من أهم وسائل الإثبات في الدعاوى ذات الطبيعة الفنية هو الاستعانة بالخبير؛ فقد يكون له قول الفصل في الدعوى، فيكون عمود الحكم، ولذلك غني النظام بتنظيم مسألة تعيين الخبير والتقرير الذي يقدمه وتعاون الأطراف معه في المادة السادسة والثلاثين، ثم عرض في آخر الباب الرابع منه على مسألة وقف إجراءات التحكيم في المادة السابعة والثلاثين.
الأصل أن المحكم هو الخبير الأول في دعوى التحكيم، فالتحكيم نزاع فني في الغالب، ولذلك يلجأ الأطراف إلى المحكمين لعلمهم وخبرتهم في موضوع النزاع، ولكن بما أن المحگم غير مصرح له بالقضاء بعلمه الشخصي، كما أنه قد لا يكون ملماً بكافة جوانب الموضوع الفنية؛ لذلك أجاز النظام لهيئة التحكيم أن تستعين بخبير أو أكثر لاستجلاء بعض جوانب موضوع النزاع الفنية.
- ويجب أن يتوافر في الخبير الحيدة والاستقلال کالمحگم تماماً، ومن ثم يجب عليه الإفصاح لهيئة التحكيم وللأطراف عن أية ظروف قد تثير الشك حول حيدته واستقلاله.
- وقد نصت على حق هيئة التحكيم في الاستعانة بالخبراء المادة السادسة والثلاثون (فقرة 1) فقالت: " هيئة التحكيم تعيين خبير أو أكثر لتقديم تقریر مکتوب أو شفهي يثبت في محضر الجلسة في شأن مسائل معينة تحدد بقرار منها، وتبلغ به كلا من الطرفين، ما لم يتفقا على غير ذلك".
سسسس
إذا اتفق الأطراف على إلزام الهيئة الاستعانة بأهل الخبرة أو عدم تعيينهم، وجب الالتزام بذلك.
- كيفية تعيين الخبير:
عند التمعن في الفقرة (1) من المادة السادسة والثلاثين، نجد أنها قد نصت على أن يكون تعيين الخبير بأن تصدر الهيئة قراراً بذلك، ويثبت في محضر الجلسة.
ويتضمن هذا القرار البيانات التالية:
1) تحديد المسائل التي تشكل مأمورية الخبير.
2) صلاحيات الخبير وسلطاته.
3) موعد ابتداء وانتهاء مهمته .
4) تعيين اسم الخبير، وتحديد أتعابه، وتحديد مصروفات الخبرة.
- وفي حال تعدد الخبراء تحدد الهيئة طريقة عملهم.
- ويجب أن يبلغ الأطراف بقرار هيئة التحكيم الاستعانة بأهل الخبرة.
كيفية مباشرة الخبير مهمته:
يلتزم الخبير أثناء مباشرته لمأموريته بضرورة احترام مبدأ المواجهة، فتكون مباشرته بحضور أطراف التحكيم لكل إجراء أو اجتماع يعقده.
ويجب أن يلتزم باحترام مبادئ التقاضي الأساسية؛ كمبدأ المساواة، ومبدأ احترام حق الدفاع.
فقد نصت المادة السادسة والثلاثون فقرة (2) على أنه: "على كل من الطرفين أن يقدم إلى الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع، وأن يمكنه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو سلع أو أموال أخرى متعلقة بالنزاع".
وهذا الالتزام على طرفي التحكيم يوجب التزاماً على الخبير بأن يعلن الأطراف بموعد بدء أعماله، وأن يمنحهم الوقت المناسب لتقديم ما لديهم من أدلة.
وعندئذ يكون على الأطراف أن يقدموا إلى الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع، وتمكينه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو سلع أو أموال أخرى متعلقة بالنزاع.
کا حددت المادة السادسة والثلاثون (فقرة 2) طريقة حل الخلاف . إن ثار - بين الخبير وأحد أطراف التحكيم في شأن مأموريته، فيكون ذلك بقرار من هيئة التحكيم، ويكون قرارها نهائياً باتاً غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن؛ وذلك لحماية التحكيم من التعطيل.
