ويتضح من النص أن التنظيم التكميلي للجمعية قد اعتد بتاريخ إنشاء الموقع الإلكتروني للدعوى على شبكة الإنترنت كتاريخ لبداية الخصومة التحكيمية، فتاريخ توجيه الطلب أو تاريخ استقباله لا يصلحان لتحديد تاریخ بدء الخصومة.
وقد اعتبرت أحكام الإجراءات التكميلية للتحكيم الإلكتروني بجمعية التحكيم الأمريكية أن تاريخ استقبال أي مستند على موقع الدعوى هو الأساس في تحديد تاريخ استلام هذا المستند، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، مع إقرار المحكم لهذا الاتفاق حيث يعتد بهذا التاريخ لحساب المدة الزمنية المتعلقة بإجراء معين.
فإذا قام المدعى عليه بتوجيه طلبات مقابلة على موقع الدعوى مثلا في أول فبراير، فإن المدعي ملتزم بالرد على هذه الطلبات خلال ثلاثين يوماً من هذا التاريخ وهو ما يبرز لنا أهمية دخول الأطراف والمحكمين على موقع الدعوى بانتظام.
أما بخصوص مقر التحكيم نجد أن المادة 10 من الإجراءات التكميلية الجمعية التحكيم الأمريكية نصت على عنوان مكان التحكيم Place of award) وتنص على أنه "لطرفي التحكيم الاتفاق كتابة على مكان التحكيم، مع ذكر المحكم لهذا المكان في الحكم وفي حالة غياب مثل هذا الاتفاق يتعين على المحكم تحديد مكان التحكيم مع ذكره في الحكم".
ويتضح لنا أن هذا النص يحد أفضل من ناحية الصياغة من النص المذكور في محكمة التحكيم عبر الإنترنت، حيث يتفق مع القواعد العامة التي تحتم ترك الحرية للأطراف لاختيار مقر التحكيم، فهذا النص يتحدث عن مقر التحكيم وليس مقر جلسات التحكيم بأكملها، وهو ما يمنح المحكمين مرونة في التجول وعقد جلسات التحكيم في أي مكان دون إثارة أية مشاكل، حيث تعتبر هذه الأماكن هي مقار لجلسات التحكيم وليس مكاناً لإصدار الحكم، ويتيح هذا النص أيضا إمكان النطق بالحكم في أي مكان آخر لكن بشرط ذكر هذا المكان في صلب حكم التحكيم الإلكتروني.
وهذا النص قد ميز بين فرضين:
الفرض الأول: اتفاق الأطراف على تحديد مكان إصدار حكم التحكيم الإلكتروني كتابياً، فيجب على المحكم الالتزام بما اتفق عليه الأطراف .
الفرض الثاني: عدم اتفاق الأطراف على تحديد مكان إصدار حكم التحكيم هنا يجب على هيئة التحكيم الإلكتروني التدخل وممارسة أحد أدوارها في تحديد المقر الذي يعتبر حكم التحكيم صدر فيه على أن يذكر مكان إصدار الحكم في صلب حكم التحكيم الإلكتروني.
ويجوز في الجمعية الأمريكية للتحكيم الإلكتروني عقد جلسات مرافعة للاستماع للشهود واستجوابهم، ولكن نجد أنه يجوز للمحكم إصدار الحكم استناداً للمستندات المقدمة من الأطراف، وهو مانصت عليه المادة 1/9 التي نصت على أنه " للمحكم أن يصدر الحكم استناداً إلى المستندات المقدمة من الأطراف، ما لم يطلب أحدهم إجراء مرافعة مع موافقة المحكم على ذلك ".
ولكن هذا الاتجاه به بعض الخطورة ، حيث يجب أن ينطوى التحكيم على ضرورة توضيح بعض الأمور الفنية أو إبراز بعض وقائع الدعوى من خلال المرافعة، لذلك أجاز النص للمتضرر طلب عقد جلسة أو جلسات مرافعة، ولكنه للأسف أخضع هذا الطلب للسلطة التقديرية للمحكم، وهذا يبدو غريبة في حالة اتفاق الأطراف على إجراء المرافعة، سواء كان الاتفاق سابقا على حدوث النزاع أم حتى أثناء النزاع، فهل يستطيع المحكم الإلكتروني رفض هذا الاتفاق؟.
