الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / الشهود / الكتب / قضاء التحكيم / سماع الشهود

  • الاسم

    م.د محمد ماهر ابو العنين
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    مؤسسة دار الكتب
  • عدد الصفحات

    1156
  • رقم الصفحة

    881

التفاصيل طباعة نسخ

سماع الشهود :

    تنص الفقرة الرابعة من المادة ۳۳ من قانون التحكيم علي أن " ويكون سماع الشهود والخبراء بدون أداء يمين".

   مفاد ذلك أن المشرع أعطي أطراف خصومة التحكيم إمكانية الاتفاق علي الاستعانة بشهادة الشهود كوسيلة من وسائل الإثبات وعليه فالأصل في خصومة التحكيم جواز الاستعانة بشهادة الشهود لإثبات عناصر الدعوي ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك أي أن يتفق أطراف الخصومة علي عدم جواز الاستعانة بشهادة الشهود في الاثبات. وعلي هذا فمتي سكت أطراف خصومة التحكيم عن بيان مدي جواز الاستعانة بشهادة الشهود فإن قول الفصل في ذلك أي جواز أو عدم جواز سماع الشهود - يكون من سلطات المحكم (هيئة التحكيم) ويكون الاستعانة بالشهود بإصدار المحكم لقرار بإجراء التحقيق يحدد فيه موضوع الشهادة وأسماء الشهود، وقابلية الوقائع المطلوب إثباتها للإثبات بهذا الطريق، مع مراعاة أنه ليست كل إجراءات التحكيم في حاجة لأن يصدر بها حكم إجرائي كما هو الوضع عند سماع الشهود وأيضاً عند تعيين خبير حيث يصدر قرار بتحديد مهمة الخبير ومدتها وموقف إجراءات التحكيم خلال هذه الفترة، فقد يكتفي في حالات أخري بأن يوقع كل من الأطراف والمحكم علي العلم بالإجراء وبموعده.

كيفية الاستعانة بالشهود :

    دائما ما ترتبط الإستعانة بالشهود بالحالات التي يتفق فيها علي إجراء المرافعات، ويتم سماع الشهود في حالات تكاد تكون نادرة لصعوبة إنتقال الشهود وللتكلفة الباهظة للإنتقال فضلاً عن الوقت الذي يستغرقه، وقد يتفق الأطراف عند وضع الخطة الإجرائية على ملائمة الاستعانة ،بالشهود فلا يملك الإمتناع عن سماع الشهود الذين يتفق الأطراف علي الإستعانة بهم مع مراعاة أنه عند عدم الإتفاق على الاستعانة بالشهود فللمحكم رفض سماع الشهود علي أن يبدي مبررات مقبولة لهذا الرفض ، ففي إحدي التحكيمات رفض المحكم طلب أحد الأطراف بسماع الشهود إستناداً إلى قدرته على الفصل في النزاع بناء علي المستندات ومرافعة المستشارين وقد أقرت المحكمة العليا الإنجليزية هذا الحكم.

     وفي الوقت ذاته لا يملك المحكم إجبار الخصوم علي الإستعانة بشهادة الشهود ويمكنه الرجوع إليهم إذا ما تبينت له ملائمة الإستعانة بهذا الإجراء وأهميته في لإثبات الوقائع المثارة، أما إذا إختلف الأطراف حول جدوي الإستعانة بهذا الإجراء ، كان للمحكم حسمه في ضوء الوقائع التي يثيرها النزاع وهنا يتعين إصدار حكم بإجراء التحقيق موضحاً أسبابه.

     هذا وقد يستعان بالشهادة المكتوبة تفادياً لمشقة وتكاليف إنتقال الأطراف وهو إجراء تتميز به خصومة التحكيم، ورغم أنه للشهادة المكتوبة ذات القيمة القانونية للشهادة الشفوية إلا أن إستناد المحكم إليها في حكمه يتوقف علي عدم إعتراض الطرف الآخر على صحتها إعتراضاً مقبولاً ، فلا يملك المحكم إزاء هذا الوضع إلا إحضار الشاهد أو إستبعاد شهادته كلية إحتراماً لحق الدفاع، كما يملك المحكم إستبعادها إذا ما نشكك في صدقها إستناداً إلى مبررات مقبولة.

