الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / لغة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / لغة التحكيم على ضؤ المادة /17/ من قواعد اليونسترال قراءة مقارنة.

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    509

التفاصيل طباعة نسخ

المحتويات

مقدمة                                                      ثانياً: ترجمة الوثائق والمستندات القانونية-

أولاً: تحديد لغة التحكيم (المادة /1-17/)                     المادة /2-17/

أ- تطبيق النص على ضؤ الممارسة بـصورة             أ- تطبيق النص في ممارسـة محكمـة

عامة و في اطار المطالبـات الايرانيـة-                      المطالبات الايرانية الاميركية

الاميركية تحديداً                                              ب- الممارسة المقارنة في ظـل بعـض

ب- التطبيقات العمليـة لمـسألة تحديـد لغـة                  قواعد التحكيم الأخرى

الإجراءات في ظل بعض القواعد التحكيمية                ج- الطـابع الاجرائـي لمـسألة اللغـة

الأخرى.                                                          والترجمة

ج- اشكالية ثنائية اللغة                                      الخلاصة

مقدمة:

    غالباً ما تجمع اجراءات التحكيم الدولي، محكمين وشهود وخبـراء، مـن خلفيـات لغويـة وثقافية مختلفة. واذا كان اعتماد لغة واحدة للإجراءات يطـرح مواضيع نزاعيـة مرتبطـة بالإنصاف بين أطراف التحكيم، فأن السماح لجميع المعنيين بإستخدام كل للغته الخاصة يمكن ان يؤدي الى لا فعالية وتأخير فضلاً عن ارتفاع كلفة الإجراءات. وقـد تطرقـت القواعـد التـ تعتمدها لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي (اليونسترال) فـي المـادة /1-17/ منهـا، فنصت على الأحكام التي تحدد اللغة الواجب اعتمادها فـي الإجـراءات الـشفوية والمـذكرات الخطية كما تضمنت بعض الأحكام القاضية بتحديد ترجمـة الملحقـات والمستندات الثبوتيـة المتقدمة في الإجراءات.

    تنص المادة 17 من قواعد اليونسترال (اصبحت المادة /19/ في مشروع القواعد المعدلـة ولكن دون تعديل في النص) على ما يلي:

1- مع مراعاة ما قد يتفق عليه الطرفان، تبادر هيئة التحكيم اثر تشكيلها الى تعيين اللغـة أو اللغات التي تستخدم في الإجراءات. ويسري هذا التعيين على بيان الدعوى وبيـان الـدفاع وكل بيان مكتوب آخر. كما يسري على اللغة أو اللغات التي تستخدم في جلـسـات سـماع المرافعات الشفوية ان عقدت مثل هذه الجلسات.

2- لهيئة التحكيم ان تأمر بأن ترفق بالوثائق التي تقدم بلغاتها الأصلية مع بيان الدعوى أو بيان الدفاع وبالوثائق أو المستندات التكميلية التي تقدم اثناء الإجراءات، ترجمة الـى اللغـة او اللغات التي اتفق عليها الطرفان او عينتها هيئة التحكيم.

    وعليه، فإنه يقتضي بالإستناد إلى هذا النص بحث كيفية تطبيقه عملياً من الناحيـة العمليـة لجهة تحديد لغة التحكيم أن لناحية الإجراءات الشفوية أم المذكرات الخطية والأحكام والقرارات (أولاً) وصولاً إلى مسألة ترجمة الوثائق والمستندات الثبوتية التـي يبرزهـا الأطـراف مـع مذكراتهم وتأييداً لمطالبهم (ثانياً) لاسيما على ضؤ ممارسـة محكمـة المطالبـات الايرانيـة- الاميركية، التي شكلت أحد أكبر المصادر للسوابق التحكيمية Arbitral Precedents ف ظل قواعد اليونسترال. وسيتم خلال البحث اجراء مقارنة مع الإجراءات المتبعة في ظل بعـض قواعد التحكيم الأخرى.

أولاً: تحديد لغة التحكيم (المادة /1-17/):

    لا بد من الاشارة أولاً الى ان مكان التحكيم لا يحدد بالضرورة اللغة الواجب استخدامها في اجراءات هذا التحكيم (على الرغم من وجود رأي مخالف يقول بوجوب اعتمـاد لغـة الرسـمية للدولة التي يقع فيها التحكيم)، الا اذا نص القانون الالزامي المعمول به في هذا المكـان علـى استخدام اللغات الرسمية التي تعتمدها البلاد على نحو الزامي، كما هي الحال في بعـض الـدول العربية كالكويت مثلاً وفي روسيا ايضاً.

