اجراءات خصومة التحكيم / سلطة الهيئة في الأمر بأدلة الإثبات / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / المركز القانوني للمحكم في التحكيم التجاري الدولي / حدود سلطة المحكم في اتخاذ إجراءات تدخل ضمن مجال الإثبات
حدود سلطة المحكم في اتخاذ إجراءات تدخل ضمن مجال الإثبات
لما كان المحكم يقوم بنفس المهمة التي يقوم بها القاضي، وبالتالي فهو كالقاضي المعين من الدولة في مسألة الأوامر التي يصدرها إما من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إذا تطلبت ظروف القضية المعروضة عليه ذلك كما في مسألة عدم كفاية المستندات التي قدمها طرفا الخصومة لتكون لديه الفكرة والعقيدة باتخاذ ما يراه من إجراءات الإثبات الموائمة لخصومة التحكيم، وكانت الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وقبولها جائز، ومع ذلك يتعين مراعاة ما اتفق عليه الأطراف أو ما وردت بشأنه نصوص خاصة ،وتعد مسألة تقدير الموائمة من عدمه راجعة لتقدير المحكم.
وكذلك فعل المشرع اليمني ونص على ذلك في قانون التحكيم في المادة(42) والتي تنص على أنه يجوز للجنة التحكيم أن تعين خبيرا أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفوي بشأن ما تراه من قضايا متعلقة بموضوع النزاع، وعلى أطراف النزاع تقديم المساعدة اللازمة لتمكين الخبير أو الخبراء من إكمال المهمة على خير وجه، وترسل لجنة التحكيم نسخا من التقرير إلى كل من الأطراف وللجنة أن تقرر عقد جلسة لسماع أقوال الخيير وإتاحة الفرصة للأطراف لسماعه ومناقشته والرد عليه، ويجوز لأي من الطرفين الاستعانة بخبير أو خبراء بصفة شهود في مثل هذه الحالة ما لم يوجد اتفاق بخلاف ذلك".
وجدير بالذكر فأن من حق المحكم عدم اتباع الرأي الذي انتهي إليه الخبير في تقريره الذي طلب منه إعداده، فالمحكم مخير في أن يأخذ بهذا التقرير أو أن يرفضه.
لذلك فإن للمحكم أن يطلب من المحتكمين أو أحدهم تقديم أي مستند يكون تحت يده أو أية وثيقة من شأنها إيضاح أية ملابسات في الخصومة وتساعد على الوصول إلى حل مرض للمحتكمين.
أما بالنسبة لقانون التحكيم المصري فقد جعل تنظيم تلك المشكلة ومعالجتها لأحكام قانون الإثبات، فقد جاء في المادة (20) منه على أنه" يجوز للخصم في الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده:
أ- إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه.
ب - إذا كان مشتركة بينه وبين خصمه، ويعتبر المحرر مشتركاً على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتة لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة.
ج- إذا استند إليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوي.
هذا وقد حددت المادة (21) من قانون الإثبات الشروط الواجب إيضاحها في طلب إلزام الخصوم بقولها:- يجب أن يبين في هذا الطلب:
أ- أوصاف المحرر الذي يعينه.
ب - فحوي المحرر بقدر ما يمكن من التفصيل.
ج – الواقعة التي يستدل به عليها.
د- الدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد الخصم.
هـ- وجه إلزام الخصم بتقديمه".
وإذا كان المحكم يستطيع أن يأمر أحد المحتكمين بتقديم مستند، فهل يملك المحكم سلطة أمر الغير الذي قد تكون بحوزته وثيقة أو مستند تهم القضية المعروضة عليه؟ وهل من حق المحكم أن يحكم عليه بغرامة تهديدية في حالة امتناعه تقديم ما لديه؟ لم تتناول نصوص قانون التحكيم المصري هذه المسألة، ومن ثم يستشف من ذلك أنه لا يجوز اختصام الغير في التحكيم لإلزامه بتقديم محرر تحت يده، وبالتالي يحظر عليه الحكم بأية غرامة أو عقوبة، لكن قانون الإثبات المصري عالج هذه الإشكالية في المادة 29 والتي تنص على أنه " يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم محرر تحت يده وذلك في كل الأحوال ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد السابقة .
وأما بالنسبة لإجراء الاستجواب للشهود فالأصل أن هذه السلطة ممنوحة لقضاء الدولة، والمحكم باعتباره فردا عادية لا يتمتع بالسلطة المخولة للدولة، فهو لا يمكن سلطة اتخاذ الإجراء الذي يخول له إجبار الشاهد على الحضور والحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور، أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين (۷۸،۸۰) من قانون الإثبات المصري.
كما أن المحكم ليس له سلطة إلزام الشهود بأداء اليمين وهذا ما أكد عليه قانون التحكيم اليمني في المادة (40) والتي تنص على أنه إذا تطلب الأمر الاستعانة بخبراء أو كانت هناك ضرورة لسماع الشهود ففي هذه الحالة لا يكون هناك داع لطلب اليمين، ما لم يخالف ذلك قانون الإثبات الشرعي"، وذلك يعني أن المشرع اليمني في قانون التحكيم لم يتطلب من الشهود حلف اليمين للمحكم ما لم يكون هناك مخالفة صريحة للقانون الإثبات الشرعي اليمني، وهذا أيضا ما أكده عليه المشرع المصري في قانون التحكيم بأن المحكم لا يملك سلطة إلزام الشهود بأن يحلفوا اليمين وذلك بما جاء في صدر المادة (33) في فقرتها الرابعة والتي تنص على أنه 4 - ويكون سماع الشهود والخبراء بدون أداء يمين"، والعلة في عدم إمكانية تحليف الشهود اليمين إلى أنه يتضمن نوع من أنواع القهر والإجبار ويحتاج إلى سلطة عامة تقوم به أي سلطة أمر، وهذه السلطة لا يملكها المحكم، إضافة إلى ذلك أن حلف اليمين يعني أن الحالف صادق في شهادته، فإن تبين بعد ذلك أن الشاهد قد حلف كذبة، فبذلك يكون قد
ارتكب جريمة شهادة الزور المعاقب عليها جنائية، والمحكم لا يملك سلطة إيقاع عقوبات جنائية عن الأفعال الإجرامية التي يمكن أن يرتكبها أحد المحتكمين أو أي من الأشخاص الذي يمكن الاستعانة بهم في تسيير إجراءات الخصومة التحكيمية.
وأما بالنسبة لما جاء في شأن سلطة المحكم في مجال قبول. أدلة الإثبات، فقد جاءت قواعد الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (اليونسترال) ونصت على ذلك في المادة (20) في فقرتها السادسة والتي تنص على أنه" 6- هيئة التحكيم هي التي تقرر قبول الأدلة المقدمة أو رفضها أو وجود صلة بينها وبين موضوع الدعوى أو انتفاء هذه الصلة وأهمية الدليل المقدم ، وهذا معناه أن قواعد اليونسترال قد منحت المحكم السلطة التقرير الأخذ والقبول بالأدلة المقدمة في موضوع الخصومة أو رفضها، وكذلك من التحقق من وجود الصلة التي تربط بين تلك الأدلة وبين موضوع الدعوي أو أن ينفي تلك الصلة، والمحكم هو من يقرر أن الدليل المقدم في القضية ذو أهمية أم لا من حيث الدور في تغيير مسار الخصومة أم لا.