الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اجراءات خصومة التحكيم / لغة التحكيم / الكتب / التحكيم التجاري دراسة قانونية مقارنة / لغة التحكيم

  • الاسم

    شاهر مجاهد الصالحي
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    169

التفاصيل طباعة نسخ

لغة التحكيم :

    ولغة التحكيم تكتسب أهمية كبيره وتثور حولها المشكلات في التحكيم التجاري الدولي، خاصة عندما تكون اللغة المستخدمة في الإجراءات جهلها أطراف النزاع.

أولاً: أهمية قانونية وثقافية للغة التحكيم :

     لغة التحكيم موضوع بالغ الأثر ... وأهميته تتضح في عدد من الجوانب القانونية والنفسية، بل وتمتد إلى نواح أخرى فكرية وثقافية وحضارية أيضاً، مما يعني أن موضوع اللغة له جانب كبير من الأهمية وخاصة عندما يترك أمر تحديد هذه اللغة لهيئة التحكيم.

    والمسألة هنا ترتبط بالمعايير التي تعتمدها هيئة التحكيم وهي بصدد اختيار اللغة هل يكون الاعتماد هنا على لغة العقد أو لغة القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ؟ أم على قانون الإجراءات ؟

     هناك حالات تحكيم دولي كثيرة تعتمد معيار لغة العقد محل النزاع ... واعتماد هذا المعيار ربما بحاجة إلى مراجعة، ذلك أن لغة العقد أحياناً لا توفر العدالة... وفي بعض حالاتها لا تكون مقنعة، وبالذات عندما تكون لغة العقد تختلف عن لغة أو لغات أطرافه. ويصادف أن الأطراف أحيانا تختار لغة العقد (لغة ثالثة) لأمر تمليه الضرورة خاصة عندما يجهل كل طرف لغة الآخر. ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الأطراف هنا قد تخلوا عن أي ارتباط بهوياتهم الثقافية واللغوية وإنما جسدوا إرادتهم وتوافقوا على تفويض سلطة واختيار إجراءات تحكيمية تضمن لهم تحقيق العدالة أو تقريبها وفي نفس الوقت تحترم هوياتهم الثقافية.

ثانياً: مشكلة لغة التحكيم :

    على الرغم من أن التحكيم صار في الوقت الراهن من أنسب وأعدل وسائل حل المنازعات الناجمة عن المعاملات التجارية، وأن الحاجة إليه تزداد يوما عن يوماً، إلا أن الملاحظ أن هناك مشكلات مختلفة لاتزال تعترض قضاء التحكيم وعلى وجه التحديد المرتبط منه بالتحكيم الدولي و أن هذه المشكلات والمعوقات بحاجة إلى دراسة جادة ومنتظمة من قبل المشتغلين في هذا الميدان.

    إن إحدى المشكلات التي تطال قضاء التحكيم التجاري الدولي والتي تتطلب الاعتراف بها و دراستها بشكل كاف هي قضية لغة أو لغات الإجراءات المستخدمة في العملية التحكيمة والتي لا تبدو فقط مشكلة ظاهرية بل بإعتبارها حقيقة، فالتحكيم الذي يتسع إنتشار استخدامه في كل الدول والقارات يفرض الحاجة - على الأقل - إلى تضييق المساحة في الاختلافات القائمة حول لغة التحكيم.

     باعتقادنا في التحكيم التجاري الدولي، قد يكون من الأنسب عند اختلاف لغة الأطراف إتاحة الفرصة لكل طرف بتقديم مذكراته ومستنداته والتحدث بلغته وفي نفس الوقت اعتماد لغة أخرى تكون لغة رسمية في إجراءات التحكيم. بطبيعة الحال هذا المعيار سيكون مكلفاً للوقت والجهد وللترجمة، لكن إذا اعتبرنا أن للغة التحكيم سلطة مؤثرة على سير إجراءات التحكيم نظرا لما تحتويه من فكر قانوني وتقاليد قانونية، فإن ذلك يوجب على هيئات التحكيم ليس فقط تحقيق العدالة فيها تقضي به، ولكن يدعو أيضا إلى احترام لغة الأطراف وأن نضع لها كل الاعتبارات.

ثالثاً: من يحدد لغة التحكيم :

    على اعتبار أن موضوع لغة التحكيم يعتبر من الموضوعات التي تتسم بالحساسية والتعقيد، فمن الأفضل دائما أن يحدد من قبل الأطراف في اتفاق التحكيم، لا أن يترك موضوعها لهيئة التحكيم.

