يعد تقديم المستندات إجراء جوهريا ً، إذ لايتصور وجود تحكيم بلامستندات حتى في " ظل التحكيمات السلعية يتم تقديم نسخة من العقد المبرم وشهادات فحص العينات، وغالباً ما تقدم المكاتبات المتبادلة بين الأطراف، والمتعلقة بالنزاع . وليس هناك موعد محدد لتقديم المستندات،وإن كان الأصل أن تقدم في بداية الإجراءات فالسرعة التي هدف إليها الأطراف يجب أن تنعكس على المسارعة بتقديم ما لديهم من مستندات تيسيراً لحسم النزاع . ومن الإجراءات التي تتميز بها إجراءات التحكيم وتعكس الروح الودية التي تسيطر على الإجراءات بعيداً عن لدد الخصومة في إتفاق الأطراف مقدماً على المستندات التي ستقدم في الدعوى، وذلك من خلال تقديم كل طرف قائمة بالمستندات التي في حوزته، ويتم ترقيع وترتيب المستندات تبعاً لأهميتها .
ويتحقق المحكم من ارتباط المستندات بموضوع النزاع، وذلك إذا كان من شأنه تأييد إدعاء من قدمه أودفع إدعاء خصمه أو الأمرين معاً، وتعد الأدلة المستندية دليلا قاطعاً في الدعوى ما لم تجحد أو يطعن عليها، ولايملك المحكم إستبعاد أية مستندات أو الالتفات عنها دون التنبيه على الأطراف وإتاحة الفرصة لهم للإعتراض أو تقديم دليل آخر وذلك إحتراماً لحقوق الدفاع. وقد نصت المادة "31" من قانون التحكيم المصري الجديد على وجوب إرسال صورة مما يقدمه أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات إلى الطرف الآخر، وأيضاً ترسل صورة من كل ما يقدم إلى المحكمة من تقارير الخبراء والمستندات وغيرها من الأدلـة، ويثـور التساؤل عما إذا كـان للمحكـم سـلطة إلـزام الأطراف،أو الغير بتقديم مستندات تحت يدهم متعلقة بالنزاع شأنه في ذلك شأن القاضي، أم أن الوضع يختلف لافتقاد المحكم سلطة الأمر التي تمكنه من فرض إرادته جبراً على الأطراف أو الغير، وسنتناول هذه المسألة ببعض التفصيل.
أ- إلزام الخصوم بتقديم أصول المستندات :
يلتزم المحكم بمطالبة الخصوم بالمستندات الهامة ولو لم يتمسك الخصم الآخر بوجوب تقديمها، والمادة 3/30" من قانون التحكيم المصرى الجديد قد أشارت إلى حق هيئة التحكيم في أن تطلب في أية مرحلة كانت عليها الإجراءات تقديم أصول المستندات والوثائق التي يستند إليها أي من طرفي الدعوى،ومن المتصور إمتناع أحـد الأطراف عن تقديم مستندات في حوزته إما لما لها من سرية أولأنها في غير صالحه ،ولاشك أن هذا من شأنه عرقلة سير النزاع، مما دفع العديد من الأنظمة القانونية الوطنية وغالبية القواعد المؤسسية وبصفة خاصة في الآونة الأخيرة, إلى منح المحكم سلطة إلزام الأطراف بتقديم المستندات التي في حوزتهم،وذلك بهدف تجنب الإلتجاء إلى القضاء لإلزام الخصم بتقديم المستند أومعاقبته ولا يجب أن يأخذ من جانب المحكم شكل الجزاء العقابي أو الإنتقامي.
وهو ما قررته المادة "35" من قانون التحكيم المصرى عندما نصت على أنه " إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات جاز لهيئة التحكيم الإستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استناداً إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها ".ويتقيد المحكم عند مطالبة الخصم بتقديم مستند تحت يـده بـأن يكون من الجائز قانونا إلزامه بتقديمه شأنه في ذلك شأن القاضي.
ب إلزام الغير بتقديم المستندات :
يملك القاضي الوطني إلزام الغير بتقديم مستند تحت يده تحت طائلة الحكم عليـه بالغرامة التهديدية ،أما المحكم فلايملك أن يأمر الغير بتقديم أية مستندات في حوزتهم كما لايملك الحكم عليهم بالغرامة التهديدية .وقد تفادي المشرع الفرنسي الإشارة إلى سلطة المحكم في إجبار الغير على تقديم مستند تحت يده، ويمكن للأطراف اللجوء إلى القضاء للمعاونة في ذلك،