     وما يحدث عملاً تيسيراً لسماع الشهود أن يقدم الأطراف قائمة تتضمن تحديد الشهود وكافة التفصيلات المتعلقة بأسمائهم ووظائفهم وعلاقاتهم بأطراف النزاع والنقاط المتعين مناقشتهم فيها تيسيرا لحسمها.

  ويتبادل الأطراف هذه القوائم وتتاح لهم فرصة التعليق عليها خلال فترة معقولة والإعتراض علي مقبولية الشاهد أو موضوع الشهادة، أو عدد الشهود، وتثبت المحكم من ملائمة الإعتراض قبل إعلان قبول قائمة الشهود، ولا يستجيب للإعتراض إلا إذا كان الإعتراض من شأنه هدم اصل الشهادة، أما الإعتراض الجزئي فيمكن إثارته أثناء الإجراءات عند سماع الشاهد وإستجوابه. ومن المتصور أن يقدم أحد الأطراف قائمة شهود إضافية أثناء سير الإجراءات ، إلا أن قبول هذه القائمة يخضع لتقدير المحكم وينتهي حق الأطراف في طلب سماع الشهود بإنتهاء الوقت المحدد لإجراء المرافعات.

     كما قد يتم الإتفاق علي إنتقال المحكم بنفسه لسماع الشهود في محال إقامتهم تيسيرا لهذا الإجراء ، فيتم عقد الجلسات حيث يقيم الشهود عند تعذر حضورهم ، أو التكلفة العالية لإنتقال الشهود عند تعددهم، وقد أجازت المادة ٢٨ من قانون التحكيم المصري ذلك عندما نصت على أنه: .. ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع علي مستندات أو معاينة بضائع أو أموال أو إجراء مداولات بأعضائها أو غير ذلك".

    من المعروف أن المحاكم الوطنية تملك سلطة إجبار الشاهد علي الحضور لأداء شهادته أمام اقضاء وذلك حسبما نصت المادة عليه المادة ۷۸ من قانون الإثبات حيث نصت علي أن وفي أحوال الاستعجال الشديد يجوز أن تصدر المحكمة أو القاضي أمراً بإحضار الشاهد".

    كما أن هذه المادة نصت علي أنه متي كلف الشاهد بالحضور للمحكمة، وتخلف عن الحضور تحكم المحكمة بغرامة أيضاً إذا امتنع الشاهد عن الإدلاء بالشهادة تحكم عليه المحكمة بالغرامة، إلا أن المحكم لا يملك مثل هذه السلطة المخولة للمحكمة ، فالمحكم لا يملك إجبار الشاهد علي الحضور ومع ذلك فقد نصت المادة ٣٧ من قانون التحكيم على أن يختص رئيس المحكمة المشار إليها المادة ٩ من هذا القانون بناء علي طلب هيئة التحكيم بما ياتي : (أ) الحكم علي من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين ۷۸ ، ۸۰ من قانون الإثبات ...."

      ولم تبين هذه المادة كيفية لجوء هيئة التحكيم للمحكمة بطلب الحكم علي الشاهد المتخلف عن أداء شهادته، ونري أنه يكون بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوي مع ملاحظة أنه بدلا من ذلك للأطراف اللجوء للقضاء لطلب سماع الشهود تجنباً للتكلفة الباهظة لإنتقال الشهود، فضلاً عن تفادي تعطيل النزاع إذا ما تعذر حضور الشاهد ، كما أن سماع الشاهد في المحكمة يوفر الضمانات الإجرائية لصحة الشهادة فنادراً ما يتم مواجهة الشهود معاً في إطار خصومة التحكيم. ويتعين علي المحكم أن يوضح في حكمه مبررات الأخذ بالشهادة أو طرحها ، ويلتزم عند الأخذ بها بتوضيح موقف الطرف الآخر منها، أي عدم تقديمه ما يدحضها أو عدم كفاية ما قدمه لدحضها.

 ١- تقديم شهادة مكتوبة

     من الأهمية بمكان مناقشة سلطة المحكم في توجيه اليمين للأطراف ، فلهذا الإجراء أثره علي قوة الدليل وتحديد المسئولية عن شهادة الزور، وقد تصدي قانون المرافعات الفرنسي لهذا التساؤل عندما قررت المادة ١٤٦١ / ٢ " أنه يتعين سماع غير الأطراف دون أخذ اليمين ويفهم من هذه الصياغة أنه يتعين عند سماع الأطراف توجيه اليمين ونري أنه ما لم يتطلب القانون الإجرائي الواجب التطبيق إلزام المحكم بتوجيه اليمين للأطراف، فلا يلتزم المحكم بذلك خاصة وأنه عند تقديم دليل خاطئ بناء علي شهادة مزورة فإن القضاء وحده هو الذي يملك توقيع عقوبة الشهادة الزور وقد نصت المادة "٤/٣٣ من قانون التحكيم المصري علي أن سماع الشهود يكون دون أداء اليمين.