أ- تطبيق النص على ضؤ الممارسة بصورة عامة و في إطار المطالبات الايرانية- الاميركية تحديداً:

    عملاً بالمـادة /1-17/، من حـق الفريقين اولاً وقبل كل شيء تحديد لغة الإجراءات في اتفاقهما. في الواقع، يقتضي ان يقـوم الفريقـان بتحديـد اللغة بصورة مسبقة مـن خلال اضافة بند يختص باللغة الى شرط او اتفاقية التحكيم". بهذه الطريقة، يستطيع الفريقان ازالة احد مصادر الخلاف المحتملة في بداية الإجـراءات التحكيميـة وبالتالي، التثبت مـن ان الجهود المبذولة في مرحلة الإجراءات ستتركز علـى موضـوع النـزاع وتحـضيرات القضية؟.

    وفي حال لم يتوصل الفريقان الى اي اتفاق حول اللغة الواجب استخدامها "تبادر هيئـة التحكيم فور تعيينها ودون ابطاء، الى تحديد اللغة (او اللغات) المعمول بها"، يرتكز اقتضاء هذه "الفورية" على واقع مفاده ان قرار تحديد اللغة الواجب اعتمادها هو شرط مسبق يقتضي توافره قبل البدء بتبادل المذكرات وبالتالي يجب ان ينـدرج فـي مقدمـة اعمـال الهيئـة التحكيمية.

    ان التفسير الحرفي لنص المادة /17/ يحمل على القول انها تمنح المحكمين، في غيـاب اي اتفاق بين الفرقاء ، الحق في تحديد اللغة بنفسهم بعد تعيينهم. الا انه انسجاماً والمبدأ العام القائل بأن خيار الفرقاء يسمو على غيره، على الهيئة التشاور مع أطـراف النـزاع وتشجيعهم للتوصل الى اتفاق حول هذه النقطة الخلافية. وقد تبعت محكمة المطالبات الايرانية- ألاميركية هذا السبيل وتمكنت في النهاية من الإستناد في كثير من الأحيان الى الإتفاقات المعقودة بين وكلاء كل من ايران والولايات المتحدة، التي توصل اليهـا الطرفـان بعـد تـشكيل هيئـة  التحكيم .

   الا انه عندمـا لا يتوافـر أي اتفاق على اللغة بـين الفـريقين، فأنـه مـن واجـب المحكمين، المنوط بهم تحديد لغـة الإجراءات، النظر في مختلف العوامل التـي يتفـق ان تكون مماثلة للعوامل التي قد يبحـث فيها الفريقان نفسهما قبل اتخاذ القرار حـول اختيـار اللغة .

   ومن بين العوامل التي ترتدي أهمية خاصة، هناك اللغة التي سبق استخدامها في التعاملات التجارية التي جرت بين الفريقين. ووفقاً للمسودة الاولية لقواعد اليونسترال، تم الاقتراح انه، في غياب أي اتفاق محدد، يجب دائما اعتماد اما لغة العقد واما اللغة التي استخدمها الفريقـان فـي مراسلاتهما " كلغة التحكيم .

   وعلى الرغم من أنه قد تم رفض هذه القاعدة الصارمة بإعتبارها تتعارض مع المرونـة المطلوبة في التحكيم الدولي ، الا انه يجب النظر إلى هذه اللغة عادة على انها الأكثر ملاءمة في هذا الاطار وان لم تكن حصرية، مع التنويه بأن القدرات اللغوية التي يتمتع بها المحكمين واطراف النزاع والمحامين تشكل أيضاً اعتبارات هامة. واذا كانت كل هذه العوامل تـشـير الى لغة واحدة (وغالباً ما تكون الانكليزية هي المستخدمة)، يصبح الإختيار سهلاً عندها. وما لم تكن الحال كذلك، خصوصاً عندما لا يكون اطراف النزاع قادرين علـى التحـدث بلغـات مختلفة، بل وأن صياغة العقد تكون قد تمت بلغتين اعتبرت كلتاهما اصليتين على حد سـواء، فمن الواجب بالتالي البحث في مسألة استخدام لغتين. ومع ذلك، يفضل عموماً اعتمـاد لغـة واحدة حتى في حالات مماثلة، لان سير الإجراءات بلغات متعددة قد يؤدي الى اطالة الوقـت المطلوب وكلفة التحكيم. وفي بعض الحالات، كما في حالة محكمة المطالبـات الايرانيـة - الاميركية، حيث تتمتع المساواة بين اللغتين الوطنيتين الرسـميتين بقيمـة رمزيـة تتخطـى الاعتبارات العملية في هذا الاطار، يصبح اعتماد ثنائية اللغة هو البديل الوحيد. وهنـاك حـلّ وسطي آخر من الجائز اعتماده عملاً بقواعد اليونسترال التي تسمح لطرفي النزاع بإستخدام لغتهما مع الابقاء على لغة واحدة للأحكام والقرارات الاخرى الصادرة عن هيئة التحكيم وما أن يتم تحديد اللغة من قبل هيئة التحكيم، حتى لا يعود بالإمكان تغيير ذلك إلا بناء علـى طلب من الفريقين بالاجماع .