    لأن اللغة تحدد من هو المحكم الذي يمكن أن يكون أنسب للنظر في النزاع، ويرتبط هذا الأمر كذلك بتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع بحيث تكون اللغة هنا متلائمة مع خيار تحديد القانون المطبق بحيث تكون لغة التحكيم نفس لغة هذا القانون، وبحيث يأتي إلى التحكيم حقوقيون قريبون من روح القانون المطبق مطلعون على فقهه والاجتهاد فيه، ليس من مجرد ترجمته، فيعطي القرار التحكيمي حسماً نابعاً من واقع العدل وملائماً لروح الحق وليس حلاً نظرياً.

     وعند تحديد اللغة أو اللغات المستخدمة، فإن هذا الاستخدام لابد وأن يسري على كل ما يتعلق أثناء إجراءات العملية التحكيمية، من تحرير البيانات والمذكرات المكتوبة أو المرافعات الشفوية بالإضافة إلى أي مذكرة توجهها الهيئة أو قرار تتخذه أو حكم تصدره، وبافتراض أن أساس العلاقة العقد على سبيل المثال، والمراسلات بشأنها هو باللغة العربية، وكان القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع الذي اتفق عليه الأطراف هو قانون دولة عربية، والتحكيم يجري على أراضيها، فمن الطبيعي والمنطقي هنا أن تكون اللغة العربية هي لغة الإجراءات سواء اتفق بشأنها الأطراف أو حددتها هيئة التحكيم.

    لكن ماذا لو اتفق الأطراف - الذين ينتمون إلى لغتين مختلفتين - في الشرط التحكيمي بأن يستخدم كل طرف لغته في إجراءات التحكيم أو قررت الهيئة ذلك ؟ هذا أمر متوقع ويترتب عليه إلمام هيئة التحكيم باللغتين وبمعنى آخر العقد التحكيمي هنا يأتي بالمحكمين. لكن إذا كان أحد المحكمين لا يستطيع فهم إحدى اللغتين، ففي هذه الحالة سيتوجب أن تكون وثائق التحكيم والدعوى وشهادة الشهود المقدمة بهذه اللغة مترجمة ... لكن هذا سيؤدي إلى الإبطاء في الإجراءات وارتفاع في التكاليف بشكل عام. من ناحية أخرى هذه الحالة قد تبرز مشكلة ثانية تتعلق بلغة حكم التحكيم، فهل يصدر الحكم باللغتين أم بلغة واحدة فقط؟ وبأي من اللغتين يجب صدوره؟.

   واستخدام عدة لغات في العملية التحكيمية الواحدة قد يكون في بعض الأحوال المحل الذي لا مفر منه، لأن ذلك قد يتبع لهيئة التحكيم التغلب على المشكلات التي تنشأ في وقت يخفق فيه الأطراف في اختيار لغة واحدة للتحكيم، وهذه المشكلة تظهر عادة في التحكيم التجاري الدولي عندما يكون الأطراف منتمين إلى دول مختلفة ولا لتجمعهم لغة واحدة.

    ومن يتولى تحديد لغة التحكيم سواء الأطراف أو هيئة التحكيم، لاشك أنه أيضا من يتولى التعديل ... فإذا كانت الهيئة من حدد ذلك وقدم الأطراف أثناء الإجراءات مستندات بلغة غير اللغة المحددة للاستخدام في التحكيم فإنه يحق للهيئة في هذه الحالة أن تأمر بإرفاق ترجمة لتلك المستندات إلى لغة التحكيم... كذلك للهيئة في حالة تعدد لغات التحكيم أن تقصر الترجمة على لغة واحدة فقط.

    وعندما يناط بالهيئة تحديد واختيار لغة التحكيم لاشك أن الأمر يستدعي منها مراعاة عدد من المعايير والظروف المحيطة التي تتصل بعدد من الأمور مثل اللغة المستخدمة في العقد محل الخلاف ولغة اتفاق التحكيم، ولغة القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع الذي اختاره الأطراف، ولغة قانون الإجراءات ومكان التحكيم والبلد الذي يفترض أن يتم فيه تنفيذ حكم التحكيم. لكن قبل كل هذا نعتقد أنه يفترض بالهيئة مراعاة ملاحظات الخصوم.

