وطرق الإثبات في الدعوى التحكيمية هي ذات الإثبات في الدعوى القضائية إذ أن كل طرف يقدم ما لديه من أدلة أثبات امام المحكم كما هو الحال أمام القاضي حيث أن كليهما أي المحكم والقاضی ملزم بإصدار قرار حاسم بعد استيعابه للنزاع واسبابه وهذا يوجب عليه أن يكون على علم بوقائع الدعوى وحكم الشريعة بها ويكون علمه بوقائع الدعوى عن طريق الإقرار والشهادة واليمين والقسامة والقرآن وهذا رأي الحنفية وقد زاد بعض الفقهاء على ذلك علم القاضي .
لذا اسنتطرق إلى شرح كل طريقة من طرق الإثبات
أولا: الإقرار
تعريفه ومشروعيته
عرف الإقرار بأنه( ( الإقرار خبر صادق أو راجح صدقه على كتبه)).
وكذلك عرف بأنه (الإخبار بثبوت حق للغير على نفس المقر ولو في المستقبل).
وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وآراء فقهاء المسلمين ما يؤيد ال الأخذ بالإقرار واعتباره طريقا من طرق الإثبات أمام القضاء.
فقد ورد في القرآن الكريم (( و أخذ الله ميثاق النبيِّين لما أتيكُم مِّن كتاب وحكمة ثم . جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدْقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمنن به والنصرته قال الفررْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ بصري قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهدين)).
وقوله تعالى (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وليتق الله رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسَ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقِّ سَفِيها أو ضعيفاً أوْ لا يستطيع أن يُملُّ هُوَ فَلْيُمَلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ). أي فليقر بالحق.
وقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تستكون دماءكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) .
أما مشروعية الإقرار في السنة النبوية الشريفة فقد أخذ الرسول (ص) بالإقرار ورتب عليه القصاص والحدود ومن أمثلة ذلك إقرار ماعز أمام النبي (ص) فأمر برجمه استنادا إلى إقراره (۳) وفي قضية العسيف قال الرسول الكريم (ص) (أعد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها).
ومثال على الإقرار بالسرقة عن أبي أمية المخزومي قال: أتى رسول الله (ص) بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال رسول الله (ص) (ما أخالك سرقت قال : بلى فاعاد عليه مرتين أو ثلاث فامر به قطع).
وقد نهج الخلفاء الراشدون نهج القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في الأخذ بالأقرار واعتباره طريقا من طرق الإثبات ومن أمثلة ذلك ما روي عن صفية بنت ابي عبيد قالت أن رجلا لم يكن أحصن اعترف على يد الخليفة أبي بكر (رض) بالزنا فأمر بجلده ونفيه إلى فدك) .
وعن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) انه أتاه رجل وأفاد بأنه وجد امرأته مع رجل فأرسل الخليفة عمر أبا واقد الليثي إلى زوجة ذلك الرجل فأخبرها بما قال زوجها واتهامه لها بالزنا وأخبرها بأنها لا تؤخذ بقول وباستطاعتها نفي ذلك ولا تحد عن نفيها إلا أنها اعترفت فأمر الخليفة برجمها .
وعن الامام علي (ع) أن امرأة جاءته وطلبت منه تطهيرها بسبب زنيها وكانت حامل فصرفها حتى وضعت مولودها ثم عادت وطلبت تطهيرها من ارتكاب الزنا فصرفها حتى ترضع طفلها ثم عادت بعد حولين فصرفها وطلب منها من يكفل طفلها ثم عادت بعد أن تكفل عمر بن حديث المخزومي ولدها وبذلك قد ترددت على الإمام علي (الله) أربع مرات قامر برجمها بعد أن عدها قد شهدت على نفسها أربع مرات.
أما فقهاء المسلمين فقد أخذوا جميعهم بالإقرار واعتباره طريقا من طرق الإثبات الا أنهم اختلفوا في تعريفه اصطلاحا وترتب على اختلافهم في تعريفه اختلافهم في أحكام بعض الفروع .
