اجراءات خصومة التحكيم / سلطة هيئة التحكيم في قبول طلب إتحاذ إجراءات الإثبات / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / فاعلية القضاء المصري في مسائل التحكيم التجاري الدولي / الأمر بتنفيذ التدبير الوقتي أو التحفظي الصادر من هيئة التحكيم
الأمر بتنفيذ التدبير الوقتي أو التحفظي الصادر من هيئة التحكيم:
هناك حالات تقتضي الضرورة فيها إلى اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية معينة، سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سير خصومة التحكيم.
عالج قانون التحكيم اتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية في المادتين رقمي (14، 24) من قانون التحكيم. حيث منحت، الفقرة الأولى من المادة (24)، من قانون التحكيم، هيئة التحكيم سلطة إصدار الأمر لأحد طرفي النزاع باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية حيث نصت على أنه: " يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب أحدهما، أن تأمر أيا منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع..." ولكي ينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم بالأمر باتخاذ التدابير المؤقتة والتحفظية يتعين النص صراحة في اتفاق التحكيم على ذلك بعبارات وألفاظ صريحة دون لبس. إضافة إلى ذلك يجب أن يطلب أحد الطرفين من الهيئة إصدار هذا الأمر حيث لا يجوز لهيئة التحكيم أن تتعرض لمسألة من تلقاء نفسها، وإلا تعرض حكمها للبطلان بتجاوزها اتفاق التحكيم.
حيث يطلب الطرف الصادر لصالحه الأمر، من رئيس المحكمة المحددة بالمادة من قانون التحكيم وذلك طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة (24) من قانون التحكيم إذ نصت على أنه "إذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه جاز لهيئة التحكيم بناء على طلب الطرف الآخر أن تأذن لهذا الطرف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وذلك دون إخلال بحق هذا الطرف في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون الأمر بالتنفيذ".
ويثور التساؤل، هل اتفاق طرفي التحكيم على مد سلطة هيئة التحكيم إلى إصدار أمر وقتي يؤدي إلى منع الالتجاء إلى قضاء الدولة المختص أساسا بذلك خاصة وأن المادة (14) من قانون التحكيم نصت على أن " يجوز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر، بناء على طلب أحد طرفي التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها"؟
وفق نص المادة (14) المتقدم يكون الاختصاص باتخاذ تلك الإجراءات الوقتية لقضاء الدولة خاصة إذا لم يوجد اتفاق بين طرفي التحكيم يمنح بشكل صريح، هيئة التحكيم سلطة الأمر باتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية، في هذه الحالة تغل يد هيئة التحكيم في الأمر بهذه التدابير ويكون الاختصاص باتخاذ تلك الإجراءات للقضاء وحده وفق نص (م/14) فنص المادة (14) أتاح لطرفي التحكيم قبل تشكيل هيئة التحكيم، الالتجاء إلى القضاء المستعجل لكن ليس هناك مبرر لبقاء تلك الإمكانية بعد تشكيل هيئة التحكيم واتصالها بالنزاع اللهم إذا خلا اتفاق التحكيم من منح هيئة التحكيم إمكانية الأمر باتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية، وهنا فقط أبقى المشرع على إمكانية طرفي التحكيم لطلب اتخاذ تدابیر مؤقتة أو تحفظية سواء قبل أو بعد بدء إجراءات التحكيم وأثناء سير خصومة التحكيم. ويتجلی مما سبق أنه في حالة وجود اتفاق بين الأطراف على اختصاص هيئة التحكيم باتخاذ التدابير المؤقتة أو التحفظية فإن هذا الاتفاق يمنع القضاء من نظر طلب إصدار أمر باتخاذ تلك التدابير المؤقتة.
ما مدى إمكانية تنفيذ أمر وقتي صادر في تحكيم يجري في الخارج ولم يتفق أطرافه على خضوعه لقانون التحكيم المصري؟
يرى الباحث أنه لا مانع من لجوء صاحب المصلحة الى المحكمة المشار إليها في المادة (1) من قانون التحكيم لاستصدار أمر من القضاء لتنفيذ الأمر الوقتي الصادر في الخارج من هيئة تحكيم التي تطبق قانون الإرادة وهو قانون التحكيم المصری رقم 27 لسنة 1994، ،خاصة وقد نصت المادة الأولى من هذا القانون - في تحديد مجال سريانه - على أن: "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية ، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم... إذا كان التحكيم يجري في مصر أو كان تحكيما تجارياً دولياً يجرى فى الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون". إذا ووفقاً لهذا النص وكون قانون التحكيم المصري هو الواجب التطبيق فإنه يستوجب نفاذ الأوامر الوقتية الصادرة من هيئة التحكيم في الخارج، لما في ذلك تحقيق الفاعلية القضاء لنظام التحكيم.