ب - التطبيقات العملية لمسألة تحديد لغة الإجراءات في ظل بعض القواعد التحكيمية الآخرى:

   وبالمقارنة، تنص المادة /16/ من قواعد غرفة التجارة الدولية على ما يلي:

    "تحدد محكمة التحكيم، ما لم يوجد اتفاق مخالف، لغة أو لغات التحكيم، آخذة بعين الإعتبـار جميع الظروف ذات الصلة، بما فيها لغة العقد ."

  اما المواد /1-17/ و /2-17/ و /3-17/ من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي فقد نصت على ما يلي:

 /1-17/

   "تكون اللغة المبدئية للتحكيم لغة اتفاق التحكيم، ما لم يكن الاطراف قد اتفقوا بخلاف ذلـك وان يشترط دوماً الا يكون الطرف الغير المشارك أو المخالف سبباً للشكوى اذا جرت الاتصالات بين المسجل وبوشرت اجراءات التحكيم باللغة الانكليزية.

  /2-17/

    "اذا كان اتفاق التحكيم مكتوباً بأكثر من لغة فيجوز لمحكمة لندن للتحكيم الدولي، مـالـم ينص اتفاق التحكيم على مباشرة اجراءات التحكيم بأكثر من لغة تقرر اين من تلك اللغات تكـون اللغة المبدئية للتحكيم.

 /3-17/

   " متى ما تشكلت هيئة التحكيم، وما لم يتفق الاطراف على تحديد اللغة (لغات) التحكيم، فإن هيئة التحكيم تقرر لغة (لغات) التحكيم، وذلك عقب إعطاء الاطراف الفرصة لتقديم تعليق مكتوب والوضع في الإعتبار لغة التحكيم التي تستعمل في التحكيم، وأي امر آخر تراه مناسباً وفقا لكافة ظروف القضية المبدئية."

    ويلاحظ أن هنالك اختلافا بين كل من قواعد غرفة التجارة الدولية ومحكمة لندن، ففي حين ترك نظام غرفة التجارة الدولية هامشاً واسعاً من الحرية للهيئة في تحديـد اللغـة أخـذة بعـين الإعتبار جميع الظروف المحيطة بما في ذلك لغة العقد؛من الواضح أن قواعد محكمة لندن قد ارست نوعاً من القرينة لمصلحة لغة العقد المتضمن الاتفاق على التحكيم. وهكذا فعلـت قواعـد التحكيم الدولي للجمعية الاميركية للتحكيم (AAA) 19 وقواعد المنظمة العالمية للملكية الفكرية . WIPO

    الا ان هذه القرينة تبقى قابلة لاثبات العكس فيما لو تبين مثلاً ان المراسلات السابقة للنـزاع بين الاطراف قد تمت بلغة مختلفة عن لغة العقد. كما اقترح البعض اعتماد لغة القانون المطبق على العقد موضوع النزاع .