فقد عرفه بعض العلماء بأنه (اخبار) مكلف مختار ما عليه لفظا أو كتابه أو إشارة أخرى أو على موكله أو مورثة بما يمكن صدقه وليس بإنشاء) .
وهذا التعريف يحمل نفس دلالات تعريف الجمهور إلا أنه على بشروط وأنواع وصيغ الإقرار ومدى حجيته في ذات المقر وغيره.
وعرف أخرون بأنه (أخبار عما في نفس الأمر لا إنشاء).
ويتميز هذا التعريف بأنه إشارة إلى معنى الإقرار بذاته ويجب الواقع وهذا خلاف ما يراد به كحجة أمام القضاء وذلك أن القاضي يبني حكمه على الظاهر المقبول عنده وقد يخالف الظاهر عن الإقرار الواقع منه وقد استند أصحاب هذا الرأي على الحديث الشريف (إنكم تختصمون إلى لعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما اسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه فإنما اقطع له قطعة من النار).
صيغة الإقرار
الإقرار على وفق ما عرفه الفقهاء هو( اخبار الانسان عن ثبوت حق للغير على نفسه ) وعليه يجب أن تكون هذه الصيغة التي تعني الإقرار صريحة بمدلولها ومعناها ولا يمكن تأويلها على غير ما يريده المقر وبالتالي الزام نفسه بحق للغير عليه أو الاعتراف بارتكاب عمل مخالف للشريعة وهو إلزام جنائي بارتكاب فعل تعاقب عليه الشريعة الإسلامية .
وهذه الصيغة التي يعبر بها المقر عن الحق المذكور تكون أما صريحة أو غير مريحة
١- الصيغة الصريحة : وهي التي يعبر عنها المقر باللفظ الدال على الإقرار أو بالكتابة بان يلزم نفسه بالحق المذكور .
٢ - صيغة غير صريحة : وهي التي تدل على الإقرار بشكل لا يقبل التأويل أو الشك وتصدر مثل هذه الصيغة بالأشارة المفهومة الواضحة أو التكول أو السكوت الدال على الموافقة وفقا للقاعدة الفقهية (السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يعتبر موافقة).
وقد أورد صاحب خزانة الفقه وعيون المسائل واحدا وخمسين لفظا يكون إقرارا عند المطالبة وأحد عشر لفظا في غير المطالبة وعشرة الفاظ لا تكون إقرارا وسبعة مواضع سكوت الرجل يكون إقرارا بالرق .
شروط صحة الإقرار
ومن أجل أن يكون الإقرار صحيحا وملزما لصاحبه وحجة عليه اشترط الفقه الإسلامي عدة شروط يجب توافرها في المقر حتى يحكم بصحة إقراره ومن هذه الشروط :
١- ان يكون المقر بالغا عاقلا مختارا فلا يصح إقرار الصبي أو القاصر أو فاقد الأهلية لأي سبب وان يكون بحالة صحو وليس سكرانا وأن يكون مدركا لما أقر به أي أن يكون على علم بما يترتب عليه جراء هذا الإقرار من مسؤوليات.
٢ - ان لا يكون المقر مكرها بإقراره ولا يعتد بمثل هذا الإقرار الذي لا تكون للإرادة الحرة دخل فيه.
٣- أن لا يكون المقر متهما بإقراره كما هو الحال في إقرار المريض مرض الموت بدين لأحد من الورثة.
٤- ومن شروط صحة الإقرار أيضا أن لا يكون الإقرار مبنيا على خطأ، ومن صور هذه الحالة من يقر بدين لآخر يتبين له بعد هذا الإقرار أنه قد أوفى الدين وان ذمته بريئة وذلك بعثوره على ما يؤيد الايفاء مثل صدور وصل من الدائن يؤيد الوفاء.