      هذا وقد يستعان بالشهادة المكتوبة تفادياً لمشقة وتكاليف إنتقال الشهود والأطراف ، وهو إجراء تتميز به خصومة التحكيم، ورغم أنه للشهادة المكتوبة ذات القيمة القانونية للشهادة الشفوية إلا أن إستناد المحكم إليها في حكمه يتوقف علي عدم إعتراض الطرف الآخر علي صحتها إعتراضا مقبولا، فلا يملك المحكم إزاء هذا الوضع إلا إحضار الشاهد أو إستبعاد شهادته كلية إحتراما لحق الدفاع، كما يملك المحكم إستبعاداً إذا ما تشكك في صدقها إستناداً إلى مبررات مقبولة.

    وما يحدث عملا تيسيراً لسماع الشهود أن يقدم الأطراف قائمة تتضمن تحديد عدد الشهود وكافة التفصيلات المتعلقة بأسمائهم ووظائفهم وعلاقاتهم بأطراف النزاع والنقاط المتعين مناقشتهم فيها تيسيراً لحسمها.

٢- تبادل قوائم الشهود

      يتبادل الأطراف هذه القوائم وتتاح لهم فرصة التعليق عليها خلال فترة معقولة الإعتراض علي مقبولية الشاهد أو موضوع الشهادة، أو عدد الشهود، شأنه وتثبت المحكم من ملائمة الإعتراض من هدم أصل الشهادة، أما الإعتراض الجزئي فيمكن إثارته أثناء الإجراءات عند سماع الشاهد أو إستجوابه. ومن المتصور أن يقدم أحد الأطراف قائمة شهود إضافية أثناء سير الإجراءات ، إلا أن قبول هذه القائمة يخضع لتقدير المحكم وينتهي حق الأطراف في طلب سماع الشهود بإنتهاء الوقت المحدد لإجراء المرافعات.

3- الإنتقال السماع الشهود

   قد ينم الاتفاق علي إنتقال المحكم بنفسه لسماع الشهود في محال إقامتهم تيسيراً لهذا الإجراء، فيتم عقد الجلسات حيث يقيم الشهود عند تعذر حضورهم، أو للتكلفة العالية لإنتقال الشهود عند تعددهم وقد أجازت المادة "۲۸" من قانون التحكيم المصري الجديد ذلك عندما نصت على أنه : " ... ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على مستندات أو معاينة بضائع أو أموال أو إجراء مداولات بين أعضائها أو غير ذلك".

ومن ضوابط سماع الشهود :

     يراعي المحكم عدم التدخل عند سماع الشهود إلا في حدود ضيقة جداً لإستبعاد الأسئلة التي تهدف إلى تعويق الإجراءات أو غير المتصلة بالموضوع نهائياً، علي أن يتسم تدخله بالموضوعية والحياد، ولا يملك المحكم إجبار الشهود على الإجابة علي كافة الأسئلة الموجهة إليهم، أو معاقبتهم عند الإمتناع عن الإجابة، إلا أن هذا يكون له تقديره في ثقة المحكم في الشهادة وإستناده إليها في حكمه، لذا يتعين علي الخصم عدم إحضار إلا من يثق في شهادته وعدم وجود ما يحول دون إجابته علي كافة الأسئلة الموجهة إليه. ويقع علي عاتق الخصوم مهمة إحضار الشهود في الموعد المحدد، وعند غياب الشاهد يكون للمحكم سلطة تقديرية في منحه أجلاً آخر لإحضار الشاهد، أو رفض ذلك إذا ما إستشعر عدم جدية الطرف في إستدعائه أو لوجود تكلفة عالية لإعادته الإجراء، هذا ما لم يقبل الطرف الآخر التأجيل. وقد خولت المادة " من قانون التحكيم المصري الجديد لمحكمة استئناف القاهرة الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضورأو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين "۷۸، ۸۰" من قانون الإثبات. هذا مع مراعاة أن للأطراف اللجوء للقضاء لطلب سماع الشهود تجنباً للتكلفة الباهظة لإنتقال الشهود، فضلاً عن تفادي تعطيل النزاع إذا ما تعذر حضور  الشاهد، كما أن سماع الشاهد في المحكمة يوفر الضمانات الإجرائية لصحة الشهادة فنادراً ما يتم مواجهة الشهود معاً في إطار خصومة التحكيم. ويتعين علي المحكم أن يوضح في حكمه مبررات الأخذ بالشهادة أو طرحها، ويلتزم عند الأخذ بها بتوضيح موقف الطرف الآخر منها، أي عدم تقديمه ما يدحضها أو عدم كفاية ما قدمه لدحضها.

