يُعد شرط الخبرة من الشروط التي تبعث على الثقة بحكم المحكم ومنحه سلطة تقرير حقوق الخصوم والتزاماتهم، ورغم أهمية هذا الشرط فإنه لا يندرج ضمن الشروط العامة الواجب توافرها في المحكم إلا في الحدود التي يقررها الخصوم .
وقد فطنت بعض الأنظمة المقارنة كقانون التحكيم السعودي إلى أهمية هذا الشرط فنصت المادة الرابعة منه على أنه..." يشترط في المحكم أن يكون من ذوى الخبرة..."، بل إن المادة الثالثة من اللائحة التنفيذية لهذا القانون اشترطت الخبرة القانونية بأحد المحكمين حال تعددهم بقولها..." ... وعند تعدد المحكمين يكون رئيسهم على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية والعرف والتقاليد السارية في المملكة"... وهو عين ما سلكه المشرع الأسباني في قانون التحكيم الصادر سنة ۲۰۰۳ والتي نصت المادة ١/١٥ منـه علـى ضرورة تعيين قانونيين ومحامين متمرسين في كل تحكيم وطني لتفصل فيه على مقتضى قواعد العدل والإنصاف، ما لم يتفق الأطراف صراحة على غير ذلك.
ولقد كان المشرعان السعودي والأسباني موفقان فيما ذهبا إليـه مـن اشتراط الخبرة في المحكم فنية كانت أو قانونية أو الجمع بينهما بما يحقق للتحكيم فاعليته وجدواه.
ونرى من جانبنا، لاسيما بشأن التحكيم في منازعات العقود الإدارية واتساقاً مع ما اقترحناه سلفاً بشأن أفضلية التشكيل الجماعي لهيئة التحكيم في هذا المجال أن يراعى في هذا التشكيل الجمع بين عناصر الخبرة الفنية بموضوع النزاع محل التحكيم، والخبرة القانونية كذلك... على أن يترأس العنصر القانوني هيئة التحكيم بحيث يمكنه الرد على دفوع الخصوم وتحقيق دفاعهم، وإنزال حكم القانون وما اتفق عليه الأطراف على واقعات النزاع، فضلاً عن تسبيب حكم التحكيم، وغير ذلك من الإجراءات والقواعد القانونية التي لا يتسنى لغير القانونيين البت فيها.
ومن ثم، فإننا نهيب بالمشرع المصري أن يتدخل بتعديل نص المـــــادة ١٦ من قانون التحكيم عبر إضافة فقرة رابعة لها نصها كالتالي... ٤/١٦ ".... وبالنسبة للتحكيم في المنازعات الإدارية تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء أحدهم على الأقل من رجال القانون، وتكون له رئاسة هيئة التحكيم".
ولا شك أن هذا التعديل المقترح يوازن بين اعتباري الحفاظ على خصوصية التحكيم باعتباره وسيلة سهلة لحل المنازعات بعيداً عن إجراءات التقاضي التقليدية من ناحية، وضمان فاعلية التحكيم وصحة ونفاذ أحكامه من ناحية أخرى.. لاسيما وأن المشرع المصري لا يجيز الطعن على حكم التحكيم إلا بدعوى البطلان دون غيرها، فضلاً عن أن المحكمة التي تنظر تلك الدعوى تقتصر مهمتها على مراجعة حكم التحكيم إجرائياً وليس موضوعياً مما يقتضى توافر الخبرة القانونية بهذا الصدد.