الأصل يجري الإثبات وفقاً للقواعد المعمول بها أمام قضاء الدولة .
يكتسب الإثبات أمام أية هيئة قضائية سواء كانت قضاء الدولة أو قضاء التحكيم أهمية خاصة لأن مصير حسم النزاع بشكل صحيح يتوقف على الوجه الذي يتم به تنظيم أدلة الإثبات .
ويمكن القول أن ثمة اتجاه غالب هو أن يعهد إلى هيئة التحكيم ذاتها بتحديد إجراءات الإثبات المناسبة حسب ظروف كل قضية وأن تنظيم كيفية إدارة وسائل الإثبات .
وإزاء سكوت القانون المصري عن تنظيم هذه الإجراءات بنصوص مفصلة فإنه يمكن القول أنه أخذ الاتجاه الأول فهو قد ذكر طرق الإثبات كلها في المادتين ۲۸ ، ٣٦ مكتفياً بتفصيل قواعد الخبرة بما لا يخرج عن القواعد العامة في قانون الإثبات ۲۷ لسنة 1994 .
والواقع أن الخلاف بين الاتجاهين ليس عميقاً لأن المحكم في الاتجاه الأول لا يلتزم التزاماً مطلقاً بقواعد الإثبات أمام قضاء الدولة بل يوائم هذه الإجراءات بما يتفق مع نظام التحكيم فضلاً عن أنه إذا كانت هيئة التحكيم لا تتقيد بالقانون الموضوعي ( الصلح ) فإنه يوجد لدى هيئة التحكيم حينئذ قدراً كبيراً من الحرية .
غير أن هذه الحرية ليست مطلقة لأن ثمة اعتبارات واقعية وقانونية تؤثر على المحكم من الناحية النفسية وتدفعه إلى استقاء القواعد الموجودة في قانون الإثبات فضلاً عن وجود قواعد قانونية عالمية في الإثبات تحد من حريته في هذا النطاق .
الأصل أن تجري إجراءات الإثبات بمعرفة كل المحكمين ومع ذلك يجوز أن تتم بمعرفة بعضهم بشروط معينة :
الأصيل طبقا للقواعد العامة أن تجري هيئة التحكيم بكامل تشكيلها إجراءات التحقيق الذي يتعين تحريره وإلا كان الإجراء باطلا ، فإذا وجد نص يخالف ذلك في مشارطة التحكيم كان هو واجب الإتباع.
ويجوز لهيئة التحكيم أن تندب بعض أعضائها لاتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق على أن يثبتوا هذا الندب في محضر الجلسة وذلك في حالتين (الأولى) إذا كان اتفاق التحكيم يخولهم ذلك ويكون مصدر سلطة المحكم هو إرادة الخصوم ويتعين أعمال إرادتهم لأن قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام ، والحالة ( الثانية ) إذا اجمع المحكمون على ندب أحدهم أو بعضهم فإن ذلك يجوز طبقا للقواعد العامة لأن المحكمين غير مقيدين بقواعد الإجراءات وكان لا يوجد نص يمنعهم فإن ذلك يكون جائزا.
وفي حالة ندب بعض المحكمين لإتخاذ إجراء الإثبات يتعين من ندب أن يعرض نتيجة عمله على هيئة التحكيم بكامل تشكيلها قبل أن تصدر حكمها ، ولا يلزم حينئذ عرض نتيجة العمل على الخصوم للاطلاع عليه والمناقشة فيه لأن ذلك يكون من صميم عمل هيئة التحكيم وجزءا من الحكم الذي سيصدر ، وإذا ثبت أن هيئة التحكيم لم تطلع بكاملها على المحضر الذي دون به نتيجة الإجراء كان الحكم باطلا.
وبطبيعة الحال فإنه إذا كان هناك نص في اتفاق التحكيم يوجب اتخاذ الإجراءات بمعرفة كل المحكمين وجب اتباعه وإلا كان الحكم باطلا لخروجه على حدود اتفاق الأطراف وتحقق بذلك إحدى حالات دعوى البطلان .
وعندما يقرر المحكمون اتخاذ إجراء من الإجراءات الإثبات فيمكنهم ذلك مباشرة دون حاجة لإصدار حكم تحضيري .