رغبة أطراف العلاقات البحرية في حل منازعاتهم في سرية لا توفرها لهم المحاكم القضائية في هذه الدولة أو تلك سواء بالنسبة لسرية الإجراءات أو بالنسبة لسرية الحكم الصادر عنها، حيث تتوفر في محاكم التحكيم سرية الجلسات، والتي تكون عادة قاصرة على أطراف النزاع ، حيث يفضل التجار البحريون أطراف المنازعات البحرية عدم کشف أسرارهم التجارية في ساحات المحاكم، سواء من حيث عقد جلساتها، أو من حيث حصر الأشخاص المشاركين فيما بينهم وبين مستشاريهم فقط دون إعطاء حق المشاركة فيها لغيرهم. رغبة أطراف العلاقات البحرية في حل منازعاتهم بسرعة لا تتوفر لهم في المحاكم القضائية التي تكتظ جداول جلساتها بأعداد كبيرة من القضايا والتي يتأخر الفصل فيها إلى سنوات مع ما يترتب على هذا التأخير من تعطيل الأموال المتنازع عليها، وفقدان الكثير منها. تتسم طبيعة النشاط البحري بالدولية، فقد تختلف جنسية الناقل عن جنسية الشاحن عن جنسية المرسل إليه عن جنسية السفينة وبالطبع فإن هذه الدولية أوجدت نوعا من عدم المعرفة بالأحكام القانونية الواردة سواء في قانون الشاحن أو الناقل وجعلت المحكم البحري يقع في مثالب منهج التنازع المقرر في القانون الدولي الخاص وتعقيداته وتشابكاته.
- إزدياد تدخل الدولة وأشخاصها المعنوية العامة في ممارسة الأنشطة
البحرية، بوصفها من أهم الأنشطة الاقتصادية التي قررت الدول المختلفة التدخل فيها، حيث لم تعد الدولة في هذا العصر الدولة الحارسة أو الدولة القاضية فقط بل أصبحت الدولة الناقلة والدولة الشاحنة والدولة المجهزة إلى غير هذه الأنشطة البحرية التي تمارسها الدولة وأشخاصها المعنوية العامة. على غرار الأشخاص الخاصة.
ومع ازدياد هذا التدخل من الدولة في مجالات المعاملات التجارية البحرية ، وحرصا من الدولة على عدم الوقوف أمام القضاء الوطني في دولة أخرى بصدد حل المنازعات التي تثور حتما عن هذه العلاقات. نظرا لاعتبارات سياسية أو سيادية، فقد وجدت الدولة واشخاصها المعنوية العامة في التحكيم البحري مهربا من القضاء الوطني في الدول الأخرى.
6- إن المحكم على خلاف القاضي، لا يلزم أن يكون رجل قانون، فالأطراف يمكنهم اختيار محكم له خبرة في مجال النشاط الذي يتعلق به النزاع، فقد يكون مهندسا أو ربانا أو طبيبا أو فنيا مما يجعله مؤهلا لفهم وإدراك طبيعة النزاع، والإمساك بأسبابه دون أن يكون مضطرا للاستعانة بالخبراء. وهو أمر لا غنى عنه إذا كان النزاع معروضا على القضاء.
٧- التحكيم الدولي يتجنب الصعوبات الناشئة عن اختلاف النظم الاقتصادية
والسياسية للدول، والمبادئ التي تتأثر بها القواعد القانونية في كل دولة، فهناك منازعات بين أفراد من دول قد يكون اقتصادها حر أو اقتصاد موجه، أو دول صناعية كبرى أو دول غير صناعية بالمرة، أو دول دخلها مرتفع وأخرى ذات دخل منخفض.
۸- رغبة أطراف العلاقات البحرية في تنفيذ الأحكام التحكيمية التي تصدر فاصلة في منازعاتهم بسهولة ويسر لا يتوافران بالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية؛ نظرا للاهتمام الدولي بالتحكيم وإبرام المعاهدات التحكيمية الدولية الثنائية والجماعية التي تلزم الدول باحترام اتفاقات التحكيم الدولي، وبالاعتراف بالأحكام التحكيمية الصادرة عنها وتنفيذها.
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عالم التحكيم البحري، بكل قوة، واصبحت نيويورك تمثل مكانة عالمية كبرى في هذا المجال على أساس أن كافة العقود البحرية النموذجية الأمريكية تحتوي على شرط لحم يقضي بالتحكيم في نيويورك لحل أية منازعة تنشأ عن هذه العقود.
وقد أنشأت جمعية المحكمين البحريين بنيويورك أسوة بجمعية المحكمين البحريين بلندن.
وفي فرنسا تم إنشاء غرفة التحكيم البحري بباريس بغرض حماية التكتلات البحرية الفرنسية من هيمنة هيئات التحكيم البحري الإنجليزية، ثم أنشأت غرفة التجارة الدولية مع اللجنة البحرية الدولية المنظمة للتحكيم البحري. والتي تميزت لائحتها التحكيمية بوجود العديد من لوائح التحكيم البحري المؤسسي.
