الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / سرية جلسات التحكيم / الكتب / منصة التحكيم التجارى الدولى - الجزء الثالث / سرية جلسات وأوراق التحكيم

  • الاسم

    محيي الدين اسماعيل علم الدين
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

    247
  • رقم الصفحة

    195

التفاصيل طباعة نسخ

سرية جلسات وأوراق التحكيم

   عندما طرح قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية كمشروع ليناقشه مجلس الشعب، أبدى بعض القانونيين من أعضاء مجلس الشعب رغبة في تعديل المادة التى تقول أن المحكمين يعقدون جلسات لنظر قضية التحكيم، وطلبوا أن تكون العبارة "جلسات سرية" لأن التحكيم بطبيعته ،سرى، ولكن أجيب المعترض بأنه "يمكن للأطراف أن يضيفوا وصف السرية فى اتفاق التحكيم"، ولكن ليس معنى هذه الإجابة أنه إذا لم يوصف التحكيم بالسرية كان علنيا، بل من المتفق عليه أن سرية التحكيم جزء من طبيعته ولا يرتفع قيد الســـــرية إلا باتفاق الاطراف. كل هذا صحيح، ولكن الذى يدعو إلى التساؤل هو : هل يمكن رفع قيد السرية بحكم من القضاء؟ ذلك هو ما سنعرضه من خلال هذه القضية.

   حدث في استراليا أن كانت شركة أسو تقوم بتوريد مصــــــــادر للطاقة إلى مؤسستين تابعتين للدولة فى ولاية فيكتوريا وكانت هنــاك عقود بين الشركة وبينهما استمرت سارية مدة طويلة، تطورت خلالها الأسعار وطلبت الشركة زيادة فى أجر توريد الطاقة من المؤسستين فلم تستجيبا فاضطرت إلى إقامة تحكيم محلى ضدهما، ولم تبين التحكيم الأسس التي احتسبت عليها الزيادة المطلوبة طالبة تعهد المؤسستين بعدم إنشاء هذه الأسس عند الإدلاء بها. وكان وزير الطاقة بحكم تبعية المؤسستين له يريد معرفة التفاصيل. ورأت شركة أسو أن إذاعة هذه التفاصيل يضر بعلاقاتها مع الجمهور وأنها تريد الاحتفاظ

بالمستندات المقدمة أمام التحكيم في سرية عن غير أطراف التحكيم.

  وإزاء ذلك رفع الوزير دعوى أمام القضاء العادي طالبا الحكم علــــــى شركة أسو وعلى المؤسستين بتقديم المعلومات المتعلقة بتحديد زيادة سعر الغاز. وقدمت أسو طلبا للمحكمة باعتبار هذه المعلومات المتصلة بالتحكيم سرية. وقدمت المؤسستان طلبا مماثلا لطلب الوزير.

   وعند الفصل في هذه القضية في ۷ ابريل ١٩٩٥ اتفق القضاة على ان التحكيم تسوده الخصوصية والسرية. ولكن هذه السرية ليست مطلقة وإنما هي نسبية . ومن حق الوزير أن يطلب إعطاءه المعلومات التي يريدها حول زيادة الأسعار ولكن عند التسبيب اختلف القضـاة على النحو التالي:

   رئيس المحكمة ماسون يرى أن الخصوصية تعنى منع الغير من حضور جلسات التحكيم. أما السرية فهى تتعلق بالمستندات والمذكرات التي تقدم. ولا يوجد ارتباط بين الفكرتين، ويرى أنه لا يمكن أن تفرض السرية المطلقة على التحكيم، فهناك أشخاص يلتزمون بالسرية مثل المحكمين والأطراف. وهناك أشخاص لا يمكن أن تفرض عليهم السرية مثل الشهود ومثل المحكمة التى يطعن أمامها في حكـم التحكيم. كما أنه في بعض الأحيان يكون على أحد الطرفين التزام بالإفصاح عن مجريات التحكيم مثل المؤمن له الذى تريد شركة التأمين أن تعرف منه العناصر المطروحة على التحكيم بصدد الخطر المؤمن منه فتلزمه بشرط في وثيقتها يفرض عليه الإدلاء بهذه المعلومات.

   وأحد أعضاء المحكمة : القاضي برينان يرى أن الالتزام بالسرية التزام ضمني في اتفاق التحكيم، بينما الرئيس يرى أنه ليس التزاما ضمنيا وإنما أمر داخل في تكوين ذاته) ولكنه يتفق مع الرئيس في نسبية السرية وعدم إطلاقها ويقرر أربع حالات للسرية اثنتان منها متحققة في القضية المعروضة وهي:

   الحالة الأولى وهي وجود نص في القانون يفرض إعطاء المعلومات، وهذا موجود فى قانون إنشاء إحدى المؤسـستين وغير موجود في قانون إنشاء المؤسسة الأخرى ولكن الحالة التالية تنطبق عليها.

    والحالة الثانية وجود واجب الإفضاء بالمعلومات ولو كـــــــان واجبا غير مفروض بالقانون ولو كان واجبا أدبيا نحو أبناء الدولة. فمما لا شك فيه أن سكان ولاية فيكتوريا المعنية بالقضية يهمهم أن يعرفوا كيف تسير الأمور في المؤسسة التى تورد لهم الغاز لأن كــــــل زيادة في أسعار الغاز سوف تنعكس على الفواتير التي تأتيهم من هذه المؤسسة. فهناك واجب أدبى أو معنوى على المؤسسة أن تفصح للوزير وللجمهور عن هذه المسائل التي تعنيهم.

   والحالة الثالثة: هي عندما يكون الإفصاح عن محتويات المستند أو المستندات مطلوبا لحماية مصلحة أو مصالح مشروعة لأحد الطرفين.

   والحالة الرابعة: هي حالة تقديم مستند من أحد الطرفين للآخر مع موافقته على إذاعة بيانات هذا المستند صراحة أو ضمنا. 

  والعضو الثالث بالمحكمة هو القاضي توهى الذي يختلف جزئيا مع الرئيس ويقول أنه يوجد التزام ضمنى بالمحافظة على خصوصية التحكيم في اتفاق التحكيم ولكنه عنصر قانوني أو مسألة قانونية وليس مجرد عنصر مطلوب للفاعلية التجارية لاتفاق التحكيم. ويرى وجــود صلة قوية وارتباط بين خصوصية التحكيم والسرية فيه ولا يوجد أحدهما دون الأخر، ولو لم ترتبط السرية بالخصوصية لكان معنى ذلك أننا عندما نسمح لمن تصله معلومات عن أوراق التحكيم بأن يذيعها فكأننا قد فتحنا له أبواب القاعة التي يجرى فيها التحكيم.

   وإزاء هذه القضية الطريفة يمكن أن نقول إجابة عن الســــؤال الذي طرحناه ، هل يجوز رفع قيد السرية بحكم من القضاء، فالإجابــة أن هذا يمكن أن يحدث استثناء من قاعدة عامة هي السرية ولكنها سرية نسبية وليست مطلقة بمعنى أن لها استثناءات ترد عليها، وإذا وجد القضاء حالة من الحالات المستثناة من السرية أمكن أن يصــــــــدر حكما بجواز الإفضاء فيها بالمعلومات وأن يحدد نوعية المعلومات التي يمكن الإدلاء بها. أما في غير ذلك من الحالات فتبقى الســــرية هـي الأصل.