتقديم الشهود، وطلب الخبرة، وتمكين خصمه رعليه إذا استند الحكم التحكيمي على إجراءات باطلة، أخلت بالمبادئ الأساسية للتقاضي التي راعاها المنظم السعودي في نصوص نظام التحكيم، وأوجب احترامها بحيث أثرت في الحكم التحكيمي، كان ذلك سببا لإبطال الحكم من المحكمة المختصة، وبالتالي زوال الحكم ببطلانه، وزوال حجيته وآثارها.
كما يجب أن لا يخالف الحكم التحكيمي النظام العام في المملكة العربية السعودية، كأن يفصل في مسائل مما لا يجوز التحكيم فيها، وكالحكم بالدين الناشئ عن عقد القمار أو عقد مشروبات كحولية، وكالحكم في مسألة تخرج عن ولاية الهيئة التحكيمية ، ونحوها من مخالفات النظام العام.
ويعد من النظام العام في المملكة العربية السعودية ما نصت عليه الشريعة الإسلامية في شتى المجالات، والأنظمة بجميع أنواعها، سواء كانت مدنية أو تجارية أو إدارية أو اقتصادية أو إجتماعية أو غير ذلك ، كما يجب أن لا يخالف ما أتفق عليه طرفا التحكيم في اتفاق التحكيم من القواعد الموضوعية والإجرائية.
السبب السادس : إذا كان موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب النظام ، فقد نص نظام التحكيم السعودي على المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم؛ وهي المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح ، فالمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية؛ مثل تقرير الحقوق المترتبة على الطلاق، أو المتعلقة بحضانة الطفل وحقوقه التي قررتها الشريعة الإسلامية على والديه، أما ما يتعلق بالمسائل المالية الناشئة عن الحقوق الشخصية أو المتعلقة بها، فإنه يجوز الفصل فيها بطريق التحكيم ، وبالتالي لا يعد الفصل في هذه المسائل المالية سببا لبطلان الحكم التحكيمي.
أما المسائل التي لا يجوز فيها الصلح؛ فهي كالجرائم واللعان بين الزوجين ونحوها، ويرى بعض الفقه أن تطبق القواعد العامة في الشريعة الإسلامية عند تحديد نطاق تلك المسائل، وبالرجوع إلى تلك القواعد العامة التي قررتها الشريعة الإسلامية نجد أن الصلح وقياسا عليه التحكيم، لا يجوزان فيما كان حقا خالصا الله- سبحانه وتعالى- كالعقوبات المقررة في جرائم الحدود، وكذلك المسائل التي يجتمع فيها حق الله- سبحانه وتعالى- وحق للعبد، سواء كان حق الله - سبحانه وتعالى- فيها اغلب كحد القذف، أو كان حق العبد فيها اغلب كالقصاص والتعزير، وكذلك التحكيم في تحديد المسؤولية الجنائية من عدمها، أو تحديد العقوبة الجنانية، أو في تحديد أهلية شخص معين بكونه بلغ سن الرشد أو لم يبلغه، أو بكونه كامل أو ناقص أومعدوم الأهلية، أو في كون شخص ما وارثا أو غير وارث، أو في تقرير نسب شخص معين .