كل هذه الآيات الكريمة وآيات أخرى تدل على أهمية الشهادة في الشريعة الإسلامية باعتبارها وسيلة إثبات مهمة أمام القضاء بل أن القضاء الإسلامي اعتبرها أهم وسيلة للأثبات مما أعطى لشخصية الشاهد أهمية متميزة من حيث الصدق وعدم الكذب ومخافة الله ودرجة تدينه ومصداقيته حتى يمكن الأخذ بشهادته واعتبارها مؤثرة في إثبات الواقعة التي يشهد من اجلها.
الشروط التي يجب توافرها في الشاهد:
وقد اشترط الفقهاء المسلمون جملة شروط يجب تحققها في الشاهد حتى يمكن الأخذ بشهادته ومن هذه الشروط:
1- أن يكون الشاهد عاقلا مدركا لما يدلي به
2- يشترط في الشاهد البلوغ
وحجة من لا يأخذ بشهادة الصبي ورفضها بصورة مطلقة ما ورد في الآية الكريمة (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) ، إذ وردت الشهادة مناطة بالرجال البالغين دون الصبيان وكذلك قول الله عز وعلا: (وَأَشْهِدُوا دَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ). ومن ضوابط العدالة البلوغ فيكون هذا الشرط واجب التحقيق مما يستبعد الصبي من الشهادة.
أما دليلهم في السنة النبوية الشريفة قول الرسول العظيم (ص) (رفع القلم عن ثلاثة...) منهم الصبي حتى يبلغ ومعنى القلم هذا التكليف الشرعي ومن لا تكليف شرعي عليه لا تقبل شهادته لانه لا يدرك أهمية الشهادة في الشريعة الاسلامية يضاف إلى ذلك أن الصبي لا يقبل اقراره على نفسه فكيف يقبل قوله على غيره .
أما أصحاب الرأي بقبول شهادة الصبي في الجروح والقتل فقد استدلوا على ما سار عليه السلف الصالح في الأخذ بشهادة الصبيان بعضهم على بعض فقد روى الشعبي أن ستة صبيان كانوا يسبحون فغرق أحدهم وقد شهد منهم ثلاثة على اثنين بأنهم أغرقاه وشهد اثنان على ثلاثة أنهم أغرقوه فقضى الإمام علي عليه السلام على الثلاثة بخمس الدية وعلى الاثنين بثلاثة أخماسها .
وهذا يدلل على الأخذ بشهادة الصبيان في الجروح والقتل وقد روي عن شريح والحسن والنخعي وعمر بن عبد العزيز وربيعة أنهم أخذوا بشهادة الصبيان بعضهم على بعض .
٣- أن يكون حرا
وقد اختلف فقهاء المسلمين في شرط شهادة العبد فبعضهم لا يجوزها ومنهم فقهاء المذهب الحنفي والمالكي والشافعي وحجتهم في ذلك الآية الكريمة (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
وقد أورد أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي وهو من فقهاء الحنفية ما يلي (الناس أحرار إلا في أربعة أشياء يلزم فيها إثبات الحرية :
١- إذا قال المدعي عليه الشهود عبيد
٢- إذا قال القاذف كان المقذوف عبدا.
- إذا قالت العاقلة : كان المقتول عبدا لا تلزمها الدية.
٤- إذا قال الجاني: المجروح عبد فلا قصاص عليه.
فالقول قوله، ويكلف المدعي إحضار البيئة على حريته ولا يمكن التمسك بان الاصل في الأساس الحرية .
أما الفريق الآخر الذي يأخذ بشهادة العبد فدليلهم القرآني الآية الكريمة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) .
وكذلك في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ) .
وتدلل الآيات الكريمة على مساواة المؤمنين بالحقوق العبد المسلم - المؤمن هو عضو في المجتمع الاسلامي لا فرق بينه وبين الحر ألا بالتقوى لذا فأن شهادته جائزة.
اما دليلهم في السنة النبوية الشريفة قول الرسول (ص) (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) .
الإسلام
من شروط قبول الشهادة أن يكون المدلي بها مسلما خاصة إذا كان النزاع بين مسلمين أو مسلم وكافر إذ أن الشهادة تعد بحكم الولاية على الغير ولا يجوز أن يعلو غير المسلم بولاية تطبيقا للنص القرآني (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)، وكذلك قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) ، فالشاهد المسلم تقبل شهادته على المسلم وغير المسلم أما غير المسلم فلا تقبل شهادته على المسلم إلا إذا أوصى رجل مسلم في السفر ولم يكن هناك شاهد مسلم فان شهادة غير المسلم في هذه الحالة تقبل وهذا ما قاله الامامية والحنابلة والظاهرية والزيدية ، وحجتهم في ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ).
أما المالكية والشافعية والأحناف فأنهم يرون عدم الأخذ بشهادة الكافر على المسلم مطلقا ، وحجتهم في ذلك مجمل الآيات الكريمة التي لا تعطي للكافر الولاية على المسلم وان الكافر ليس من ذوي الولاية العامة في الدولة الإسلامية فضلا عن أن الكفر أشد من الفسق .