ج - اشكالية ثنائية اللغة:

   يطبق القرار المتعلق بلغة الإجراءات على كل المذكرات الخطية التـي يقـدمها الفرقـاء، بالاضافة الى الإجراءات الشفوية. واذا كان هناك لغتان مستخدمتان في الإجراءات، يقتضي حينها رفع كل هذه الإجراءات باللغتين؛ بالمقابل، يمكن استخدام اللغتين معاً في الجلـسات التـي مـن المحتمل أن تحتاج عندها الى ترجمة. وطبعاً، يحق دائماً للفريقين استبعاد الـشروط المتعلقـة بإستخدام اللغتين في ما يتعلق بمستند محدد مثلاً. وعليه، فإن ثنائية اللغة، سواء اعتمدت بنـاءً على موافقة الفريقين أم حددتها الهيئة التحكيمية، تبقى حقاً وليست واجباً على الفريقين الالتزام به. وفي غياب اي استبعاد مماثل، يطبق استخدام اللغتين ايضاً على الأحكام والقرارات والأوامـر وغيرها من القرارات التي تصدرها الهيئة ذاتها.

ان اتخاذ قرار بإعتماد ثنائية اللغة يتضمن أيضاً المساواة بين اللغتين المختارتين. وبالتـالي، يظهر انه، فـي المبـدأ العام، يجب رفع الوثائق واصدار القرارات باللغتين في آن واحد. لكن التزامن قد يكون صعب التوفيق مع المبدأ القائل بأن محكمة التحكيم يجب ان تدير أعمالها على وجه السرعة والاستعجال". . وقد أظهرت محكمة المطالبات الايرانية- ألاميركية مرونـة فـي إجراءاتها المتبعة لتكون على قدم المساواة مع هذا المقتضى. وعليه، فقد سمحت المحكمة بإعتماد اجراء بتوزيع مستند مرفوع بلغة واحدة على أعضاء المحكمة فقط بإنتظـار اسـتلام الترجمـة المطلوبة وتقديمها لاحقا على الفرقاء، بالإضافة الى ذلك، فإن المحكمة، وبدلاً من قيامها بـرفض تأخر أحد الفريقين في تقديم نسخة مترجمة باللغة الثانية عن مستند سبق أن قدمه في المحاكمـة، فقد منحت الطرف الآخر وقتاً إضافياً لتحضير رده منعاً لأي غبن بحقه. كما اعتبرت المحكمة أن ايداع أي مستند بلغة واحدة فقط هو كاف من اجل بداية احتساب المهل الزمنية على غرار تلك المحددة للتقدم بطلب حكم اضافي عملاً بالمادة /37/ من قواعد المحكمة.

     بالاضافة الى ذلك، ودائماً في موضوع تجربة محكمة المطالبات الايرانية الاميركية، حصل أحياناً بشكل عرضي وبناء على تعليمات محددة من رئيس المحكمة، أن صدرت القرارات عـن المحكمة، بما في ذلك الأحكام النهائية بالانكليزية فقط، ريثما يتم تحضير وايداع الصيغة الفارسية بمرحلة لاحقة. لكن هذه الممارسة قد لاقت بعض الاحتجاجات من الجهة الايرانية، التـي أبـدت حساسية تجاه الموضوع. ومع ذلك، يظهر أنه لا المادة /17/ ولا مبدأ المساواة العام المبين فـي المادة /1-15/ قد حالا دون هذا النوع من مرونة تطبيق ثنائية اللغة .

ان قبول ايداع أحد الفريقين في حينه لمستند بلغة واحدة فقط، شرط أن تحال النسخة الاخرى لاحقاً "ضمن مهلة معقولة " لا يتناقض مع شرط المساواة طالما أن القاعدة تطبق بشكل مماثـل على الفريقين واللغتين. وترتبط المهلة المعقولة بدرجة الغبن التي يمكن ان تلحق بالفريق الأخرى من جراء عدم ابلاغه المستند باللغتين. ولا تعتبر اجراءات الايداع غير النهائية لأحكام المحكمة وقراراتها المرفوعة بالإنكليزية فقط على اساس الغاية المذكورة متنافية مع قواعد اليونـسترال، على الرغم من ان ذلك يعني أن الفريق الايراني لن يطلع على المستند الا بعد مرحلة متأخرة عن نظيره الاميركي. ولا يتم الاخلال بمبدأ المساواة تلقائياً بسبب أي خروج عن المعاملة المطابقـة شكلياً؛ فالنقطة الاساسية لهذه المسألة تتمحور حول ما اذا كان احد الفريقين قد خرم من فرصـة المساواة في عرض قضيته. ولا يقع أي غبن في هذا المجال في حال، وكما حدث فـي قـضية Hood Corporation، احتسبت المهل الزمنية ذات الصلة بالموضوع لكل فريق من تاريخ تقديم المستند إلى ذلك الفريق بلغته الخاصة، على الرغم من أن هذا المستند قد رفع اليه في وقت سابق باللغة الاخرى. ومع ذلك، تقول القاعدة بأن هيئة التحكيم التي تستخدم لغتـين لا يجـب أن تحيد عن الاصول المتبعة الا في الحالات الاستثنائية المتعلقة بإصـدار الأحكـام أو القـرارات باللغتين في آن واحد. وفي ظروف مماثلة، يمكن أن يكون الحكم الصادر بلغة واحدة فقط غير واجب النفاذ، أو يبقى غير قابل للنفاذ طالما أن النسخة المترجمة الى اللغة الاخرى تبقـى غيـر متوافرة.

