تجرى الإجراءات القضائية أمام محاكم الدولة بلغتها الرسمية، فإذا كان أحد الخصوم أو الشهود أو الخبراء أجنبياً لا يتكلم لغة الدولة يجب أن تكون لأقواله ترجمة الى لغة الدولة ، وكذلك يكون الأمر إذا قدم في الخصومة القضائية مستند بلغة أجنبية حيث يتعين أن تكون له ترجمة رسمية إلى لغة الدولة.
أما في التحكيم الوطنى فانه ولئن كان الأصل أن تتم الإجراءات والمرافعة ويكتب الحكم بلغة الدولة التى يجرى فيها التحكيم فانه يجوز للطرفين الاتفاق على أن تتم هذه المسائل بلغة أخرى خصوصاً في المنازعات ذات العنصر الأجنبى وتعدد لغك الخصوم.
لكن لا تخفى صعوبة الأخذ بهذا الرأى فى مجال التحكيم، عندما يكون المحكمون أو بعضهم أجانب من غير الناطقين بلغة الدولة التي يجرى فيها التحكيم، حيث يتعذر عليهم حينئذ صياغة الحكم وكتابته وتوقيعه بهذه اللغة . من أجل ذلك نصت المادة ۲/۱۸۳ مرافعات كويتي على أن يحرر الحكم باللغة العربية ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك، وعندئذ يتعين أن ترفق به عند إيداعه ترجمة رسمية.
على أن المشرع المصرى، إذ عالج التحكيم التجارى الدولى الى جانب التحكيم الوطني القانون رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، جاء أكثر تحرراً فى هذا الخصوص حيث لم يكتف بتخويل الخصوم حرية اختيار لغة الحكم التحكيمي وإنما خول الخصوم والمحكمين أيضا حرية اختيار لغة أو أكثر للإجراءات والمرافعة . ويظهر ذلك مما نصت عليه المادة ٢٩ من القانون المذكور من أن يجرى التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم له أو لغات أخرى. ويسرى حكم الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكرات المكتوبة وعلى المرافعات الشفهية وكذلك على كل قرار تتخذه هذه الهيئة أو رسالة توجهها أو حكم تصدره ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك. ولهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق بكل أو بعض الوثائق المكتوبة التى تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم. وفى حالة تعدد هذه اللغات يجوز قصر الترجمة على بعضها" . أما فيما يتعلق بإيداع حكم التحكيم فقد عالجته المادة ٤٧ من نفس القانون بقولها أنه يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها أو ترجمة باللغة العربية مصدقاً عليها من جهة معتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية ، وذلك في قلم كتاب المحكمة المختصة وفقاً لهذا القانون.
ثانياً : فى النظام الدولى
ولقد حرصت قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة UNCITRAL على تخويل الخصوم الاتفاق على لغة التحكيم في مختلف مراحله الإجرائية ، كما خولت محكمة التحكيم اختيار اللغة التي تراها مناسبة إذا لم يوجد اتفاق بشأنها بين الخصوم () وجاءت المادة ٢٢ من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى ترديدا لقواعد تحكيم اللجنة المذكورة فنصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه للطرفين حرية الاتفاق على اللغة أو اللغات التي تستخدم في إجراءات التحكيم فان لم يتفقا على ذلك بادرت محكمة التحكيم الى تحديد اللغة أو اللغات التي تستخدم في هذه الإجراءات ، ويسرى هذا الاتفاق والتحديد على أى بيان مكتوب يقدمه أى من الطرفين وأى مرافعة شفهية وأى حكم تحكيم أو قرار أو أى بلاغ آخر يصدر من هيئة التحكيم ما لم ينص الاتفاق على غير ذلك. كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه المحكمة التحكيم أن تأمر بأن ترفق بأي دليل مستندى ترجمة له الى اللغة أو اللغات التي اتفق عليها الطرفان أو عينتها محكمة التحكيم.
هذا، وإذا كان الغالب أن يفسر لجوء الخصوم إلى احدى منظمات التحكيم الدائمة الدولية التي تتخذ مقرها في دوله معينه على أنه اختيار الخصوم للغه هذه الدوله لتكون لغة الاجراءات التحكيم إلا أن معظم هذه المنظمات لا يمنع الخصوم من الاتفاق على استخدام لغة أخرى لهذه الإجراءات بما فيها المرافعة والحكم. فعلى سبيل المثال لا يحدد نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس لغة معينة تجرى بها عمليات التحكيم ومن ثم يجوز للطرفين الاتفاق على هذه اللغة ابتداء، فإذا لم يوجد هذا الاتفاق كان لمحكمة التحكيم اختيار اللغة التي تراها أكثر ملائمة له وللطرفين.
لكن ولئن كانت معظم أنظمة التحكيم التجارى الدولى لا تحتم سلفاً استخدام لغة معينة في التحكيم أو في حكم التحكيم الا أنه يشترط للاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي أو الدولي وتنفيذه في إقليم دولة معينة ملتزمة بهذا الاعتراف والتنفيذ أن تقدم إلي سلطتها الوطنية المختصة بذلك ترجمة رسمية لهذا الحكم الى اللغة الوطنية لتلك الدولة. فوفقاً للمادة الرابعة من اتفاقية نيويورك لعام ۱۹٥٨ بشأن الاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها يجب على من يطلب هذا الاعتراف والتنفيذ في إقليم دولة من الدول الأطراف أن يقدم مع الطلب أصل الحكم الرسمى أو صورة من الأصل فضلاً على أصل الاتفاق على التحكيم. فإذا كان هذا الحكم أو الاتفاق غير محرر باللغة الرسمية للبلد المطلوب إليها التنفيذ وجب على طالب الاعتراف والتنفيذ أن يقدم ترجمة له بهذه اللغة ، ويجب أن يشهد على الترجمة مترجم رسمى أو محلف أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي. وقد قصد بذلك تمكين المحكمة الوطنية المختصة بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم المذكور مباشرة رقابتها اللاحقة على صحة هذا الحكم وعدم تعارضه مع النظام العام الوطنى واستيفائه للشروط الأخرى لتنفيذه، وهو مالا يتحقق لهذه المحكمة ما لم تكن بيدها ترجمة رسمية لحكم التحكيم يطمئن إليها وجدانهما . ولهذا أخذ المشرع المصرى بنفس الحل المقرر بالمادة الرابعة من الاتفاقية المذكورة وقننه في المادة ٥٦ من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، لاسيما وأن هذا الحل كان قد تقرر أيضا في المادة ٣٥ من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لعام 1985.