رأي في الفقه التقليدي كان قد رفض ذلك، ومع الأسف لا يزال هناك من يؤيده ولذلك لا بد من مناقشته .
ذهب الرأي التقليدي في الفقه إلى أن قاعدة قاضي الأصل هو قاضي الفرع لا محل لتطبيقها في خصومة التحكيم، باعتبار أن ولاية المحكم محصورة فيما تنصرف إليه ارادة المتعاقدين، ولا يملك المحكم الفصل في مسألة متفرعة عن اتفاق التحكيم، طالما أنه لم يفوضه الأطراف في الفصل فيها، وإلا أخل بمبدأ حياده.
فلا يمكن قبول مثل هذا الرأي لأن الطلبات العارضة لا تدخل في نطاق الخصومة الأصلية إلا باتفاق الخصوم، إذن فالمسألة لا تزال اتفاقية. وولاية المحكم لا تستمد إلا من الاتفاق وما يتفرع عنه.
ورغم وضوح وقطعية هذه النصوص، إلا أن هناك رأي حديث لا يقوى على النقد ذهب رغم تشبثه - غير المبرر - بالطبيعة القضائية لخصومة التحكيم إلى أن النصوص الواردة في إمكانية تقديم الطلبات العارضة غير مبررة، رغم اتساقها - كما يذهب هذا الرأي - مع الطبيعة القضائية الخصومة التحكيم، لأن عمل المحكم وكيفية تعيينه تؤثر على سلطته في تعديل نطاق الخصومة، وساق عدة حجج واهية نستعرضها ثم نفذوها بسهولة.
الحجة الأولى: ذهب هذا الرأي إلى أن «المحكم لا يملك تعديل نطاق الخصومة ولو باتفاق الخصوم، إذا كان موضوع الطلب العارض أو الأضاف لا يجوز فيه التحكيم.
نلاحظ بداية الخلط الذي وقع فيه هذا الرأي بأن رادف بين الطلب العارض، والطلب الإضافي، مع أن الأخير نوع من جنس الأول والصحيح أن يقال الطلب الإضافي، والطلب المقابل ثم من الذي قال بأن المحكم هو الذي يعدل نطاق الخصومة؟
الصحيح أن الخصوم الذين يعدلوا نطاق خصومتهم، وعلى المحكم أن يقرهم على ذلك إعمالا لحق الدفاع الذي لا ينفك عن حق التقاضي، باعتباره الضمانة الأساسية من ضمانات التقاضي.
فضلا عن أن هذا الرأي قد أقحم عبارة توحي بعدم صحة التوجه السائد في قبول الطلبات العارضة بقوله « إذا كان موضوع الطلب مما لا يجوز فيه التحكيم، ذلك أن كافة الاتجاهات الفقهية والنصوص القانونية التي اجازت قبول الطلبات العارضة في خصومة التحكيم افترضت بديهية مسلمة لم يناقش فيها أحد هو أن يكون هذا الطلب مما يجوز فيه التحكيم، أصلا . ولذلك لم يكن ثمة معنى لهذه الحجة التي ساقها هذا الرأي.
الحجة الثانية: إن تعديل نطاق الخصومة يستوجب اتفاق جميع الخصوم ولا يملك المحكم الاستقلال بتعديل نطاق الخصومة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم فقط دون الآخر.
إن هذه الحجة بشقيها واهية، فالمحكم إذ يقبل الطلبات العارضة لا يكون قد استقل بتعديل نطاق الخصومة، وهو لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه، لأنه لن يجلب الطلب العارض بنفسه، فقاض الدولة لا يستطيع فعل ذلك، ومن باب أولى المحكم، وإلا يكون قد أخل بمبدأ حياده .
ومن ناحية أخرى فإن حرمان الخصم من تقديم طلب عارض بدعوی أنه سيعدل نطاق الخصومة بإرادته المنفردة، فيه إهدار المعنى الطلب، لأن الطلب دائماً تعبير عن رغبة أي أنه تعبير بالإرادة المنفردة، وأن القانون كما يسمح للمدعي بتقديم طلب إضافي بإرادته المنفردة، فإنه يسهم في نفس الوقت، وعلى قدم المساواة، وإعمالا لفكرة التوازن بين المصالح المتعارضة للمدعى عليه بتقديم طلب مقابل.