   ان اعتماد مبدأ استخدام لغتين في التحكيم يعني كذلك أن النصوص المرفوعة باللغتين هي رسمية وجديرة بالإعتماد والقبول على حد سواء. ويخلص هذا الإستنتاج الى ان الهدف من اعتماد لغتين يرمي الى تمكين الفريقين من العمل بلغة يفهمانها بشكل أفضل والتعويل عليهـا. لذلك، لا تعتبر شروط المادة /17/ في التحكيم الثنائي اللغة مستوفاة من خلال تقديم خلاصـة فقط عن المذكرات والمستندات بدلاً من ترجمة وافية للوثائق المودعة باللغة "الثانية". لكـن مبدأ صحة المساواة في التحكيم الثنائي اللغة، لا سيما في ما يتعلق بالتزام الطـرفين بإيـداع الوثائق، ليس المبدأ عينه المنصوص عنه في اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات في ما يتعلـق بترجمة المعاهدات المصدقة بلغتين أو أكثر. فعلى عكس المعاهدات المقصود فـي الأصـل اعتبارها معاهدات أصلية في لغات عدة، فإن مذكرات الطرفين في التحكيم التجاري لغة يصوغها عادة خبراء قانونيون بلغة واحدة في البدء، ومن ثم تترجم الى لغة اخرى فضلاً عن ذلك، لا تنص المادة /1-17/ على شرط عام يقضي بأن تكون الترجمـة مـصدقة حسب الأصول. وبما ان النسخة "الاولى" تعكس النوايا الحقيقية للطرف المعني على افـضل وجه، لذلك تكتسب الافضلية في حالات التباين المحتملة، لا سيما حيث يكون هذا الفريق قـد اعلن صراحة بأن لغته هي الواجب اعتمادها. لكن هناك استثناء لهذه القاعدة قابل للتـصور من الجائز اثارته في تلك القضايا النادرة حيث تضع طبيعة هذا التباين النية السليمة للفريـق الذي أودع هذا المستند موضع تساؤل. وهنا لا بد من الاشارة الى انه يبــدو ان تجربـة محكمة المطالبات الإيرانية الاميركية لم تكن ناجحة جداً لناحية نوعية الترجمات المعتمـدة هــذا امـر من شأنـه التأثيـر سلبـاً على الإجراءات أن لناحيـة الوقـت أم التكلفة.

    وفيما يتعلق بالحالة التي قد يبرز فيها تعارض بين مختلف اللغات التي ترجمت اليها الأحكام الصادرة عن هيئة التحكيم، فإنه يجب تصحيح هذه التباينات وفقاً للآليات المنصوص عنهـا فـي المادة 35 من قواعد اليونسترال المتعلقة بتفسير الأحكام. وعلى نحو مماثل، يجـوز تـصحيح القرارات الإجرائية عن طريق اصدار قرار جديد يزيل التباين أم الالتباس .

    أخيراً، وفيما يتعلق بلغة قواعد اليونسترال ذاتها المستخدمة في التحكيم، فإنه يجب استخدام القواعد في نسخة اللغة أو اللغات المستخدمة في التحكيم ذاته (عند توافرها بتلك اللغـة)، الا اذا اتفق الفريقان او قررت المحكمة خلاف ذلك. وفي حال تقرر استخدام لغتين، فمن الحكمة الموافقة أو التحديد أنه، في حالة الاختلاف بين النصوص، يجري الركون إلى النسخة الانكليزية الاصلية (وان لم تكن الانكليزية مدرجة بين لغات التحكيم) التي تلغي النسخ الاخرى كونها تمثل الـصيغة التي تعكس نوايا واضعي النص الاصلي على أفضل وجه.