وبخصوص الإستعانة بالخبراء وحدود مهماتهم

     يتم الإستعانة بالخبراء لاستجلاء العناصر الفنية في النزاع التي تجاوز خبرة المحكم ولا يملك الوصول إليها بمفرده فيصدر حكما بتعيين الخبير يحدد فيه المدة والمهمة المعهود بها إليه، يلتزم المحكم بإطلاع الأطراف علي من إختارهم لتولي هذه المهمة وذلك تمكيناً لهم من ممارسة حقهم في طلب رده أن كان له مقتضي، وإن كانت الإعتبارات العملية تقتضي الإكتفاء بإبداء الإعتراضات أمام المحكم وطلب إستبداله دون إتخاذ إجراءات الرد حرصاً علي عدم تعطيل الفصل في النزاع وغالباً ما يتفق في الاجتماع التمهيدي علي الإستعانة بالخبراء أو تعيينهم بأسمائهم، وقد يحظر الأطراف تقدير ملائمة ذلك بعد الرجوع إليهم. وقد يلجأ الخصوم إلى القضاء بطلب تعيين خبير إذا توافر شرط الإستعجال وتتم مناقشة تقرير الخبير أمام القضاء.

     وقد نصت المادة ٣٦ من قانون التحكيم المصري علي أنه : ١- لهيئة التحكيم تعيين خبير أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفوي يثبت في محضر الجلسة بشأن مسائل معينة تحددها وترسل إلى كل من الطرفين صورة من قراراها بتحديد المهمة المسندة إلي الخبير -۲ وعلي كل من الطرفين أن يقدم إلي الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع، وأن يمكنه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو بضائع أو أموال أخري متعلقة بالنزاع، وتفصل هيئة التحكيم في كل نزاع يقوم بين الخبير وأحد الطرفين في هذا الشأن. ٣- ترسل هيئة التحكيم صورة من تقرير الخبير بمجرد إيداعه إلى كل من الطرفين مع إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه ولكل من الطرفين الحق في الإطلاع علي المستندات التي استند إليها الخبير في تقريره وفحصها .

    ولهيئة التحكيم بعد تقديم تقرير الخبير أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء علي طلب أحد طرفي التحكيم عقد جلسة لسماع أقوال الخبير مع إتاحة الفرصة للطرفين لسماعه ومناقشته بشأن ما ورد في تقريره . ولكل من الطرفين أن يقدم في هذه الجلسة خبيراً أو أكثر من طرفه لإبداء الرأي في المسائل التي تناولها تقرير الخبير الذي عينته هيئة التحكيم ما لم يتفق طرفا التحكيم علي غير ذلك. كما نصت المادة "٤/٣٣" علي أن يكون سماع الخبراء دون أداء اليمين. وهذا النص جيد ولعله من أكثر نصوص القانون دقة وإحكاماً وتعبيرا عن المفهوم القضائي السليم لخصومة التحكيم، ويحتفظ للإجراءات بجوهرها المخاصمي في الحدود المقبولة.

    هذا ويتعين التفرقة بين الخبرة الرسمية كإجراء إثبات، وبين الخبرة الإستشارية ، فقد يستعين الأطراف بخبراء كمستشارين لهم يتولون الدفاع عن وجهة نظر الأطراف وإثباتها ومن المتعارف عليه عملاً تقديم الأطراف الشهادة خبير مكتوبة تدعيماً لوجهات نظرهم وبصفة خاصة في المسائل القانونية. والأصل أن تتم الإستعانة برأي الخبير في الحالات التي تقتضي ذلك ولا يملك المحكم الإلتفات عنه إلا لأسباب قانونية تبرره وقد تتم مناقشة تقرير الخبير شفويا في جلسات الإستماع، وقد يتم هذا عن طريق تبادل المكاتبات دون حضوره إذا تعذر ذلك، وإذا لم يقم الخبير بأداء مهمته على الوجه الصحيح فلا يصلح هذا الدليل أساساً للحكم..