ومن هذه الآيات قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) وقوله جل جلاله ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) .
وقد أجاز الحنفية وبعض الحنابلة شهادة الكفار بعضهم على بعض . وحجتهم الآيه الكريمه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ).
أما المالكية والشافعية والظاهرية وبعض فقهاء المذهب الحنبلي فانهم لا يجيزون شهادة الكفار بعضهم على بعض سواء اتحدت ملتهم أم اختلفت ويرون أن قبول مثل هذه الشهادة فيها رفعة للكفار ولمنزلتهم لان الشهادة فيها معنى الولاية ولا يجوز ذلك للكافر . أما الزيدية فانهم يرون قبول شهادة الكافر على الكافر إذا اتحدا في الملة ولا تقبل شهادتهما إذا اختلفا في الملة ، وحجتهم شهادة اليهود على زنا رجل وأمرأة فامر الرسول (ص) رجمهما بعد أن تبين ان الرجم وارد في التوراة .
ه - أن يكون الشاهد سليم الحواس
بما أن الشهادة يترتب عليها التوصل الى قناعة تؤدي إلى حسم النزاع فهي مسؤولية تقع على عاتق الشاهد وعليه يجب أن يكون الشاهد أهلا لأداء الشهادة وتحملها وهذا لا يأتي إلى فاقد البصر أو النطق ، وقد اختلف الفقهاء في صحة شهادة الأعمى فمنهم لا يجيزها وهؤلاء هم الأحناف وقسم من الشوافع إذ يرون أن الشاهد يجب أن يميز بين المدعي والمدعي عليه وهذا لا يمكن للأعمى ، وحجتهم الحديث الشريف لرجل قال (ترى الشمس : قال : نعم قال (ص) على مثلها فاشهد أو دع) .
أما المالكية والحنابلة والظاهرية فيرون قبول شهادة الاعمى في الاقوال وليس في الافعال بشرط ان يكون سليم السمع .
أما بالنسبة لحاسة النطق فهي الاخرى اختلف الفقهاء في توفرها من عدمه ففقهاء المذهب الحنفي والحنبلي اشترطوا النطق في الشاهد والا لا يصلح للشهادة .
أما الإمام مالك والامام الشافعي واتباعهما فيرون جواز شهادة الاخرس بشرط أن يكون مفهوم الإشارة .
٦- أن يكون الشاهد عادلا
ومن شروط صحة شهادة الشاهد أن يكون من يدلي بالشهادة معروفا بالاستقامة والصلح في الدين ومخافة الله حتى يمكن الاطمئنان إلى شهادته كسبب من اسباب الحكم . ومن صفات العدالة ايضا اجتناب المحارم وغير مرتكب للكبائر.
قال رسول الله (ص) (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر - وكان متكنا فجلس - وقال: ألا وقول
الزور وشهادة الزور .
7- أن لا تلحق بشهادته شبهة:
أي عدم وجود قرابة أو عداوة أو صداقة بين الشاهد وأحد الخصوم بحيث لا يمكن ان تلحق بشهادته شبهة الحياد أي الانحياز الى احد المتخاصمين مما يعني معه عدم الاطمئنان على شهادته .
شروط صحة الشهادة:
من شروط الشهادة عند الاحناف والحنابلة والمالكية: الشهادة الدالة لفظا على أدائها ولا يعتد بكل لفظ لا يدل على ذلك فان قال الشاهد اشهد يعتد بشهادته وألا فلا تعتبر بحكم الشهادة .
وقال ابن حزم لا يشترط ذلك بل يكفي ما يدل على الشهادة مثل قوله للقاضي أنا أخبرك وانا
أقول لك أو أنا اعلم فكل ذلك يعبر عن الشهادة .
لما الأمامية فانهم يعتبرون كل ما يفهم منه قولا أو عرفا أن الشاهد يدلي بشهادته فياخذ به وتعتبر بحكم الشهادة مثل قول الشاهد أشهد أو أتيقن أو اعرف وما إلى ذلك.
كما يشترط في الشهادة أنها غير متناقضة مع مضمون الادعاء فلو كان الادعاء منصبا على البيع وجاءت الشهادة على الإيجار فإنها لا تقبل .
كما يشترط أن تكون شهادة الشاهدين متطابقة وان يكون الشاهد عالما بما شهد به وان لا تكون الشهادة على النفي ألا في ثلاث الشهادة على الاعصار والشهادة على عدم وجود وارث والشهادة بنفي الزوجية.
أما شهادة الإفلاس نتيجة تلف مال المفلس فيجب أن يكون الشاهد من أهل الخبرة الباطنة أي أن يعلم ليس له مال سوى الذي تلف كما تجوز شهادة النفي في وقت معين كمن يدعي بان زيد قتل أخاه عند بروز قرص الشمس وجاء الشاهد فشهد بعدم القتل في ذلك الوقت أي انه ملازم الى زيد في ذلك الوقت ، كذلك تجوز شهادة الإعسار بان يقول أشهد أنه معدم أو فقير أو معسر وأنه مستحق الصدقة وأضاف الشاهد بقوله وأنا خبير باطن ماله .