ونرى أن المحكم يجب عليه الالتزام بإرادة الأطراف لأنه يستمد سلطته من اتفاق الأطراف، فإذا اتجهت هذه الإرادة إلى ضرورة عقد جلسات مرافعة أصبحت ملزمة للمحكم.
أما عن مكان انعقاد جلسات المرافعة نجد أن قواعد التحكيم التجاري التي تطبقها الجمعية في شأن التحكيم التقليدي بأنه على الرغم من أن خدمات الجمعية تقدم من كل مكاتبها الممتدة عبر معظم الولايات المتحدة، إلا إن المرافعة من الممكن أن تعقد في المكان المناسب للأطراف دون تقيد بالمدن التي توجد فيها مكاتب الجمعية.
ورغم هذا التيسير نجد أن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية شكك في إمكان عقد جلسات المرافعة الإلكترونية لارتفاع ثمنها، فإذا كان لجوء الأطراف المتزايد إلى التحكيم الإلكتروني هو أحد دوافعه انخفاض مصاريفه)، وهذه الميزة سوف يتم إجهاضها بعقد مرافعة عالية التكلفة إذا تمت الاستعانة بنظامی مؤتمرات الفيديو والتليفون، في حين يرى البعض الآخر أنه لا أهمية لهذه المآخذ موجها الشكر للإنترنت لانخفاض تكلفتها في السنوات الأخيرة بشكل مذهل.
وقد تساءل أعضاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عن إمكانية إصدار حكم التحكيم الإلكتروني دون مرافعة، وانتهوا إلى جواز ذلك مستشهدين بالمملكة المتحدة التي تعترف بنظام " التحكيم بالمستندات فقط ولكنهم عادوا إلى التحفظ على هذا المسلك جراء الفوائد الكبيرة التي يهدرها علم عقد جلسات مرافعة وأهمها:
1. تمكن المرافعة جميع الأطراف من تقديم أوجه الدفاع بطريقة شفوية وهو ما يسمح بالوصول للفهم الصحيح لأسانيد كل طرف، فالمرافعة وسيلة يتمكن بمقتضاها كل طرف من تفصيل حججه بالبيان الساطع للوصول إلى أقصى درجات التفاعل مع المحكم الإلكتروني.
2 . انعقاد التحكيم دون مرافعة يؤدي إلى إلغاء جميع الفوائد المترتبة على سماع الشهود، واستجوابهم بطريقة شفهية، كما يترتب على ذلك أيضا عدم الاستفادة من المناقشات التي قد يراد تبادلها مع الخبراء لاستجلاء بعض الأمور الفنية المرتبطة ببعض عناصر النزاع مما يؤدي إلى الانتهاك من حقوق الدفاع.
3. من المخاطر الرئيسية المرتبطة بإلغاء نظام المرافعة ترك المحكم الإلكتروني شريداً مع مجموعة من المستندات الصماء التي قد يكون بعضها محلاً لتأويلات كثيرة، وهو ما يلقي عليه بأعباء إضافية مضمونها الكشف عن القصد الحقيقي لأسانيد كل طرف وأدلته.
ونحن من جانبنا نؤكد على أهمية المرافعة باعتبارها نظاماً الغاية منه تيسير الفصل في الدعوى، فالمرافعة فكرة قانونية الهدف منها مساعدة المحكم والأطراف على حد سواء في إيجاد تسوية مناسبة، لذا فإن هذه الفكرة القانونية تتيح لكل طرف طرح ادعائه بالشكل المناسب مما يسهل على المحكم، حيث إن المرافعة ليست عداء لنظام التحكيم أو الأطراف أو المحكمين، بل هي من الأساسيات التي يقوم عليها نظام التقاضي، وأيا كان الأمر فإذا تقرر عقد جلسات مرافعة وامتنع رغم ذلك أحد الأطراف عن الحضور بغية إطالة أمد النزاع فإنه يتعين على هيئة التحكيم الإلكتروني أن تقرر الاستمرار في المرافعة حتى في الحالة التي آثر فيها أحد الطرفين الغياب.