كيف يكون الخبير شاهداً في قضية؟ الشاهد عادة شخص رأي حادثة معينة أو اتفاقا عقده شخصان أمامه. فيستشهد به لأحد أطراف القضية للإدلاء حضر بمعلوماته عن هذه الوقائع. وفي كثير من الأحيان يقدم كل طرف في القضية شهوده وتكون شهادتهم متعارضة وعلي المحكم أو القاضي أن يستخلص الحقيقة من هذه الأقوال المتضاربة. ولا يأخذ الشهود عادة اتعابا عن حضورهم والإدلاء بشهادتهم إلا إذا كان الأمر يستدعي سفرا فيمكن الزام من استدعاه بمصاريف الشاهد. ولا يلزم في الشاهد أن يكون متعلماً ولا أن يكون له تخصص في مجال معين بل يمكن أن يكون أميا لا يقرأ ولا يكتب لأن هذا لا يؤثر علي ما رأه أو سمعه ويشهد عليه. وفي القضايا الجنائية يوجد شهود إثبات وشهود نفي.

    ولكن الخبير الذي يستدعي كشاهد في قضية له وضع مختلف، فهو لم يسمع ولم ير شيئا مما دار بين طرفي القضية عندما كانوا يوقعون إتفاقهم، أو عندما حدثت لهم الأحداث موضوع القضية. فهو شاهد لم شيئا ولكن تطلب شهادته لأن في القضية نقاطاً فنية وعلمية تخفي علي القاضي أو المحكم أو يتحير في شأنها، ويريد من ينير له الطريق فيها فيطلب خبيراً يحضر أمامه ليسأله في ما يعن له من هذه النقاط ويجيب الخبير علي هذه الأسئلة كما ير كل الشاهد، يجيب فيكون خيرا شاهدا.

    هذا الخبير ليس شخصا عاديا ولا يحتاج إلى حلف اليمين أن يقول الحق ويتقاضي أتعابا عن حضوره أمام المحكم أو المحكمة، ويكون دوره عادة إعداد تقرير عن النقاط الفنية التي تدخل في اختصاصه ويطلع الخصوم والمحكم علي التقرير ويناقشونه في تفاصيلة ودقائقه فيشرحها لهم، وكل ذلك رغم أنه لم يحضر اسباب الخلاف بين المتقاضين فهو ليس شاهدا عاديا وإنما من نوع خاص: شاهد علم وفن.

   ويكون هذا الخبير الشاهد حاضراً بناء علي طلب خصم في القضية ومن حق الخصم الآخر ان يأتي بخبير في نفس الموضوع ليفند أقوال الخبير الأول ولذلك ليست مهمة الخبير الشاهد سهلة لأن المحكم والخصوم يعترضونه أثناء إستجوابه ويضيقون عليه الخناق بالأسئلة ، ويحاولون كشف أي تناقض في أقواله.

    ويمكن أن يكون الخبير الشاهد متخصصا في أي فرع من العلوم تتعلق به القضية فيمكن أن يكون طبيبا أو مهندسا مدنيا أو معماريا أو ميكانيكيا أو زراعيا ويمكن أن يكون محاسبا أو من رجال القانون واساتذته المهم أن يكون علي درجة عالية من التخصص، وأن يجتهد في أن يكون محايدا أو أن يبدو كذلك ولو أن هذا أمر يصعب للغاية خاصة إذا كان أحد الطرفين قد استدعاه للشهادة ودفع إليه اتعابا ومصاريف إنتقال . فلابد أن ينتظر منه إبداء وإبراز النقاط التي تفيده وتدعم وجهة نظره في القضية.

    وتختلف النظرة إلى الخبير الشاهد فى التحكيم، ففي انجلترا ينظر إليه على أنه مستقل عن الطرفين وينتظر منه أن يراعى ضميره قبل أن يراعى مصلحة الخصم الذي استدعاه ودفع اتعابه بينما في الولايات المتحدة الامريكية، فيعتبرون الخبير الشاهد Expert Witness أنه آلة يستخدمها أحد الطرفين في الوصول إلى غرضه ويعبرون عن ذلك بأنه بندقية يستأجرها خصم Hired gun ليقتل بها خصمه لا أكثر.

