فإن تمت الاستعانة به عن طريق هيئة التحكيم فإنه يكون متأثراً بوجهة نظرها عندما تكلفه بالمهمة، مما يجعل شهادته أو تقريره شارحاً لكل النقاط التي يتعرض لها بناء على آراء معطاه سلفاً عن طريق هيئة التحكيم...
ونحن وإن كنا مع الاتجاه السابق فيما ذهب إليه. حيث إنه وكما ذكرنا سابقاً- ينبغى أن يتوافر في المحكم البحرى شرط الكفاءة والخبرة والتخصص في المجال البحرى، بل وفى النقاط الأكثر تخصصاً والتي يثيرها النزاع المعروض عليه على وجه التحديد ، والذي من أجله قررنا ضرورة اختيار المحكم البحرى أو هيئة التحكيم بعد نشوء النزاع، وفقاً للمعطيات الفنية أو التجارية أو القانونية التي يثيرها.
كما رأينا عند التشكيل السائد لهيئات التحكيم البحرى من ثلاثة محكمين فرصة سانحة لتنوع وتعدد تخصصات المحكمين الثلاثة الذين تتشكل منهم هيئة التحكيم البحرى بين فنى تاجر وقانونی وغيرها من التخصصات التي تتمشى ومعطيات النزاع المعروض.
إذا كنا مع الاستغناء عن الاستعانة بخبير نظراً للخبرة المفترض توافرها في هيئة التحكيم البحرى ، ونظراً لعدم حياد الخبراء المعينين بواسطة الأطراف.
وقد يكون هذا المحكم الواحد، أو حتى هيئة التحكيم المشكلة من ثلاثة محكمين لا تتوافر فيه أو فيهم الكفاءة والـتـخـصـص الـبـحـرى المفترض ، أو بالرغم من توافره فيهم إلا أنهم يبحثون في النزاع وهم مستغرقون في فهم خاطئ لوقائعه وملابساته.
إذن مازالت شهادة الخبير تلعب دوراً هاماً في التحكيم البحرى وستستمر في لعب هذا الدور نظراً لأن العمليات البحرية أصبحت أكثر تعقيداً مما أثر في طبيعتها.
وتأخد آراء الخبراء طريقين للتقديم في دعاوى التحكيم البحرى فهي إما أن تقدم بواسطة الأطراف، أو بواسطة هيئة التحكيم.
(الطريق الأول) الاستعانة بالخبراء بواسطة الأطراف :
يأخذ تقديم رأى الخبير بواسطة الأطراف إحدى صور ثلاث :
(الصورة الأولى) : شكل استشارة مقدمة من الخبير إلي أحد الأطراف، ثم بدوره يعرضها هذا الطرف بين وثائقه المرسلة إلى هيئة التحكيم، ومن المرجح أن يجاب عليها باستشارة مضادة مقدمة من خبير آخر إلى الطرف الآخر.
(والصورة الثانية) شكل الاستعانة بالخبير من قبل الأطراف بأن يأتى كل طرف بخبير ابتداء وقبل أن تستعين هيئة التحكيم بخبير من قبلها .
(والصورة الثالثة) شكل الاستعانة بالخبير من قبل الأطراف بأن يأتى كل طرف بخبير ليناقش شهادة تقرير الخبير الذي سبق وأن كلفته هيئة التحكيم ببحث مسألة معينة، فبحثها وأبدى برأيه فيها .
كذلك يتمثل العيب الأساسي في هذا الطريق في أنه نظراً لتعيين كل خبير عن طريق كل طرف من الأطراف، فإن كل خبير سيصدر رأيه غالباً متأثراً بوجهة نظر الطرف الذي اختاره والذي سيدفع له أتعابه، وبالتالي فإنه نظراً لعدم حياد كلا الخبيرين فإننا سنصل في النهاية إلي تقریرين أو شهادتين متعارضتين حول موضوع واحد .
(الطريق الثانى) الاستعانة بالخبراء بواسطة هيئة التحكيم البحرى:
وهنا تقرر هيئة التحكيم الاستعانة بخبير أو أكثر للفصل في مسألة معينة يثيرها النزاع المعروض وتخرج عن نطاق تخصصها. وهذه السلطة المقررة لهيئة التحكيم في انتداب خبير أو أكثر في الإجراءات التحكيمة قد تستمدها هيئة التحكيم من نص قانوني في القانون المطبق علي التحكيم .
وفي الحقيقة إن الموقف الذى يعلق إعطاء هذه السلطة لهيئة التحكيم على إرادة الأطراف وإن كان ينظر إلى تكلفة الخبرة المرتفعة والتي سيلتزم الأطراف بدفعها، وبالتالي ينبغي أن يوافقوا على انتداب الخبراء من قبل هيئة التحكيم ، ويرى أنه من الأحوط أن تحصل هيئة التحكيم على موافقة الأطراف على انتداب الخبراء في بدء الإجراءات التحكيمية .
إن تقرير الخبير المنتدب بواسطة هيئة التحكيم سيبلغ بعد ذلك للأطراف، مع إتاحة الفرصة لهم لإبداء الرأى فيه، والاطلاع على الوثائق والمستندات التي استند إليها الخبير في تقريره وفحصها. وقد تقرر هيئة التحكيم بعد تقديم تقرير الخبير من تلقاء نفسها أو بناء علي طلب أحد الأطراف عقد جلسة شفوية لسماع أقوال الخبير، وإتاحة الفرصة للطرفين لمناقشته في تقريره سواء بأنفسهم أم بواسطة خبير أو أكثر معين من طرفهم .
وأخيراً فإنه من نافلة القول أن المحكم البحرى أو هيئة التحكيم لها مطلق الحرية في الأخذ بما انتهى إليه الخبير في شهادته أو في تقريره، فلها أن تأخذ به ولها أن تستبعده ، وإن كان الوقاع العملي يقرر أن هيئة التحكيم عندما تكون هى التي اختارت الخبير وبعناية، فإنه سيكون من الصعب عليها عدم الأخذ بما انتهى إليه في تقريره.
والخلاصة أننا مع انتداب الخبراء فى دعاوى التحكيم البحرى عند الحاجة إليهم. هذه الحاجة تقررها هيئة التحكيم ، فإن رأت توافرها قامت بتعيين خبير أو أكثر عاهدة إليه أو إليهم بإبداء الرأي حول مسألة محددة يثيرها النزاع المعروض عليها، مراعية توافر الخبرة والكفاءة فيمن تعينه خبيراً. فإذا أبدى الخبير رأيه فصلت هيئة التحكيم في النزاع سواء أخذت به أم طرحته، ولها مناقشة الخبير قبل إصدار الحكم .