- حق أطراف التحكيم في مناقشة التقرير:
وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة السادسة والثلاثون (فقرة 3) من أن: "ترسل هيئة التحكيم صورة من تقرير الخبير بمجرد إيداعه لديها إلى كل من الطرفين، مع إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه، ولكليهما الحق في الاطلاع على الوثائق التي استند إليها الخبير في تقريره وفحصها، ويصدر الخبير تقريره النهائي بعد الاطلاع على ما أبداه طرفا التحكيم حوله".
لهيئة التحكيم أن تقبل اعتراضات الأطراف ورأيهم مكتوباً، وتعطيه للخبير، أو أن تحدد جلسة لسماع رأي الخبير، وتقوم هيئة التحكيم والأطراف بمناقشة تقريره.
وقد نصت الفقرة (4) من المادة السادسة والثلاثين على أنه: "لهيئة التحكيم بعد تقریر الخبير أن تقرر من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب أحد طرفي التحكيم، عقد جلسة لسماع أقوال الخبير، مع إتاحة الفرصة للطرفين لسماعه ومناقشته في شأن ما ورد في تقريره". :
, المرحلة الثانية: التقرير النهائي؛ وهو الذي يصدره الخبير بعد الاطلاع على ما أبداء طرفا التحكيم من ملاحظات ومناقشات على تقريره المبدئي. ويا حبذا لو أن اللائحة التنفيذية المزمع إصدارها نصت على سلطة هيئة التحكيم في استبدال الخبير، في حالة تخلفه عن إيداع تقريره في الميعاد المحدد دون عذر مقبول؛ حتى يعرف الخبير أن هيئة التحكيم سلطة في استبداله، فيشحذ الهمة لإنجاز تقريره في الميعاد المحدد له.
مدى الزامية رأي الخبير لهيئة التحكيم: .
رأي الخبير هو رأي استشاري غير ملزم لهيئة التحكيم، ويخضع وزن قوته لسلطتها التقديرية.
ولهيئة التحكيم أن تأمر الخبير بتقديم تقرير تكميلي، ولها أن تأخذ بالتقرير، ولها أن تأخذ بجزء منه فقط، فقناعة هيئة التحكيم بالتقرير أنه متفق مع وجه الحق في الدعوى، وأنه قائم على أسباب لها أصلها في الأوراق هي المعول عليها. أما تقرير الخبير فلا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل الإثبات الواقعية في الدعوى.
وينبغي للقاضي وللمحگم الانتباه إلى عدة مسائل حول مستوى العون الحقيقي الذي يقدمه الخبراء في الدعاوى، فمن التجربة تبينت عدة جوانب قصور نشير إليها بإيجاز؛ وهي:
1. إذا كان الخبير هو عبارة عن بيت من البيوت الاستشارية، فإنه يتم إسناد الفحص وتقديم الرأي إلى عدة خبراء قد لا تتساوى خبرتهم، فيكون تقريرهم غير مترابط فنياً ولا حتى منطقياً.
فهذه البيوت الاستشارية (وإن كانت معروفة) تضم مستويات مختلفة ومتفاوتة من الخبراء من حيث التمكن من الصنعة، ففيهم الضعيف وفيهم القوي؛ لذلك يجب الانتباه وتمحيص التقرير دون الركون إلى اسم من قام بإعداده.
2. يتكرر في تقارير الخبراء عدم قطع النزاع برأي واضح ومحدد؛ إما خوفا من المسئولية، أو مجاملة لزملائهم الفنيين الذين قاموا بالعمل المختلف حوله.
3. إذا كان هناك أكثر من خبير، فقد تأتي تقاريرهم متفاوتة في تقدير حجم التعويض الجابر للضرر، أو في حساب الكميات، أو في تقدير الخسائر، لذلك يجب على القاضي والمحكم أن يتجنبا التقديرات المبالغ فيها صعوداً أو هبوطاً