ثانياً: ترجمة الوثائق والمستندات القانونية- المادة /2-17/:

تنص المادة /2-17/ على أنه:

   "يجوز لهيئـة التحكيـم ان تأمـر بـأن تـرفـق كـل الملحقـات والوثائق الاضـافية والمستندات المبرزة، التي جرى ايداعها بلغتها الاصلية، بترجمة الى اللغة أو اللغات المستخدمة في الإجراءات، وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين الفريقين أو لما حددته المحكمة عمـلا بالمـادة /1- "/17

أ- تطبيق النص ممارسة محكمة المطالبات الايرانية-الاميركية:

   ان المادة /1-17/ تنص فقط على لغة أو لغات التحكيم الواجب استخدامها فـي المـذكرات الخطية التي يرفعها الأفرقاء وبالتالي، فإن سائر الملحقات والمستندات وكل الوثائق المشابهة التي وردت في المادة /2-17/، كالبينة المستندية، يمكن ايداعها بلغتها الأصلية فقط، الا فـي حـال قررت هيئة التحكيم خلاف ذلك.

   وعليه وسنداً للمادة /1-17/، يكون الفرقاء أحراراً في الاتفاق على اللغة الواجب استخدامها في التحكيم في ما يتعلق بالمذكرات الخطية و الجلسات والقرارات الصادرة عن محكمة التحكيم، وان هذه الحرية لا تطال البيئة المستندية التي تطرقت اليها المادة (2) 17. الا ان لا شيء يحول دون قيام اتفاق بين الفريقين أيضاً حول وجوب ومدى ترجمة هذه المستندات وينعكس كـلّ اتفاق مماثل في تعديل المادة (2)17 بخصوص التحكيم المعني. لكن هذا التعديل أو الاتفاق العام حول ترجمة البينة المستندية هو الصعب التطبيق عملياً وللمحكمة، بدون شـك، ان تـولـي فـي تقديرها على ضوء المادة (2)17 الاهمية الكافية لكل الرغبات التي يعبر عنها الفرقاء بالإجماع. وفي غياب أي توجيه من قبل الفرقاء، يعتمد القرار الواجب على المحكمة اتخاذه بـشأن الأمـر بترجمة أحد المستندات، قبل كل شيء، على طبيعة المستند الذي نحن بصدده. فضلاً عن ذلك، ان المستندات المعدة خصيصاً بقصد التحكيم، مثل افادات الشهود المكتوبة، يمكن ان تتطلب ترجمـة كونها مرتبطة بشكل وثيق بالمذكرات الخطية الواجب ايداعها تلقائياً بلغة أو لغات التحكيم.

   بالمقابل، تقل أهمية الترجمة بخصوص المستندات التي لم يجر اعدادها خصيصاً قـضية المعروضة على التحكيم، لا سيما المستندات المنبثقة عن التعامل والمراسلات السابقة بين الفريقين والتي لم تتطلب ترجمة آنذاك.

   ونورد هنا على سبيل المثال، الفواتير وووثائق الشحن وغيرها من الوثائق التي لا تحتـاج عادة الى ترجمة، لا سيما اذا كانت كثيرة العدد.

   هذا وقد جرى تطوير هذه الأنواع من معايير الترجمة في الإجراءات التي اعتمدتها محكمة المطالبات الايرانية – ألاميركية. واستناداً إلى الكثير من الأحكام المعدلة الصادرة في قضايا متنوعة ، اعتمدت المحكمة، "مبادىء توجيهية لترجمة البينة المستندية". وتشكل هذه التوجيهات، المدرجة أو الملحقة بالأحكام المناسبة، أفضل مثال على موقف المحكمة من الترجمة.

    وفقاً للمبادىء التوجيهية التي ارستها المحكمة، ترفـع الافـادات المكتوبـة Affidavits والبينات الخطية المشابهة المعدة أو المودعة لغاية التحكيم باللغتين معاً. بالإضافة الى ذلك، هناك بعض الوثائق الأخرى المفروض ترجمتها. ففي هذا الاطار، هنالك الوثائق التي، وعلى الرغم من انه لم يجر اعدادها خصيصاً للقضية المذكورة، الا انها تعتبر جديدة بالنسبة الـى الفريـق الآخر، ونورد على سبيل المثال، المذكرات الداخلية لأحد الفريقين، والمراسلات بين أحد الفريقين وأي طرف ثالث. وتعود الحاجة الى ترجمة هذه الوثائق هنا الى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه بين الأدلة المقدمة للهيئة التحكيمية. لا شك بأن هذه النقطة الأخيرة تشمل العقد مموضوع النزاع أو غيره من الوثائق المعتمد عليها، المقتطفات من النصوص القانونية، كالمراسم التى تثبت الادعاء بالملكية، والمراسلات والاتصالات بين الفريقين التي قدمت الدليل على حيازة الملكية المزعومة أو تعديل الحقوق أو الواجبات التعاقدية العائدة للفريقين .

