تجرى الإجراءات القضائية أمام محاكم الدولة بلغتها الرسمية، فإذا كان أحد الخصوم أو الشهود أو الخبراء أجنبياً لا يتكلم لغة الدولة يجب أن تترجم أقواله إلى لغة الدولة، كذلك الأمر في حالة قدم مستند أو تقرير بلغة أجنبية فإنه يجب أن تكون له ترجمة رسمية إلى لغة الدولة. أما في التحكيم تظهر مشكلة اللغة التي يتخاطب بها أطراف خصومة التحكيم وأعضاء هيئة التحكيم في التحكيمات ذات الطابع الدولي، حيث يكون أحد الأطراف، على الأقل، أو أحد أعضاء هيئة التحكيم، أجنبيا ينتمي إلى دولة تتحدث لغة غير لغة الباقين. فالتحكيم عندما يباشر بلغة لا يتحدث بها أحد أطراف النزاع هو بذاته أو من يمثله أو ش هوده الذين يستعين بهم على إثبات الحق فإن ذلك سيمثل عبئا ثقيلا عليه وسيكبده المزيد من النفقات الناتجة عن اللجوء إلى الترجمة. وقد نظمت أنظمة ومؤسسات التحكيم ولوائح ومراكز التحكيم مسألة لغة التحكيم.
حيث حرصت قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة على تخويل الخصوم الاتفاق على لغة التحكيم في مختلف مراحله الإجرائية، كما خولت محكمة التحكيم اختيار اللغة التي تراها مناسبة إذا لم يوجد اتفاق بشأنها بين الخصوم وجاءت المادة 22 من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ترديداً لقواعد تحكيم اللجنة المذكورة فنصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه "للطرفين حرية الاتفاق على اللغة أو اللغات التي تستخدم في هذه الإجراءات، ويسري هذا الاتفاق والتحديد على أي بيان مكتوب يقدمه أي من الطرفين وأي مرافعة شفهية وأي حكم تحكيم أو قرار أو أي بلاغ آخر يصدر من هيئة التحكيم ما لم ينص الاتفاق على غير ذلك". كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه "لمحكمة التحكيم أن تأمر بأن ترفق بأي دليل مستندي ترجمة له إلى اللغة أو اللغات التي اتفق عليها الطرفان أو عينتها محكمة التحكيم"..
وفي إطار أنظمة مراكز التحكيم، فإن المادة 16 من نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية تسير في نفس الاتجاه، حيث أنها قيدت محكمة التحكيم عند تحديدها للغة أو لغات التحكيم بأن تأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف ذات الصلة، بما فيها لغة العقد، وهو ما تنص عليه كل من المادة 17 من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي والمادة 14 من نظام تحكيم الهيئة الأمريكية للتحكيم.
فالتشريعات الوطنية المقارنة خولت الخصوم والمحكمين حرية اختيار لغة أو أكثر للإجراءات والمرافعات، كما خول الخصوم حرية اختيار لغة حكم التحكيم. ويظهر ذلك ما نصت عليه المادة (29) تحكيم عماني والمادة (29) تحكيم سعودي والمادة (22) تحكيم بحريني وقطري بقولها "1-يجري التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى. ويسري حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وكذلك على كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك. 2-لهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق بكل أو بعض الوثائق المكتوبة التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم، وفي حالة تعدد هذه اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها". وهو ما يستفاد من حكم المادة 1494 من قانون المرافعات الفرنسي والمتعلقة بالتحكيم الدولي.
وفي حالة عدم اتفاق الأطراف على اللغة المستعملة في إجراءات التحكيم، فإن هيئة التحكيم تقوم بتحديد اللغة الواجب استعمالها مراعية في ذلك ظروف وأحوال كل دعوى على حدة أو يتم الرجوع إلى القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم لتحدد بأي اللغات تتم إجراءات التحكيم، أو تستند هيئة التحكيم على لغة الدولة التي اتفق الطرفان على اختيارها كمكان للتحكيم أو لغة الدولة التي انعقد فيها العقد محل النزاع أو جرى تنفيذه أو كان يجب تنفيذه فيها .
أما بخصوص إيداع حكم التحكيم فقد عالجته المادة (47) تحكيم عماني والمادة (46) تحكيم سعودي والمادة (25) تحكيم بحريني بقولها "يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أوصورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمة باللغة العربية مصدقا عليها من جهة معتمدة إذا كان صادرا بلغة أجنبية، وذلك في أمانة سر المحكمة المنصوص عليها في المادة (1) من هذا القانون". أما بالنسبة لقانون المرافعات الكويتي والإماراتي، فقد نصت المادة ( 1/183) من قانون المرافعات الكويتي والمادة (
6/212) من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي على أنه "يحرر الحكم باللغة العربية ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك، وعندئذ يتعين أن ترفق به عند إيداعه ترجمة رسمية". فالمشرع الكويتي والإماراتي طبقا للنصوص المتقدمة، قد ترك حرية اختيار لغة الحكم للخصوم أنفسهم يختارون المحكم أو المحكمين الذين يتقنون هذه اللغة، أما وجوب إرفاق ترجمة رسمية لهذه اللغة بالحكم عند إيداعه فقد قصد المشرع منها تمكين القاضي الذي يأمر بتنفيذه من مراقبته قبل إصدار هذا الأمر ). أما المشرع القطري لم يتطرق إلى اللغة المستخدمة في حكم التحكيم على أن لغة المرافعة أو الإجراءات أو الحكم، وطنية أو أجنبية، لا أثر لها على طبيعة حكم التحكيم من حيث كونه وطنيا أو أجنبيا أو دوليا، حيث يتوقف تحديد هذه الصفة على معايير أخرى غير معيار اللغة.