الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / الشهود / الكتب / حدود سلطة هيئات التحكيم تجاه وسائل الإثبات المختلفة (دراسة مقارنة) / بعض المشكلات العملية لسماع الشهادة أمام هيئات التحكيم وموقف القضاء المحلي والدولي

  • الاسم

    محمد يوسف علام
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • اسم دار النشر

    دار وليد للنشر والتوزيع والبرمجيات المركز القومي للإصدارات القانونية
  • عدد الصفحات

    184
  • رقم الصفحة

    52

التفاصيل طباعة نسخ

الشهادة الزور أمام هيئة التحكيم :- 

مقدمة في شهادة الزور  :

الشهادة الزور لغة تعني الشهادة الكاذبة مذمومة أخلاقاً ، محرمة ديناً ، مجرمة قانوناً ، فالشهادة الزور نوع خطير من الكذب ، شديد القبح سيء الأثر ، يتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال ، وفيها ضياع حقوق الناس وظلمهم وطمس معالم العدل ، ومن شأنها أن تعين الظالم على ظلمه وتعطي الحق لغير مستحقه ، وبهذه المثابة ، فإن الشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد والضغائن في القلوب ، وتقويض أركان الأمان والسكينة بين الناس ، والعصف بدعائم المجتمع وتدميره ، ومن ثم ، ساغ القول بأن الشهادة الزور "جريمة خلقية شائنة تنافي النظام الإنساني ، وتفضي إلى الفوضى في كل نواحي الحياة " .

وبالنظر لما للشهادة الزور من أضرار ومخاطر على الأفراد والمجتمعات ، كان من الطبيعي أن تحرص الشريعة الإسلامية على تحريمها واعتبارها من أكبر الكبائر ، والسند الشرعي لهذا التحريم يتمثل في القرآن والسنة ، فمن القرآن ، قوله تعالى : { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرماً } ، أما من السنة ، فقد روي عن أبي بكر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟" ،قلنا : بلى يا رسول الله ، قال :"الإشراك بالله ، وعقوق لوالدين ، وكان متكئاً فجلس ، فقال : ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" (رواه البخاري ومسلم) ، وجلوس النبي بعد اتكائه يشعر بعظم الأمر ، ويفيد تأكيد التحريم وقبح الذنب ، وسبب ذلك كون شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس ، والتهاون بها والحامل عليها كثير مثل العداوة والحقد والحسد وغير ذلك ، فدعت الضرورة إلى الاهتمام بها ، وفي حديث آخر روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس الله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ( رواه البخاري) ، وروي عنه أيضاً قوله " لا تزول قدماً شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار" ، وروى الإمام أحمد عن أيمن بن خريم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام خطيباً ، فقال : " أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله ثلاثاً ، ثم قرأ :{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } ، أما الإجماع ، فقد أجمع علماء الأمة في سلفها وخلفها على أن شهادة الزور من المحرمات وأنها من أكبر الكبائر ، وفي ذلك ، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " ما كان خلق أبغض إلى الرسول من الكذب ، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما تزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منه توبة " ، وذكر الإمام أبو حنيفة أنه كان عند محارب بن دثار ، فتقدم إليه رجلان فادعي أحدهما على الآخر مالاً فجحده المدعي عليه ، فسأله البينة ، فجاء رجل فشهد عليه ، فقال المشهود عليه : لا ولله الذي لا إله إلا هو ما شهد على بحق ، وما علمته إلا رجلاً صالحاً غير هذه الذلة فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه على ، وكان محارب متكئاً فاستوى جالساً ثم قال : يا ذا الرجال سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله يقول " ليأتين علي الناس يوم تشيب فيه الوالدين ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم ، ولا ذنب عليها ، وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الأرض حتى يقذف به في النار "، فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك ، وإن كنت شهدت بباطل فاتق الله وغط رأسك واخرج من ذلك الباب ، ثم قال للرجل : بم تشهد ؟ قال : كنت أشهدت على شهادة وقد نسيتها ، أرجع لأتذكرها فانصرف ولم يشهد عليه بشيء وعن ربيعة بن أبي الرحمن قال : قدم رجل من العراق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب (ذيل) فقال : نعم ، فقال عمر بن الخطاب : والله لا يؤسر (لا يحبس) رجل في الإسلام بغير العدول ، وقد حكي البعض الإجماع على أن شهادة الزور كبيرة من الكبائر ، ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلاً أو كثيراً فضلاً عن هذه المفسدة القبيحة الشنيعة جداً ، ولا يحل قبولها وبناء الأحكام عليها ولذلك قالوا : فتوى المفتي وحكم الحاكم وقضاء القاضي لا تجعل الحرام حلالاً ولا الحلال حراماً ، والقاضي إنما يحكم على نحو ما يسمع ، فمن قضي له بحق أخيه يأخذه ، إنما قضي له بقطيعة من النار يترتب عليها سخط الجبار ، والأمور كلها على ما عند الله ، وعند الله يجتمع الخصوم : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} .

وشهادة الزور لا تجوز ، ولو توصل بها الإنسان إلى حقه وفي ذلك ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : شهادة الزور والكذب حرام ، وإن قصد بها التوصل إلى حقه ، وشهادة الزور واحدة من حيث تحريمها ، سواء كان المبتغى منها منفعة دنيوية أو خلافها ، فعلى سبيل المثال : لو شهد شخص لآخر بقصد نفعه لكونه فقيراً فهذه الشهادة شهادة زور ، وإذا شهد الإنسان أنه مدين لكي يحصل له على صدقة من أحد فهذه شهادة زور ، فالغاية من الشهادة الزور وحسن الباعث عليها لا يغير من حقيقة الجريمة وبشاعتها ، والشهادة الزور جريمة دينية ، سواء كانت في مجلس القضاء الرسمي أو في مجلس آخر يختص بالفصل في المنازعات.

والشهادة الزور جريمة في كل التشريعات الوضعية ، فجميع القوانين الجنائية تجرم هذا الفعل وتعاقب عليه وتمايز في هذه العقوبة وفقاً لطبيعة الجريمة وظروفها ( الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة ؛ الباب السادس من الكتاب الثالث من قانون العقوبات المصرية ؛ الفصل الأول من الباب الرابع من القسم الخاص من قانون العقوبات البحريني ) ، ولا خلاف في توافر النموذج القانوني لجريمة الشهادة الزور إذا كان الجاني قد شهد زوراً أمام إحدى المحاكم ، ولكن التساؤل يثور عن حكم الشهادة الزور التي يؤيدها الشخص أمام هيئة التحكيم ، وما إذا كانت تقع تحت طائلة التجريم أم لا ، ويتم الإجابة على هذا التساؤل من خلال بيان الحكم في القانون المقارن ، وباستقراء التشريعات المقارنة في هذا الشأن ، يمكن التمييز بين التشريعات التي تجرم صراحة الشهادة الزور أمام هيئة التحكيم ، وبين التشريعات التي لا تنص صراحة على تجريم الشهادة الزور أمام هيئة التحكيم .