   أما المواد التي لا تحتاج عادة الى ترجمة وفقاً للمبادىء التوجيهية التي أقرتها المحكمة، فهي تتضمن فئتين من الوثائق. وتشمل هذه المواد أولا، المراسلات والإتصالات التي جرت بين الفريقين (بإستثناء ما ورد اعلاه) وثانياً، الوثائق التي تشمل التقارير التقنية، الفواتير، وثائق الشحن، وغيرها.

   ينص نظام المحكمة على مبادىء توجيهية تعود بالمنفعة على المحاكم الأخرى في ما يتعلق بتفسير المادة /2-17/ لقواعد اليونسترال. عند تطبيق هذه المبادىء، على المحكمة أن تأخذ بعين الاعتبار وجوب ممارسة سلطتها بموجب المادة /2-17/ على اساس كل قضية على حـدة مـع الاحتفاظ بتلك المرونة. وبما أن موجب الترجمة قد ألغي، فمن الحكمة أن تحتفظ المحكمة بحقهـا في أن تأمر أن تكون الترجمة صحيحة عند قيامها بذلك في مرحلة لاحقة من الإجراءات. من هذه الروحية، تحدد المحكمة مبادئها التوجيهية الخاصة كما يلي:

    يجب اعتبارها الحد الأدنى المطلوب؛ يجوز للمحكمة في أي مرحلة ان تأمر بترجمة مـواد اضافية من وسائل الاثبات بناء على طلب منها. يحق للطرف المعارض ان يرفع التماساً تنظر فيه المحكمة، بعد اعطاء الأسباب، من أجل ترجمة مواد اضافية محددة

   تنص الملاحظة (5) حول القواعد الخاصة بمحكمة المطالبات الايرانية - الاميركية علـى انه: 47.

   "تحال كل الخلافات او الصعوبات المتعلقة بالنصوص المترجمة إلى هيئة التحكيم من اجـل البت فيها ".

    وهذه هي الحال بلا ريب مع هيئات التحكيم الاخرى العاملة بموجب قواعد اليونسترال. ولا تتناول هذه النزاعات مسألة ما اذا كانت الترجمة مطلوبة ام لا فحسب، بل انها تتطرق ايضاً الى نتائج اهمال واجب الترجمة أو الترجمة بشكل دقيق. كما انه لا يؤدي ايـداع ملحـق أو مـذكرة خطية كان من الواجب ترجمتها بلغة واحدة فقط أو تقديم ترجمة ناقصة الى رفض قبول المذكرة تلقائياً. وعلى الأصح، يجب ان يمنح هذا الفريق الفرصة لتصحيح هذا النقصان اذا كان الاصلاح ممكناً دون الاخلال بشكل غير سائغ بحقوق الفريق الآخر أو بالإجراءات ككل. وفي حال لـم يكن الاصلاح ممكناً او اذا تخلف هذا الفريق عن اصلاح الخلل، يرد المستند المقدم كدليل عمـلاً بالمبادىء المشار اليها. ففي قضية Juliette Allen المذكورة سابقاً مثلاً، سـارت المحكمـة  بمداولاتها عملاً بالمادة /3-28/ من القواعد، حيث لم تأخذ بعين الإعتبار الا الدليل المودع حسد الأصول باللغتين الفارسية والإنكليزية، وفي النهاية قضت برد الادعاء.

ب- الممارسة المقارنة في ظل بعض قواعد التحكيم الاخرى:

   فيما يتعلق بالممارسة المقارنة في ظل قواعد تحكيمية أخرى، تجدر الإشارة الى ان المبـدأ العام السائد يقول بأن اعتماد لغة موحدة للتحكيم لا يعني بالضرورة وجوب ترجمـة المـستندات الثبوتية بتلك اللغة وان المستندات التي يمكن للفرقاء والمحامين والمحكمـين قرائتهـا وفـهـم مضمونها بلغتها الأصلية ليست بحاجة إلى الترجمة.

