اجراءات خصومة التحكيم / اجراءات الإثبات والطلبات العارضة / الكتب / حدود سلطة هيئات التحكيم تجاه وسائل الإثبات المختلفة (دراسة مقارنة) / الاستجواب كوسيلة إثبات أمام هيئات التحكيم
الاسم
محمد يوسف علام
تاريخ النشر
2021-01-01
اسم دار النشر
دار وليد للنشر والتوزيع والبرمجيات المركز القومي للإصدارات القانونية
مما لا شك فيه أن الاستجواب نوعان في الفقه المقارن والقانون المقارن ، استجواب مقيد ويهدف إلى الحصول على إقرار قضائي من الخصم وهو لا يكون إلا بناء على طلب الخصم ، واستجواب حر وهو لا يهدف إلى الحصول على إقرار دائماً وإنما يهدف إلى الحصول على إيضاحات تفيد في إظهار الحقيقة ، ومن ثم يمكن أن يتم بناء على طلب المحكمة أو هيئة التحكيم ، ويوجه إلى الخصم ولو لم تتوافر فيه أهلية التصرف ، ويأخذ القانون الإيطالي بهذين النوعين ، وأيضاً القانون المصري القديم ، إلا أن القانون الفرنسي قد ألغى الاستجواب المقيد ، أما القانون المصري الحالي فقد أخذ بنظام يجمع بين قواعد النظامين (المقيد والحر) وقد تبعه في ذلك العديد من الأنظمة العربية ، وعلى ذلك يمكن تعريف الاستجواب في هذه الأنظمة بأنه طريق من طرق تحقيق الدعوى يتخذها الخصم أو المحكمة أو المحكم بسؤال الخصم الآخر أو أحد أطرافه عن وقائع معينة للوصول إما إلى قرار بها أو تمكين المحكمة من تلمس الحقيقة بالدعوى .
ومن الجدير بالذكر أن كل خصم في الدعوى ، أصيلاً أم متدخلاً ، مدعياً أم مدعى عليه ، محتكم أم محتكم ضده أن يطلب استجواب خصمه ، ويكون ذلك لهيئة الحكم أيضاً ، ومن الجدير بالذكر رغم وجود هذا الحق إلا أن للمحكمة سلطة تقديرية كاملة في إجابة هذا الطلب من عدمه إذا توافر لديها في الدعوى عناصر أخرى للإثبات تكفي لتكوين عقيدتها ، فإجابة طلب الاستجواب من الرخص المخولة لقاضي الموضوع .
ويجب أن يكون المستجوب خصماً في الدعوى ، فلا يجوز دعوة الغير لاستجوابهم وإنما يمكن دعوتهم لسماع أقوالهم كشهود بعد حلف اليمين إذا كانوا أمام المحكمة أو بدون حلف يمين إذا كانوا أمام هيئة تحكيم ، ومن ناحية أخرى يجب أن يكون المستجوب كامل الأهلية ، فإذا كان عديمها أو ناقصها جاز استجواب من ينوب عنهم شريطة أن يكون للنائب أهلية التصرف في الحق المتنازع فيه ، ويجوز استجواب القاصر فيها أذن له .
أما عن إجراءات الاستجواب فتبدأ بصدور قرار أو حكم تمهيدي بإجراء الاستجواب وتحديد جلسة لنظر الاستجواب وتكليف الخصم المطلوب استجوابه ، والذي يجب أن يحضر جلسة الاستجواب شخصياً ، إلا إذا كان له عذر يمنعه من الحضور فإنه يجوز للمحكمة أن تندب أحد قضاتها لاستجوابه ، ويتولى القاضي أو سلطة الحكم توجيه الأسئلة إلى المستجوب حتى ولو كانت أسئلة خصمه ، ويتم تحرير محضر جلسة يذكر فيه الحاضر من الخصوم والمستجوب وما وجه إليهم من أسئلة وإجاباتهم عليها ، ويجب التوقيع من سلطة الحكم ومن جميع الحاضرين فإذا امتنع الشخص المستجوب من التوقيع ذكر ذلك وسببه في المحضر ، وإذا تضمنت إجابة المستجوب إقراراً صريحاً أو ضمنياً اعتبرته المحكمة كذلك ، وإلا جاز لها اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة أو اتخذت منه قرائن قضائية وفقاً للقواعد العامة ، أما إذا لم يحضر المستجوب ولم يقدم عذراً لسلطة الحكم قضائياً كان أو محكماً ، أو كان عذره غير مقبول أو حضر ورفض الاستجواب ، فيجوز لسلطة الحكم في هذه الحالة أن تقبل الإثبات بالشهادة أو القرائن حيث كان يجب الإثبات بالكتابة .
ويتلاحظ هنا أن منازعات التحكيم في العقود الإدارية لها خصوصية شديدة فيما يتعلق بالاستجواب لا تقل عن خصوصيتها فيما يتعلق باليمين نظراً لتعلقها بإرادة الدولة وبمدى جواز الإقرار بشأنها أو أهلية هذا الإقرار ، فيجب على هيئات التحكيم الحذر من استخدام الاستجواب مع الدولة في تلك المنازعات التي غالباً ما ترتبط بالنظام العام لتعلقها بالمال العام ، ونحن من المعارضين لاستخدام الاستجواب في هذا النوع من المنازعات التي تكون إرادة الدولة فيها ظاهرة وطبيعية المنازعة تتسم بالخصوصية ، فكما لا يجوز تحليف الدولة يميناً حاسة لا يجوز أيضاً استجوابها ، وإن حدث ذلك فسوف تثور إشكاليات عملية كثرة عن مدى أهلية المستجوب وصلاحياته للإدلاء بأقواله أو بإقرار ينحرف في جانب منه أو في معظمه للنظام العام والصالح العام .