هذا وتعمل مراكز التحكيم البحري المؤسسي والحر في لندن ونيويورك وباريس في إطار من المنافسة فيما بينها دون تعاون أو توحيد للأحكام المطبقة على التحكيمات البحرية الدائرة في كنفها العدم وجود معاهدات تحكيمية دولية تقوم بهذا التوحيد وتساعد على هذا التعاون .
بالإضافة إلى أن جهود التوحيد الأخرى التي بذلتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بشأن التحكيم الدولي والتي أسفرت عن وضع لائحة اليونسترال لعام 1976 والقانون النموذجي لعام 1985، ورغم أهميتهما البالغة في مستقبل التحكيم التجاري الدولي بصفة عامة والتحكيم البحري بصفة خاصة. إلا أنها تعد جهودا إرشادية أو اختيارية وليست إلزامية سواء بالنسبة للأطراف أو الدول من وأخيرا فإن المعاهدات البحرية الدولية التي جاءت موحدة للأحكام المطبقة على مختلف الأنشطة البحرية قد أتت خالية من النص على التحكيم كوسيلة لحل المنازعات البحرية، وإزاء خلو المعاهدات البحرية
على التحكيم البحري وعن تنظيمه فقد استقر التحكيم الدولية عن النص البحري الدولي في الدول سالفة الذكر على المبادئ الإجرائية المقررة في لائحة تحكيم قواعد اليونسترال في إطار من اتفاق الأطراف ومن القواعد القانونية المقررة في ذات الدول.
لهذه الأسباب وغيرها فقد قمت باختيار هذه الدول الثلاث انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بالإضافة إلى مصر (خاصة بعد صدور قانون التحكيم المصري الجديد) وذلك من أجل عمل دراسة بحثية بالنسبة التحكيم البحري في المنازعات البحرية الناشئة عن إبرام عقود الملاحة البحرية والتي خصصت منها عقود النقل والايجار والتأمين البحري .
والجدير بالذكر أن التحكيم البحري الدولي في الدول سالفة الذكر قد استقر على المبادئ الإجرائية للائحة تحكيم أي من المراكز التحكيمية الثلاث وذلك في إطار من اتفاق الأطراف. أو من القواعد القانونية المقررة في قوانين تحكيم الدول الثلاث السابقة التي تحكم التحكيمات التجارية الدولية بوجه عام وكان ذلك بسبب عدم وجود المعاهدات البحرية الدولية التي تنص على تنظيم عملية التحكيم البحري لاسيما وأن اتفاقية بروكسل لعام ۱۹۲4وكذلك البروتوكول المعدل لها سنة ۱۹۹۲قد أغفلا مسألة التحكيم في المنازعات الناشئة عن عقد النقل البحري تاركين تنظيم هذه المسألة للشروط الواردة في سند الشحن.
وحين صدرت اتفاقية هامبورج والتي تعرف بقواعد هامبورج ۱۹۷۸نجدها تجيز صراحة إمكانية اللجوء للتحكيم كوسيلة لحل المنازعات البحرية الناشئة عن عقود النقل البحري للبضائع حيث اشترطت الاتفاقية أنيكون هذا العقد نفسه خاضعا لأحكام الاتفاقية من خلال نص المادة ۲۲منها، كما حسمت الاختلاف بين القضاء في الدول البحرية الكبرى؛ وذلك عن مدى التزام حامل سند الشحن الصادر تنفيذا لمشارطة الإيجار بشرط التحكيم الوارد في المشارطة، وقد وضعت حلا واضحا مقتضاه عدم التزام حامل السند حسن النية بشرط التحكيم الوارد في مشارطة الإيجار إلا إذا تضمن السند ملاحظة خاصة ، وهذه الملاحظة لابد وأن تفيد التزام حامل السند بهذا الشرط كما أعطت للمدعي حق الاختيار للمكان الذي يجوز فيه اتخاذ إجراء التحكيم من بين عدة اختيارات حددتها حيث راعت مصلحة المدعى و المدعي عليه، كذلك ألزمت المحكم أو هيئة التحكيم بقواعدها في الفصل في الممتازکالا التي تنظرها. حيث لا يجوز تطبيق أي قواعد أخرى وطنية كانت أو دولية تتنافي أو تتعارض مع أحكام اتفاقية هامبورج. كما تنص الفقرة الخامس من اتفاقية هامبورج على الصفة الآمرة لكل من اختيار أماكن التحكيم والتزام المحكمين بقواعد الاتفاقية بحيث يعتبران جزءا ضروريا لكل شرط تحكيم أو اتفاق تحكيم بحيث لا يمكن إغفالهما أو التحلل منهما، وبالرغم من أن الاتفاقية قد حددت قواعد اختيار أماكن أو إجراء التحكيم عند إبرام عقد النقل وقبل نشوء النزاع إلا أنها أجازت لهما تغيير الاتفاقات المتعلقة بالتحكيم بعد نشوء النزاع دون التقيد بالقواعد السابقة.