الحجة الثالثة: ذهب هذا الرأي إلى القول بأن المحكم يقبل أداء المهمة في ضوء النزاع المعروض عليه، وله الحق في رفض التصدي لأية منازعات جديدة قد تجاوز خبرته أو تقتضي جهداً ووقتاً إضافية وأتعابا جديدة.
أن هذه الحجة ليست حاسمة في رفض ما استقر عليه الفقه والقضاء والتشريع من أن محكم الأصل هو محكم الفرع، لأن المحكم الذي تعجز كفاءاته المهنية عن الفصل في نزاع معين يجب أن يتنحي، فان لم يفعل عزله الخصوم، إلا أن ذلك لا يعني عدم جواز قبول طلبات عارضة في كل خصومة تحكيم..
أما الوقت والجهد الإضافيين، فهما في كل الأحوال أقل من الجهد والوقت اللذين سيبذلهما صاحب المصلحة في الطلب العارض لو أجبرناه على تقديم الادعاء الذي يحمله هذا الطلب أمام محكمة أو محكم آخر، فضلا عن الخشية من تعارض الأحكام، فيكون قد بذل الجهد مرتين، والوقت مرتين وعاد بخفي حنين، وعلى كل الأحوال اعطى المشرع للمحكم سلطة عدم قبول الطلبات العارضة إذا كان من شأنها تعطيل الفصل في النزاع (م۳۲ تحكيم) أما مسألة أتعاب المحكم، فلا بأس من تعديل الاتفاق عليها أثناء أو بعد التحكيم، ليحصل المحكم على ما يستحقه لقاء أي جهد أو وقت إضافيين.
الحجة الرابعة: يذهب هذا الرأي إلى القول بأن الأصل أن تتحدد الخطة الإجرائية تبعا لطبيعة النزاع، وقد يتطلب تعديل نطاق الخصومة، تعديلاً جوهرياً في الإجراءات وهو ما لا يملك المحكم الاستقلال بإجراءه احتراماً لإرادة الخصوم وتوقعاتهم فضلاً عن تعقد وبطء الإجراءات | والرد على هذه الحجة يأتي منها، فالذي يعدل نطاق الخصومة هو الأطراف، وهم الذين يملكون أيضا تعديل الخطة الإجرائية، لأنهم هم الذين وضعوها أو على الأقل ساهموا في وضعها أو فوضوا المحكم في وضعها على نحو ما رأيناه تفصيلا في الفصل الأول من هذا البحث، وهذه الخطة - بطبيعتها
لا بد أن تكون في خصومة التحكيم خصوصا من المرونة بحيث تعدل لتلبي مقتضيات هذه الخصومة المرنة بطبيعتها. فالخطط الحربية قابلة للتعديل، فما بالنا بالخطة الإجرائية في خصومة التحكيم؟!! أما مسألة البطء والتعقيد، فهو تكرار لما سبق في الحجة السابقة، وقد رددنا عليه بما فيه الكفاية.
وبناء عليه يسلم الاتجاه الحديث المعاصر المتفق مع ما تقتضيه خصومة التحكيم من تحديد مرن لولاية المحكم في قبول اتساع نطاق الخصومة، وعدم التقيد بالنطاق الأولى لها، استنادا إلى الأسس الأربعة السابق بيانها وهي: مبدأ الاقتصاد الاجرائي، مبدأ حسن التقدير القضائي، مبدأ منع تعارض الأحكام، ومبدأ احترام حقوق الدفاع.
فالمشكلة لم تعد في تقرير مبدأ اتساع ولاية المحكم باتساع نطاق الخصومة ولكن اصبحت المشكلة في وضع الضوابط الكافية لتحديد ما يعتبر من الطلبات العارضة متصلا بموضوع النزاع على حد تعبير المشرع المصري في المادة ( ۲/۳۰) أو مرتبطة به برابطة كافية على حد تعبير المشرع الفرنسي "في المادة (4)، والمادة (۷۰) لأن عدم كفاية هذه الضوابط سيفتح الباب على مصراعيه لدعوى بطلان حكم التحكيم بسبب تجاوز المحكم حدود ولايته (۲) وفق المادة ( 3/1/2/34) من القانون النموذجي، والمادة (30/و) من قانون التحكيم المصري والقوانين التي حذت حذوه.