    واصعب ما تكون مهمة الخبير الشاهد عندما يكون من رجال القانون لأن القانون حمال أوجه. والآراء فيه عديدة وأحياناً يصعب عدها وإذا تبنى رأيا معينا فعليه أن يكون مستعداً للرد على الآراء الأخرى، وأن يكون نفسياً على درجة كبيرة من الثقة بحيث يتغلب على حملات الإحراج التى توجه صوبه من أصحاب الآراء المعارضة.

    وعلى الخبير الشاهد أن يفكر أول ما يفكر ما هو المنهج القانوني ونوع الثقافة القانونية الذى يسود في المحكمة أو فى هيئة التحكيم التي يمثل أمامها لأن اساليب التقاضي تختلف من دولة إلى دولة.

    وعليه بعد ذلك أن يعرف طبيعة العقد الذى ينشأ الخلاف بصدده، وأن يكون واسع الإلمام بموضوع القضية وبوجهة نظر كل طرف فيها واسانيده، لذلك لا يتعرض للإحراج الخبير الشاهد الذى يطلب من الطرف الذي لجأ إليه أن يقدم له الوثائق والمستندات التي يقف من خلالها على وجهات النظر واسانيدها بل أن الأفضل للخبير الشاهد أن يعد أسئلة مفصلة يطلب من الخصم الذي يستعين به أن يجيب عنها مقدماً حتى يطمئن إلى أنه لم تفلت أية نقطة من أن يحيط بها علماً.

    وسوف يرتكز الحكم فى القضية على رأى الخبير الشاهد إذا اقتنع به المحكم أو القاضى. وبالتالي فإن هذه الأحكام تأخذ طريقها إلى النشر بعد فترة من الوقت في موسوعات متخصصة وسوف يظهر رأى الخبير الشاهد ضمن الحكم المنشور، لذلك فأن الرأى الذي يقدمه يجب تكون له قيمة كبيرة تجعله جديرا بالنشر وإذا لم يكن كذلك فسوف يكون موضع تعليق من بعض المتخصصين لإبراز ما فيه من عيوب أو شابه من خطأ. ومع ذلك ليس للتعليق شأن خطير إذا كانت للخبير الشاهد مؤلفات شارحة للآراء التي أبداها وكان بها رد على وجهات نظر الآخرين إذ يكفيه ذلك عن التعقيب على من انتقدوا آراءه في شهادته.

وبخصوص تحقيق الخطوط والطعن بالتزوير :

    تتخذ التشريعات موقفاً مغايراً من تحويل المحكم سلطة التصدي للمنازعة بشأن تحقيق الخطوط أو الطعن بالتزوير ، ففي ظل القانون المصري يخرج عن نطاق سلطات المحكم إتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير فالمادة "٢/٥٠٦" من قانون المرافعات المصري رقم ١٣ لسنة ۱۹۸٦ التي ألغي العمل بها كانت تقضي بإحالة الطعن إلى القضاء ووقف خصومة التحكيم لحين صدور حكم إنتهائي في تلك المسألة. غير أن المادة "٤٦ من قانون التحكيم المصري الجديد نصت علي أنه : " إذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بالتزوير في ورقة قدمت لها أو إتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن فعل جنائي آخر، جاز لهيئة التحكيم الإستمرار في نظر موضوع النزاع إذا رأت أن الفصل في هذه المسألة أو في تزوير الورقة أو الفعل الجنائي الآخر ليس لازما للفصل في موضوع النزاع، وإلا أوقفت الإجراءات حتي يصدر حكم نهائي في هذا الشأن ، ويترتب علي ذلك وقف سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم.

    أما في ظل القانون الفرنسي الجديد تجيز المادة ١٤٥٧" للمحكم التصدي لمسألة الطعن بالتزوير وتحقيق الخطوط ونعتقد عدم ملاءمة هذا النص فإجراء تحقيق الخطوط أو التزوير هو أمر يتصل بأحكام القانون الجنائي والقوانين الآمرة التي يخرج عن نطاق إختصاص المحكم التصدي لها ويتعين إحالتها للقضاء.