رابعاً: موقف القوانين من لغة التحكيم :

    تناولت قوانين التحكيم محل البحث موضوع لغة التحكيم بشكل متقارب، ففي الغالب. أناطت في مسألة تحديد اللغة لاتفاق الأطراف وفي حالة عدم تحديدها من قبلهم، تبادر هيئة التحكيم بتعيين اللغة أو اللغات التي تستخدم في إجراءات التحكيم.

ينص القانون النموذجي للتحكيم على الآتي:

 1- للطرفين حرية الاتفاق على اللغة أو اللغات التي تستخدم في إجراءات التحكيم، فإن لم يتفقا على ذلك، بادرت هيئة التحكيم إلى تعيين اللغة أو اللغات التي تستخدم في هذه الإجراءات. ويسري هذا الاتفاق أو التعيين على أي بيان مكتوب يقدّمه أي من الطرفين، وأي مرافعة شفوية وأي قرار تحكيم أو قرار أو أي بلاغ آخر مصدر من هيئة التحكيم ما لم ينص الاتفاق على غير ذلك.

 2- لهيئة التحكيم أن تأمر بأن يرفق بأي دليل مستندي ترجمة له إلى اللغة أو اللغات التي اتفق عليها الطرفان أو عينتها هيئة التحكيم "

   وكما نلاحظ أن القانون النموذجي هو أيضاً يُخضع تقرير موضوع اللغة أولاً لأطراف التحكيم وثانياً لهيئة التحكيم.

    وينص قانون التحكيم المصري على أن -١- يجرى التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى. ويسري حكم الإتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وكذلك على كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك.

 1- ولهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق بكل أو بعض الوثائق المكتوبة التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم.

وفي حالة تعدد هذه اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها. "

    والنهج ذاته سارت عليه في موضوع اللغة قوانين التحكيم في كل من الأردن المادة (۲۸) وسوريا المادة (٢٤) والسعودية المادة (۲۹) ويظهر الاختلاف في نظام التحكيم السعودي، هو أنه قد نص على أن "يُجرى التحكيم باللغة العربية ما لم تقرر هيئة التحكيم أو يتفق طرفا التحكيم على لغة أو لغاتٍ أُخرى". حيث منح الأولوية لهيئة التحكيم في تقرير لغة التحكيم وجعل اتفاق الأطراف في المقام الثاني وهو عكس ما نصت عليه باقي القوانين .

    قانون التحكيم العراقي لم يشترط كقوانين التحكيم العربية الأخرى بأن تكون لغة التحكيم هي العربية، ولكنه نص وبشكل مباشر على أن " يجري التحكيم باللغة التي يتفق عليها الأطراف، وفي حالة عدم الاتفاق تقوم هيئة التحكيم بتحديدها.. ".

    أما قانون التحكيم اليمني، فلم يتحدث صراحة عن موضوع اللغة ولم يحدد القانون ما إذا كانت اللغة العربية أو غيرها من اللغات هي التي تستخدم في الإجراءات، ومن الذي يحددها، الأطراف أم هيئة التحكيم... وهو النهج ذاته الذي أتبعته قوانين التحكيم العربية الأخرى. وقد أكتفى القانون بأنه أجاز " لطرفي التحكيم إذا كان أحدهما أو كلاهما غير يمنيين، الاتفاق على القانون الذي يخضع له التحكيم شكلاً وموضوعاً وعلى لغة التحكيم ومكانه".

    ونلاحظ أن قوانين التحكيم العربية وإن ظهر فيها بعض الاختلاف - باستثناء اليمن - قد نصت على أن " يجري التحكيم باللغة العربية " إلا أن تطبيق هذا النص قد قيدته قوانين هذه الدول وجعلت تطبيقه ممكناً إذا لم يتفق الأطراف على خلافه... وهذا يعني اختيار اللغة يكون في المقام الأول خاضعاً لإرادة الأطراف. فالأصل هو أن يتفق الأطراف أولاً على لغة التحكيم إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة... وفي حالة ترك الأطراف هذا الأمر للهيئة... فهي من يتولى تحديد لغة التحكيم تجيز لها هذه القوانين تحديد لغة أو لغات أخرى غير العربية حتى لو كان التحكيم داخليا وليس فقط دولياً.

   وبهذا، تكون هذه القوانين قد حسمت الاجتهاد بالنسبة لمسألة اللغة بل أنها أحدثت تغييراً في بعض المفاهيم القانونية التقليدية بالنسبة لإجراءات التحكيم وخاصة التحكيم الداخلي.