يتميز نظام التحكيم عن القضاء التقليدي بأنه يتم في إطار من السرية والخصوصية... بعكس المحاكم العادية التي تعقد جلساتها علناً وتكون مفتوحة للجمهور العادي... وهو ما يجعل موضوع النزاع بما قد يكتنفه من أهمية وأسرار تجارية أو غيرها من الأمور التي يخشى عليها الأطراف من التسرب إلى المنافسين أو حتى إلى وسائل الإعلام.... ولا شك أن البعد عن هذه الأجواء والمؤثرات يكفل لطرفي النزاع اطمئناناً أكبر على أسرارهم، فضلاً عن توفير مناخ مناسب للمحكمين للفصل في النزاع.
والالتزام بالسرية قائم في حق المحكمين حتى ولو لم يرد النص عليه صراحة في القانون المنظم للتحكيم. تنص المادة (۳/۲۹) من قانون التحكيم السوري على أن " تكون جلسات هيئة التحكيم سرية ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك " . ونصت المادة السابعة من قواعد السلوك المهني للمحكمين بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي علي أنه " لا يجوز للمحكم الاستفادة من المعلومات التي حصل عليها أثناء إجراءات التحكيم لتحقيق أي مغنم لنفسه أو للغير للمساس بمصالح الآخرين .. ولا يقتصر مبدأ عدم العلانية على الجلسات ولكنه يمتد أيضاً إلى ما يقدمه الأطراف من مذكرات ومستندات وما تحتويه من معلومات.
لكن هذا الرأي قد يكون مقبولاً في بلد وغير مقبول في بلد آخر... ولذلك قضي في سوريا بأن "عقد الجلسات وإصدار حكم تحكيمي في مكتبة عامة مباحة للعموم يكون مخالف لمبدأ السرية إبطال " .
ويشمل الالتزام بالسرية الأوراق والوثائق المقدمة إلى هيئة التحكيم والبيانات والمعلومات الواردة بها وكذلك ما يقدم لهيئة التحكيم من أدلة إثبات... وتتمتع بالسرية أيضاً المداولات التي دارت بين أعضاء هيئة التحكيم ، وهو التزام دائم على عائق المحكم ما لم يتفق طرفا التحكيم سوياً على الإفصاح عن الوقائع التي دارت في هيئة التحكيم.
والالتزام بالمحافظة على الأسرار المهنية التي تصل إلى المحكمين بحكم عملهم مسألة بالغة الأهمية في سلوك المحكم وفي سلوك الأطراف الذين يتعين عليهم أيضاً عدم إفشاء أسرار التحكيم الذي دارت وقائعه بينهم.
ولذلك تمنع قوانين التحكيم نشر أحكام التحكيم أو أجزاء منها دون موافقة أطرافها. وعلة هذا المنع واضحة لأن القضايا التحكيمية تتضمن أسراراً لا يجوز أن يطلع عليها غير ذوى الشأن ويصدق هذا بصفة خاصة في المجالات التنافسية تجارية كانت أم صناعية ...
وإذا كان الأصل في الالتزام بالسرية يقع على عاتق المحكمين. فانه يمتد أيضاً إلى غيرهم بحكم عملهم ويبدو ذلك واضحاً بالنسبة لمن يتولون القيام بأمانة مر هيئات التحكيم ولمن يقومون بالأعمال الإدارية وأعمال المساعدة الفنية في التحكيم المؤسسي من موظفي مراكز التحكيم ومؤسساته... فالالتزام بالسرية في حقيقته أوسع من أن يقتصر على المحكمين بل يمتد إلى غيرهم في سائر الحالات التي تكون المعلومات المتصلة بالتحكيم متداولة فيها بين غير المحكمين وأطراف التحكيم .