لكن ما الوضع عندما يصدر في الخارج حكم تحكيم وقتي لم يتفق أطرافه على خضوعه لقانون التحكيم المصري؟
أجابت على هذا التساؤل محكمة استئناف القاهرة، وذلك بمناسبة الحكم في التظلم من القرار الصادر في الأمر رقم 39 لسنة 134 ق بتنفيذ أمرا إجرائيا بتدابير تحفظية مؤقتة صادر في نزاع معروض أمام هيئة تحكيم بغرفة التجارة الدولية ICC وهذا التحكيم يخضع لقواعد تلك الغرفة.
حيث بتاريخ 2017/8/11 أصدر رئيس محكمة الاستئناف ورئيس الدائرة السابعة أمره المتضمن بالتنفيذ. وبتاريخ 2017/12/6 تم التظلم من هذا الأمر، وبتاریخ 2018/5/9 قضت المحكمة برفض التظلم وتأييد الأمر بالتنفيذ المتظلم منه وبررت ذلك بما يلي:
1- إن القرارات أو الأوامر المشتملة على تدابير مؤقتة التي تصدرها هيئة التحكيم خلال دعوى تحكيمية أجنبية يمكن أن تكون قابلة للتنفيذ في دولة التنفيذ إذا ما توافرت فيها الشروط المتطلبة لذلك .. فالآثار التي يرتبها القرار التحكيمي الوقتي الأجنبي مطابقة للآثار التي يرتبها القرار الوقتي المحلي، وكلاهما ينهي النزاع بين المحتكمين بشأن التدابير المؤقتة المثارة في دعوى التحكيم ويسري في شأن تنفيذ القرار الأجنبي المؤقت - عند التطبيق - ما يسري في شأن تنفيذ القرار المؤقت الصادر في تحكيم محلي دون تفرقة.
2- أن القرار التحكيمي الوقتي المطلوب تنفيذه خارج حدود بلد التحكيم يندرج ضمن الأحكام التحكيمية التي تعترف بها اتفاقية نيويورك لما لاتفاقية مؤسسة على الانحياز للتنفيذ، فهي تحمي تنفيذ اتفاقات وأحكام التحكيم.
3- قواعد قانون التحكيم النموذجي وتعديلاته المعتمدة في عام 2006 تنص على أنه يتعين الاعتراف بالتدبير المؤقت الصادر عن هيئة التحكيم كتدبير ملزم ويتعين انفاذه بناء على طلب يقدم إلى المحكمة المختصة، بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه.
تلك المبررات الأساسية التي استندت إليها محكمة الاستئناف وأيدت الأمر بتنفيذ حكم تحكيم وقتي صادر بالخارج ولم يتفقا أطرافه علی خضوعه لقانون التحكيم المصري.
يرى الباحث أن الحكم المتقدم يعد الحد الأقصى للفاعلية المرجوة من القضاء النظام التحكيم.
لذا يهيب الباحث بالمشرع بالتدخل التشريعي حتى تكون هذه الفاعلية مرتكنة إلى نص صريح في قانون التحكيم المصري، كي لا يكون هناك اجتهاد في ظل غيبة النص ولكي يكون الأفراد على علم مسبق بالإجراءات التي ستتبع.
ويتساءل الباحث عن مدى جواز رفع دعوى بطلان الاحكام الوقتية والتحفظية على استقلال قبل الحكم المنهى للخصومة التحكيمية؟
يرى الباحث أنه يجوز رفع دعوى بطلان الأحكام المستعجلة الصادرة عن هيئة التحكيم قبل صدور الحكم المنهي للخصومة التحكيمية ، حيث إنه لم يرد نص خاص في قانون التحكيم يحكم هذه المسألة لذا ينبغي الرجوع إلى قانون المرافعات باعتباره الشريعة العامة ، وحيث إن المادة (212) من قانون المرافعات قد است الأحكام الوقتية المستعجلة من قاعدة عدم جواز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى فأجازت الطعن فيها دون انتظار الحكم المنهى للخصومة كلها فانه والحال كذلك يتعين اعمال هذه القاعدة بحيث يجوز رفع دعوى بطلان الأحكام المستعجلة الصادرة من هيئة التحكيم فور صدورها دون انتظار الحكم المنهی للخصومة كلها.
وفي حالة عدم اتفاق الأطراف يكون الاختصاص للقضاء وحده.
توثيق هذا الباحث
ويرى الباحث، لتفعيل نظام التحكيم، باعتباره أهم وسيلة لتسوية المنازعات، ضرورة تعديل قواعد مراكز التحكيم الموجودة بمصر، وذلك بتبني نظام "محكم الطوارئ" أسوة بمراكز التحكيم الدولية لمواجهة الحالات التي تقتضي الضرورة فيها إلى اتخاذ تدبیر وقتي أو تحفظي ذلك لعدم تشكيل هيئة التحكيم بعد.
ويقصد بمحكم الطوارئ، ذلك الشخص الذي يتم تعيينه بناء على طلب أحد الأطراف من قبل مركز التحكيم في شأن اتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية في خصوص الحق المتنازع عليه خوفا من هلاكه.