    اما في حال أصر أحد الفرقاء على الترجمة فان الممارسة في ظل قواعد غرفة التجارة تميل إلى تفضيل ان يقوم الفريق ذاته بترجمة تلك المستندات المبرزة من الخصم وإضافة كلفة الترجمة الى مصاريف التحكيم .

    الا ان الممارسة الانكليزية تبدو مختلفة بعض الشيء اذ يذهب الرأي الى ضرورة ترجمـة كل المستندات الى لغة التحكيم. وقد اعطت قواعد محكمة لندن المحكمة ام هيئة التحكيم سلطة الطلب الى الفرقاء اجراء مثـل هذه الترجمة، فقد نصت المادة /4-17/ من هذه القواعد علـى انه

    "اذا وجد اي مستند مكتوب بلغة تختلف عن لغة (لغات التحكيم، ولم يقدم لذلك المستند مـن جهة الطرف الذي يعتمد على المستند، فان هيئة التحكيم (اذا لم تكن هيئة التحكيم قد تشكلت) او محكمة لندن للتحكيم الدولي يجوز لها ان تأمر الطرف بتقديم ترجمة بالشكل الـذي تـراه هيئـة التحكيم او محكمة لندن للتحكيم الدولي كيفما كان."

ج- الطابع الإجرائي لمسألة اللغة بشكل عام وترجمة المستندات بشكل خاص:

    أخيراً، يجب التذكير بأن اتخاذ القرار المتعلق بلغة التحكيم، بما في ذلك الترجمـات، هـو مسألة اجرائية تطبق عليها المادة /2-/31 من القواعد. بالإضافة الى ذلك، وكما جرى التأكيد في ملاحظات اليونسترال حول تنظيم الإجراءات التحكيمية، فأنه "من المستحسن التوصـل الـى قرار حول ما اذا كان يجب تسديد نفقات الترجمة الكتابية أو الفورية مباشرة من قبل الخصم أو ما اذا كان يجب أن تنفق من الايداعات ثم تقسم بين الفريقين اضـافة الـى نفقـات التحكـيم الأخرى .

الخلاصة:

    يتبين مما تقدم أن المادة /17/ من قواعد اليونسترال اوجدت اطاراً على قدر من المرونـة اتاح للهيئات التحكيمية التعامل مع حالات من التنوع اللغوي على شيء من التعقيد وابتكار الحلول التي تناسب طبيعة التحكيم الدولي لا سيما عندما يصبح موضوع اختيار لغـة التحكـيم مرتبطـاً بعض الشيء بقضايا السيادة الوطنية كما في حالة المطالبات الايرانية - الاميركية.

    من هنا وعلى ضؤ تلك المرونة في النص والتطبيق ابقى مشروع القواعد المعدلـة الجديـد على نص المادة دون اي تعديل مستبعداً بذلك مجدداً محاولات ادخال بعض التوجيهات والقـرائن لمصلحة لغة العقد او مراسلات الأطراف السابقة للنزاع، على غرار الحال في قواعد تحكيميـة أخرى، فإبتعدت الصيغة الجديدة عن آية تعقيدات قد يكون من شأنها اعاقـة عمـل المحكمـين والأطراف على حد سواء.

    والحقيقية ان الأمر هنا لا يرتبط فقط بمرونة النص المعتمد، لأن الأهم يبقى المقاربة التـي يعتمدها المحكمون في ممارستهم للسلطة التي يمنحهم اياها النص في مجال تحديد لغة التحكـيم. ذلك لأن الهدف الذي يجب أن يبقى نظير اعين المحكم لدى تحديد لغة التحكيم، هو ايجاد تـوازن دقيق بين مبدأي المساوة بين الأطراف وتأمين حق الدفاع من ناحية، وضرورات الفعالية والحـد من تكلفة الإجراءات وعدم اطالة مدتها دون طائل من ناحية أخرى.

    بالمقابل، لا شك ان لأطراف التحكيم ذاتهم مع محاميهم ومستشاريهم القانونيين دوراً أساسياً يكمن في تسهيل عمل المحكمين، بإتفاقهم على اللغة سواء مسبقاً في الإتفاق على التحكيم ام لاحقاً في المرحلة التمهيدية للإجراءات وفقا للقواعد التي جرى عرضها وبما يحول دون نشؤ مـسائل خلافية فيما بعد يكون من شأنها اطالة آمد تلك الإجراءات وزيادة كلفتها المالية.