اختصاص القضاء بتوفير أدلة الإثبات:
إن الإثبات هو سلاح الخصوم في معركة الخصومة التحكيمية وهو في جوهره إقناع لهيئة التحكيم بإدعاء أو بآخر من جانب هذا الخصم أو ذاك والإثبات يهدف إلى إقناع هيئة التحكيم بصحة الواقعة التي يرد عليها ويتحقق هذا الهدف من توافر عناصر إقناع كافية بصحة الواقعة لدى المحكم.
ولقد منح المشرع هيئة التحكيم صلاحيات للحصول على أدلة الإثبات، فأجاز لها أن تستمع إلى الشهود أثناء نظر موضوع النزاع إلا أنه نظرا لعدم تمتعها بسلطة الجبر والإلزام، فقد قرر المشرع تدخل القضاء في هذا الشأن بإلزام الشهود بالمثول أمام هيئة التحكيم والإجابة على الأسئلة الموجهة إليهم، حيث نصت المادة (۳۷) من قانون التحكيم على أنه:
"يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون، بناء على طلب هيئة التحكيم بما يأتي:أ) الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور في المادتين ۷۸، ۸۰ من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية".
تجدر أهمية الإشارة إلى أن تدخل القضاء بالمساعدة لتوقيع الجزاءات على الشاهد الممتنع عن المثول أمام هيئة التحكيم أو امتناعه عن الإجابة، يكون ذلك بناء على طلب هيئة التحكيم طبقاً لصراحة نص المادة (37) من قانون التحكيم لذا يرى بعض الفقه أنه لا يجوز لأطراف النزاع طلب توقيع الجزاءات المنصوص عليها في المادتين 78، 80 من قانون الإثبات استناداً إلى أن طلب سماع الشاهد يكون بناء على طلب أحد الأطراف إلى هيئة التحكيم، وهذه الأخيرة هي التي تقرر قبول الطلب أو رفضه، ولا معقب عليها من قبل رئيس المحكمة المحددة بالمادة (4) من قانون التحكيم حيث إنه لا يكون أمامه سوى الطعن على الحكم بالبطلان تطبيقا لحكم المادة 53/ج تأسيسا على الإخلال بحق الدفاع.
ويقصد بالإنابة القضائية قيام المحكمة التي تنظر الدعوى بتفويض محكمة أخرى للقيام بأحد إجراءات التحقيق أو الإجراءات القضائية نيابة عنها بسبب بعد الأولى عن مكان الإجراء المراد اتخاذه أو وجود أي مانع يحول دون قيامها به والإنابة قد تكون داخلية أو خارجية، فإذا كان المكان المطلوب اتخاذ إجراء
التحقيق فيه بعيداً عن مكان التحكيم فإن لهيئة التحكيم أن تطلب من رئيس المحكمة التي حددها المشرع في المادة (9) من قانون التحكيم، انتداب قاضي محكمة المواد الجزئية الذي يقع هذا المكان في دائرته للقيام بهذا الإجراء، حيث تنص (م/37) تحكيم على أن يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (1) من هذا القانون بناء على طلب هيئة التحكيم بالأمر بالإنابة القضائية وهو ما يعني أن هيئة التحكيم لا تملك بمفردها اللجوء إلى الإنابة القضائية المقررة لمحاكم الدولة والتي ورد النص عليها في المادة (4) من قانون الإثبات من أنه "إذا كان المكان الواجب إجراء الإثبات فيه بعيدا عن مقر المحكمة جاز لها أن تنتدب لإجرائه قاضي محكمة المواد الجزئية الذي يقع هذا المكان في دائرتها، وذلك بحسبان أن هيئة التحكيم لا تملك توجيه أمر المحاكم الدولة.
خلاصة القول.. إن هيئة التحكيم قد تطلب سماع بعض الشهود في النزاع محل التحكيم القائم بين الأطراف إلا أن الشاهد قد يتخلف عن الحضور بما يعيق النظر في نزاع التحكيم أو قد يحضر الشاهد وتوجه إليه بعض الأسئلة من هيئة التحكيم، إلا أنه يمتنع عن الإجابة ولم يترك المشرع هيئة التحكيم لاتخاذ إجراء ضد هؤلاء بل قرر في المادة (37) تحكيم على أن تقوم هيئة التحكيم بطلب توقيع الجزاء على الشاهد الذي لم يحضر أو الشاهد الممتنع عن الإجابة من المحكمة لتطبيق حكم المادتين (78)، (80) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية. فضلا عن إمكانية هيئة التحكيم في طلب الإنابة القضائية من المحكمة المحددة بالمادة (9) من قانون التحكيم، فهذا كله يعد نوعا من المساعدة التي يقدمها القضاء إلى التحكيم معـا يؤكد فاعلية القضاء الوطني لنظام التحكيم.